تزداد المخاوف حِدّة وشِدّة من ضربة محتملة أمريكية إسرائيلية على إيران في إطار الضغوطات التي تمارسها أمريكا حاليا على إيران لتغيير سلوكها كما زعمت، ويذكّرني ما قاله وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عن إيران من أنها تؤوي عناصر بل وقادة من القاعدة وأن إيران تسعى لامتلاك قنبلة نووية وغيرها من الادعاءات الكاذبة، يذكرني ذلك بما قاله كولن باول وزير الخارجية الأمريكي آنذاك قبل ذلك بسنوات في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن وأصرّ على الادعاءات الكاذبة التي أدلى بها في مجلس الأمن لضرب العراق، وقد استطاع أن يقنع الإدارة الأمريكية والعالم بأن العراق يمثّل خطرًا كبيرًا على العالم وعلى أمريكا تحديدا مما كان مبرّرا لإقدام جورج بوش الابن على ضرب بغداد وإنهاء حكم صدّام حسين بعد أن أقدم الأخير على ضرب إسرائيل في حرب الخليج الثانية بعد احتلاله الكويت. ولا شك أن الأحداث تعيد نفسها اليوم مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يعاني من أزمات داخلية خانقة آخرها إجراء محاكمة برلمانية لعزله من منصبه رغم أنه لم يبق من ولايته إلا أيام قليلة جدا، فقد حشر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو كل طاقاته في هذه الأيام الأخيرة لإقناع العالم أن إيران دولة إرهابية تحتضن القاعدة وقادتها وأن آخر من قُتل منهم كان في اغسطس في قلب العاصمة طهران، وبين أن إيران لا تلتزم بقواعد الوكالة العالمية للطاقة النووية وأنها تسعى بكل سرعة للحصول على قنابل نووية وهو ما لا يمكن أن يكون حسب زعمه، وربما فعل ذلك من أجل تخفيف الضغط على الرئيس الأمريكي لأنه يواجه محاكمة ثانية في الكونجرس إضافة إلى إحباطه الشديد من أصدقائه الذين خذلوه حينما أمر بقلب نتيجة الانتخابات الرئاسية التي جرت في الثالث من نوفمبر ومما زاد من ضغط أمريكا وإسرائيل على إيران في الأيام الأخيرة بعد نشر قاذفات أمريكية بي 52 في الخليج لاستعراض القوة وضرب إسرائيل المواقع الإيرانية في سوريا وتحديدا في دير الزور. فالمؤشرات التي ظهرت في الأيام الأخيرة توحي بنشوب حرب بين إيرانوأمريكا رغم صعوبة ذلك أو كما يقول البعض باستحالتها، لكن الأيام القليلة القادمة قد تحمل مفاجآت كبيرة لا تسر في المنطقة فقد يتهور ترامب ويرسل تعليمات للجيش الأمريكي بتوجيه ضربة عسكرية على إيران رغم معارضة الكونجرس ورغم أنه لا يملك الضوء الأخضر من مجلس الأمن الذي يملك الفيتو ضد مثل هذه العمليات، لكن الجنون الترامبي قد يدفع بهذا الاتجاه نحو تغيير النظام والقضاء على الثورة الإسلامية في إيران، ولكن في المقابل نجد إيران تمارس سياسة ضبط النفس على الاستفزازات التي يطلقها بومبيو بين الفينة والأخرى ومازالت تأمل أن يتغير الوضع في أمريكا نحو ما ترمي إليه إيران من رفع العقوبات الاقتصادية والاتجاه نحو تفعيل الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران مع القوى الكبرى ومنها الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهي في الوقت نفسه تظهر قوتها العسكرية بين الفينة والأخرى وتبين أنها ليست لقمة سائغة كما يظن بومبيو أو نتنياهو بل هي رقم صعب في المنطقة لا يُخترق بسهولة وأن على الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تعلم ذلك جيدا ولا تقوم بمغامرات هي في غنى عنها. ومما يوحي بقوّة إيران ذلك السرب الهائل من الطائرات المسيّرة وتلك القواعد العسكرية تحت الأرض، والصواريخ الباليستية التي في حوزتها، والقوة البشرية الهائلة التي تملكها والاستعداد التام للمواجهة إن وقعت، على كل المستويات برّا وبحرا وجوّا، مما يجعل إيران قوة عالمية يحسب لها ألف حساب، وطالما حاول بومبيو تشويه سمعتها، وطالما حاول نتنياهو تأليب العالم عليها، وطالما حاولت أمريكا أن تنال منها بكل السبل وعلى جميع المستويات إلا أن إيران بقيت صامدة بل إنها تقوى مرة بعد مرة لأنها تعلم أن هذه الإدارة الأمريكية الحالية سترحل حتما بكل اتجاهاتها وحماقاتها وربما تواجه محاكمة شديدة، وكذلك الأمر لنتنياهو الذي يعيش هو الآخر على وقع أزمة داخليّة شديدة التعقيد وسيحاكم أيضا وسيرحل. وتبقى إيران تتصرف وفق ما تبديه الإدارة الجديدة في الولاياتالمتحدةالأمريكية من مرونة وتعقّل، وتلعب أدوارا ديناميكيّة حسب الحدث، وهذا ما يميزها عن غيرها من الدول التي سارعت إلى التحالف معه أمريكا ضدها، لأنها تعلم أن السياسة الأمريكية يمكن أن تتغيّر وتتبدّل حسب المواقف والمصالح المشتركة.