................................................................................... يقول منظرو علم السياسة بأن مصادر قوة الدول هي: القوة العسكرية المرتبطة بتقدم صناعة السلاح ووفرة العنصر البشري والموقع الاستراتيجي، إلى جانب القوة الاقتصادية المرتبطة بعوامل الثروة الطبيعية والتقدم التكنولوجي والخبرة. ويقول هؤلاء العلماء بأن من يمتلك القوة بشقيها العسكري والاقتصادي يستطيع التحكم بقراراته وقرارت الآخرين بصورة من الصور، إذا توفر لديه الطموح. انطلاقا من هذه النظرية، كنت ولازلت مقتنعا بأن علاقة الكيان الصهيوني بالولاياتالمتحدةالأمريكية لا يمكن أن تخرج عن قوانين اللعبة هذه. فالولاياتالمتحدة التي تقدم ما يزيد عن عشرة ملايير دولار سنويا للكيان الصهيوني كمساعدات أو هبات مباشرة وغير مباشرة، إلى جانب كون الغالبية العظمى من الصناعات الاسرائيلية التي ينظر إليها البعض بانبهار ماهي إلا فروع للصناعات الأمريكية. من الطبيعي إذن أن تتحكم الولاياتالمتحدة بالقرار الاسرائيلي، ونورد فيما يلي بعض الأحداث على سبيل المثال- التي تؤكد ذلك. - ففي الوقت الذي كان يرى البعض أن الصوت اليهودي يتحكم في انتخابات الرئاسة الأمريكية، جاء انتخاب الرئيس الأسبق نيكسون في ولايته الثانية، رغم اصطفاف كل المنظمات اليهودية الأمريكية ضده. - وفي الوقت الذي يتحدث البعض عن ضخامة الثروات اليهودية الأمريكية مما يجعلها تتحكم بالقرار السياسي الأمريكي، جاءت الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي ضربت الاقتصاد الأمريكي والعالمي، فبينت الأرقام التي نشرت أن الثروة اليهودية الأمريكية ليست إلا نقطة في بحر الثروات غير اليهودية. - وفي الوقت الذي أرادت إسرائيل المشاركة في حرب الخليج الثانية (أزمة الكويت) أو في الحرب على العراق، أمرتها الولاياتالمتحدة بالتزام الهدوء أو منعتها لأسباب تتعلق بالمصالح الأمريكية، رغم سقوط صواريخ صدام حسين على حيفا وتل أبيب. - وفي الوقت الذي تبين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق شاميرلا يريد المضي في المخطط الأمريكي المسطر في مؤتمر مدريد عام 1991 والقائم على مبدأ الأرض مقابل السلام، قامت الولاياتالمتحدة بإسقاط حكومته في الكنيست الإسرائيلي وإجراء انتخابات جديدة أنجحت فيها إسحق رابين عام 1992، ليقوم بعد ذلك بالتوقيع على اتفاقات أسلو. - وفي الوقت الذي كانت اسرائيل تخوض حربا ضد حزب الله والمقاومة اللبنانية صيف عام 2007، وأمام عجزها عن تحقيق تقدم ملموس وأمام زيادة خسائرها البشرية والمادية، أرادت وقف إطلاق النار، لكن الإدارة الأمريكية ولأسباب خاصة لم ترد ذلك وأجبرت اسرائيل على الاستمرار في القتال رغم كل خسائرها. ويقول منظرو علم السياسية أيضا أن الأنظمة اللبرالية تستند إلى قواعد النظام الرأسمالي الذي يقول بأن مصالح الدول هي التي تحدد اتجاه سياساتها الخارجية وعلى ذلك فإن من المفترض أن يكون اتجاه السياسة الخارجية الأمريكية مع البلدان العربية نظرا لضخامة مصالحها لدى هذه الدول من حيث النفط والغاز، ومن حيث الأسواق العالية الاستهلاك، ومن حيث الأموال العربية التي لا يملك أصحابها منها إلا أوراقا عليها أسماء البنوك وأرقام المبالغ المودعة فيها، دون القدرة على التحكم فيها أو تحريكها. وقد كنا نتفهم خروج الإدارات الأمريكية المتعاقبة على معادلة المصالح والسياسات إلى غاية نهايات ثمانينات القرن الماضي، حيث كانت اسرائيل تلعب في الحرب الباردة دور القاعدة المتقدمة أو خط الدفاع الأول عن العالم الغربي الرأسمالي في مواجهة الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو. ولكن هذا الدور من المفترض أن يكون قد انتهى أو تقلص على الأقل بعد انهيار حلف وارسو وتفكك الاتحاد السوفياتي. ومع ذلك وجدنا أن السياسات الأمريكية تجاه اسرائيل بقيت على حالها بل وتعززت أكثر من أي وقت مضى على عهد الرئيس جورج بوش الابن. ولعلمنا أن الأنظمة العربية تتسابق على تقديم الطاعة والولاء للإدارة الأمريكية، مما يعني أن ليس هناك خطر منظور على المصالح الأمريكية في المنطقة، نقول لبعض مدعي العلم والخبرة من المتأسلمين الذين يقولون بأن اسرائيل ظلت تلعب نفس دورها السابق ولكن في مواجهة الاسلام هذه المرة، حيث يقولون بأن الغرب ينظز إلى الاسلام بأنه العدو الأول والخطر الحقيقي الذي يتهدده، ويقدمون امتلاك الباكستان للقنبلة النووية وسعي ايران لامتلاك النووية كمثال على خطورة ما يشكله العالم الاسلامي، نقول لهؤلاء: لا تنسوا أو تتناسوا أن الباكستان لم تحصل على القنبلة النووية إلا بعد الموافقة الأمريكية، وأن ما يسمى الخطر الإيراني ليس أكثر من غول تهدد به أمريكا الدول العربية، ونذكرهم بتصريحات وزير الدفاع الإيراني علي شمخاني بعد الهجمات الأمريكية على أفغانستان واحتلال العراق، حيث قال (لولا ما قدمته إيران من دعم لوجستي واستخباري ما كانت أمريكا لتحقق شيئا في أفغانستان والعراق). وبمناسبة مرور مئة يوم على رئاسة باراك حسين أوباما، نرى أنه من الواجب التذكير بما سمعناه قبل وبعد انتخابه من إصراره على قيام دولة فلسطينية ونيته العمل على وقف الاستيطان الاسرائيلي وغيرها من القضايا التي جعلت البعض في الساحة العربية والفلسطينية يرون في أوباما المخلّص الذي سينصف العرب ويوقف اسرائيل عند حدها، إلى أن بدأنا نسمع تصريحات أمريكية لا تختلف كثيرا عن تصريحات إدارة بوش، كالانسحاب من قمة العنصرية لأن الرئيس الايراني (الذي أقنع نفسه بأنه سيحرر فلسطين عندما يقول بأن اسرائيل أكثر دول العالم عنصرية). وسمعنا هيلاري كلنتون وزيرة الخارجية الأمريكية تقول أمام الكونغرس الأمريكي يوم 22 ابريل 2009 بأن بلادها لن تتعامل مع أي حكومة فلسطينية تضم حماس أو تموّل مثل هذه الحكومة ما لم تنبذ حماس العنف وتعترف باسرائيل في حين ان أساتذة القانون الدولي يجزمون بأن مثل هذا الإجراء هو من اختصاص الحكومة وليس من اختصاص الأحزاب المشاركة فيها. ولم نسمع شيئا من الإدارة الأمريكية كرد على الانتقادات العلنية الشديدة التي وجهها لها وزير خارجية اسرائيل افيغدور ليبرمان وأركان حزبه العنصري، ولم نر أي موقف تجاه إجراءات تهويد مدينة القدس أو ضد توسيع المستوطنات الصهيونية. وقد أصاب الدكتور صائب عريقات كبد الحقيقة حين قال بأن المحك الحقيقي للرئيس أوباما وإدارته هو الموقف العملي مما تقوم به الحكومة الاسرائيلية من هدم لمنازل حي الشيخ جرّاح في القدس تمهيدا لبناء حي يهودي جديد يكمل تهويد القدس، ومن توسيع المستوطنات الصهيونية المقامة فوق أراضي الصفة الغربية هذان الإجراءان اللذان أدانهما العالم أجمع، وظلت الإدارة الأمريكية تعلن (لفظيا) أنهما يعرقلان عملية السلام في المنطقة. إضافة إلى ذلك نذّكر الإدارة الأمريكية بجملة من المواقف الاسرائيلية التي يحتاج الموقف الأمريكي منها إلى تفسير: 1- قال وزير لخارجية اسرائيل افيغدور ليبرمان لصحيفة موسكو بسكي كومسومولتس الروسية عندما سألته عن رد فعل اسرائيل على رسائل أوباما الحازمة ضد تلكؤ اسرائيل في عرض برنامجها السياسي (إن الولاياتالمتحدة تقبل كل قرار اسرائيلي). 2- عين نتنياهو أحد المعروفين بعدائهم للرئيس أوباما وهو ما يكل أورن سفيرا لاسرائيل في واشنطن، مما اعتبره مسؤول كبير في البيت الأبيض (استفزاز واضح). 3- عين نتنياهو أحد الشخصيات غير المرغوب فيها في الولاياتالمتحدة وهو عوزي أراد رئيسا لمجلس الأمن القومي في اسرائيل. 4- ذكر الجزال بول سلفا السكرتير العسكري لهيلاري كلنتون في تقرير قدمه للوزيرة بأن اسرائيل لا تنفذ التزامات المرحلة الأولى من خارطة الطريق، وأنها تخدع الإدارة الأمريكية ولا تقول الحقيقة حول الاستيطان. 5- في الوقت الذي ترى الإدارة الأمريكية أن إحراز تقدم سريع على صعيد إقامة الدولة الفلسطينية كهدف رئيسي يساهم في تقليص النفوذ الإيراني، تربط اسرائيل التفاوض حول القضايا النهائية مع الفلسطينيين بإحراز تقدم على صعيد الجهود الأمريكية الرامية لوقف المساعي الإيرانية لحيازة سلاح نووي والحد من النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة وتعتبر ذلك شرطا جوهريا للتقدم في العملية السياسية مع الفلسطينين. وأخيرا لماذا نطلب التفسيرات من الإدارة الأمريكية؟ لماذا لا نطالب السلطة الوطنية الفلسطينية بتفسير موقفها الذي لازال يراهن على الموقف الأمريكي ويواصل التفاوض مع الإسرائيلي بطلب من الأمريكيين رغم قناعة قيادة السلطة أن قادة اسرائيل لا يريدون السلام. ولماذا لا نطالب حركة حماس بتفسير موقفها الملوّح بخيار المقاومة في نفس الوقت الذي تعتقل كل من يطلق الصواريخ على المستعمرات الصهيونية الجنوبية- مع أنها تسببت بخسائر فادحة لشعب فلسطين في قطاع غزة عندما رفضت تجديد عقد الهدنة أو التهدئة؟ وقبل أن نطلب من باراك حسين أوباما أن يحدد الاختيار بين اسمه اليهودي باراك واسمه الاسلامي حسين- مع قناعتي بأنه إن لم يختر الاسم الأول فلن يختار الثاني، علينا أن نطالب الدول العربية (مع رفضي لتسميات معسكر الممانعة ومعسكر الاعتدال لأنه ليس في القنافذ أملس) بأن تكون عربية القلب وليس بالاسم فقط، مع ما يستتبع ذلك من أنفة وغيرة وتضحية...الخ من القيم والأخلاق العربية والاسلامية. الرباط 3 ماي 2009