خيّب الرئيس الأمريكي باراك أوباما آمال حلفائه في الشرق الأوسط، عندما لم يذكر أي أحد منهم في خطابه الذي ألقاه الاثنين في البيت الأبيض، تدشينا لفترة رئاسته الثانية؛ والأهم من ذلك أنه أغلق الباب كليا في وجه أي تدخل عسكري، وأكد أن عقدا من الحرب انتهى، وأن الحوار هو الطريق الوحيد إلى السلام. رسالة الرئيس أوباما واضحة جدا، ملخصها أنه ليس في وارد التدخل عسكريا في سورية، ولا ينوي خوض حرب ضد إيران استجابة للضغوط الإسرائيلية، وسيركز على كيفية إخراج بلاده من أزمتها الاقتصادية الطاحنة. أمريكا في الأربع سنوات المقبلة من حكم الرئيس أوباما ستنكمش عالميا، وستنطوي داخليا؛ وإذا أرادت أن تقود، فإنها ستقود من الخلف، تماما مثلما فعلت أثناء تدخل حلف الناتو لإطاحة نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا، حيث اقتصر دورها على تقديم مساعدات لوجستية واستخباراتية، وتركت البقية لطائرات فرنسا وبريطانيا الحربية وشحنات أسلحة وأموال بعض الدول العربية، مثل السعودية وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة. الخطاب كان عبارة عن خريطة طريق لإعادة الانتعاش الاقتصادي، وخلق وظائف جديدة للعاطلين عن العمل، من خلال برامج تعليمية تركز على العلوم والتكنولوجيا والإبداع، وإحياء الطبقة الوسطى وتعزيزها. ترجمة ما ورد في الخطاب من أفكار، خاصة الشقّ المتعلق منها بالسياسة الخارجية ومرتكزاتها في المنطقة العربية، يمكن تلخيصها في النقاط التالية: أولا: لا توجد مخططات لدى الرئيس الأمريكي لإحياء عملية السلام، أو ممارسة أي ضغوط على الحكومة الإسرائيلية الجديدة لوقف الاستيطان والعودة إلى طاولة المفاوضات؛ ثانيا: اعتماد سياسة الاحتواء لإيران وتجنب خوض أي حرب لتدمير برامجها ومنشآتها النووية، طالما أنها لم تتخذ قرارا بتحويل هذه المنشآت إلى الإنتاج النووي لأغراض عسكرية، وتشديد الحصار الاقتصادي الذي بدأ يعطي مفعوله في كل المجالات، واختيار هاغل، الذي عارض التدخل العسكري في العراق، وزيرا للدفاع والهجمة الإسرائيلية الشرسة لهذا التعيين، يعكس هذه النوايا بكل جلاء؛ ثالثا: صمّ الآذان أمام كل النداءات التي تطالب بتدخل عسكري في الأزمة السورية، وإيكال هذه المهمة إلى دول إقليمية إذا أرادت ذلك، فتعاظم دور الجماعات الجهادية، وجبهة النصرة على وجه الخصوص، وفشل المعارضة السورية في تشكيل حكومة منفى، وبلورة قيادة كاريزمية قادرة على توحيد صفوفها، كلها عوامل جعلت إدارة أوباما تعيد النظر في سياستها تجاه هذه الأزمة؛ رابعا: تقليص الاعتماد على النفط الخارجي، والشرق أوسطي على وجه الخصوص، فقد ركز على هذه المسألة في خطابه الذي ألقاه أثناء حملته الانتخابية الرئاسية الثانية، عندما شدد على ضرورة تحرر أمريكا من هذا النفط، وأعاد الكرة مرة أخرى عندما أكد على ضرورة إيجاد مصادر بديلة للطاقة غير النفط، أو إلى جانبه. إسرائيل قد تنظر إلى هذا الخطاب من زاويتين، الأولى الشعور بالارتياح لأن الرئيس الأمريكي غير مستعد للدخول في مواجهة مع حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة حول تغولها الاستيطاني، والثانية بقلق شديد لأن تركيزه على انتهاء زمن التدخلات العسكرية، واللجوء إلى الحوار للوصول إلى السلام، وهذا قد يعني وضع خيار استخدام القوة في إيران جانبا، على الأقل في السنوات الأربع المقبلة. نتنياهو، الذي جعل الحرب على إيران لإنهاء طموحاتها النووية التي تشكل خطرا وجوديا على إسرائيل جوهر حملته الانتخابية الحالية، قد يصعّد حربه ضد أوباما مستخدما شعبيته الكبرى في الكونغرس كسلاح قوي في هذه الحرب. لا نستغرب، ولا نستبعد في الوقت نفسه، لجوء نتنياهو في الأشهر المقبلة إلى توريط «عدوه» أوباما في حرب ضد إيران، من خلال إقدامه على شن غارات منفردة تستدعي ردا إيرانيا؛ وفي هذه الحالة تضطر الإدارة الأمريكية، وبضغط من صقور الجمهوريين في الكونغرس، إلى التدخل لحماية الحليف الإسرائيلي، وقد تحدث عن هذا الاحتمال بصراحة ديك تشيني، نائب الرئيس السابق جورج دبليو بوش، قبل أشهر معدودة من تولي أوباما رئاسته. الحكومات العربية، وفي منطقة الخليج خاصة، التي راهن بعضها على حرب أمريكية ضد إيران، جرى التمهيد لها بتصعيد الاستقطاب الطائفي، ستكون أبرز أعضاء معسكر المكتئبين مما ورد في خطاب الرئيس أوباما، لأن السلام الأمريكي مع إيران، بصفقة أو بدونها، يعني إطلاق يد الأخيرة في المنطقة، وتحولها إلى قوة إقليمية عظمى نووية. أمريكا الجديدة تعبت من حروب الشرق الأوسط في ما يبدو، بعد أن احترقت يداها ورجلاها في العراق وأفغانستان، وأفلست خزائنها، ولم تعد تأبه كثيرا لمواصلة حربها ضد الإرهاب، وهذا ما يفسر برودها تجاه التدخل الفرنسي العسكري في مالي، وتناسخ تنظيم القاعدة وتوالده في معظم أنحاء الشرق الأوسط، وظهوره بقوة في دول شمالي إفريقيا ومنطقة الساحل. ديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا، قال يوم الاثنين إن الحرب ضد تنظيم القاعدة قد تمتد لعقود، فجاء ردّ أوباما واضحا: إنها حربكم وليست حربنا، فحربنا هي ضد البطالة والكساد الاقتصادي والإصلاحات الاجتماعية، أو هكذا فهمناه!