بعيدا عن الجملة الكلاسيكية المُزمنة: "حقوق المرأة"، والتي لم تعُد جملة مفيدة . تزدحم حياتنا بمشاكل كثيرة ومطالب عديدة أصبحت تُركن على الرف ،رغم إلحاحها والوضعية الهشة للفئات التي تتأثر بنتائجها. وضمن هذا الجانب يدخل موضوعنا ونعني به المرأة المعيلة والتهريب المعيشي في الناظور ،وذلك بعد غلق الحدود مع الثغر المحتل. فإذا كانت المرأة المغربية عموما قد حققت بعض التقدم في الالتحاق بالعمل بمختلف الميادين،غير أن هناك العديد من الأنشطة والجهود التي تقوم بها المرأة لا تُحسب كعمل!!حيث تعمل في القطاع السري أو الغير المهيكل وفي ظروف تُعبر بوضوح عن التهميش والهشاشة. ونتحدث هنا عن النساء العاملات في التهريب المعيشي لإعالة أنفسهن وأسرهن. وتتضمن هذه الفئة وزنا معتبرا من الأرامل والمطلقات واليتيمات والمتزوجات – حيث يكون الزوج مريضا، أو منحرفا أو عاطلا عن العمل- وهن من مختلف المراحل العمرية، تمتد من العشرينات إلى ما فوق الستين! هؤلاء كُنّ يشتغلن كحمّالات في تهريب السلع من مليلية كنشاط اقتصادي هامشي "يحدث في الظل". وفي ظروف قاسية تتعرض خلاله النساء للقهر وكل أشكال العنف، الأمر الذي يستدعي تشخيص تلك الظروف واستفحالها بعد غلق الحدود. مع أنه لايمكن إعطاء أرقام محددة لعدد هؤلاء النساء في غياب بحث إحصائي ميداني ،إلا أن المشهد العام في عين المكان وفي أوقات معينة يعطي الانطباع بأن الرقم كبير ، حيث يمكن تسجيل وفود عدد كبير من النساء على مدينة الناظور خصوصا مركز بني أنصار من المدن المغربية الأخرى ومن المناطق المجاورة للناظور بهدف ممارسة التهريب المعيشي. مما أدّى في النهاية إلى تنامي أحياء هامشية والسكن العشوائي في المنطقة. ولا زلنا نتذكر الماضي القريب جدا،الإقبال الملفت للنظر – وبمختلف الوسائل- للحصول على شهادة السكنى بالناظور وبالتبعية البطاقة الوطنية التي تمنح الدخول إلى مليلية بدون تأشيرة ،حيث كان لانضمام اسبانيا إلى اتفاقية "الشينغين" أثر إيجابي على السكان المجاورين لمليلية ، إذ كان على الدولة الاسبانية الالتزام بمنح المقيمين بالناظور الاستثناء في الدخول إلى مليلية بدون تأشيرة. وبنظرة بسيطة إلى أسباب الانخراط في هكذا عمل الغير قانوني، يأتي العامل الاقتصادي ، من فقر وحاجة وإعالة الأسرة على رأس هذه الأسباب ،التي دفعت بهذه الجموع من النساء لممارسة التهريب المعيشي،إضافة إلى شح فرص العمل وانعدام التعليم أو التكوين في مجالات أخرى. هذا وتجدر الإشارة إلى الظروف القاسية التي يشتغلن فيها هؤلاء النساء ،حيث يتعرضن لجميع أنواع العنف الذي يهدد باستمرار سلامتهن الجسدية والنفسية، وينعكس بالتالي عليهن وعلى أسرهن . كما تنعكس على المجتمع برمته من الناحية الصحية، حيث يصعب التأكد من مدة صلاحية السلع المهربة، والظروف الغير آمنة التي تُنقل فيها هذه السلع.ومن الناحية الثقافية،حيث تغيرت الأذواق والاختيارات ، وأثرت على نمط الاستهلاك والحياة اليومية ،في الأكل واللباس والسكن في غفلة منّا. إذ يصعب أو يستحيل أن نعثر على أحد سكان مدينة الناظور ونواحيها تخلو من سلع مُهرّبة! من المؤكد أن اشتغال هذه الفئة من النساء في التهريب المعيشي قد ساهم في إعالة الكثير من الأسر ،وتوفير لقمة العيش، كما مَكّن العديد منهن من توفير مصاريف الدراسة لأبنائهن ،وتحمّلن العبء الأكبر في الإنفاق على عكس الأعراف وحتى القوانين ومدونة الأسرة التي تُلزم الرجل بالإنفاق. من خلال ماسبق يمكن القول بأن غلق الحدود وتوقف التهريب العيشي،يقابلها عدم وجود إستراتيجية رسمية لاستيعاب المشتغلات بالتهريب المعيشي،وذلك بالقضاء على الأسباب الموضوعية التي دفعت هؤلاء النساء إلى العمل بهذا القطاع السرّي والغير القانوني الذي يؤثر سلبيا على حياتهن وكرامتهن، وضع هذه الفئة أمام أزمة عميقة وخطيرة، خصوصا بعد أن أنفقن كل مدخراتهن ولجوئهن إلى الاقتراض ، حيث أصبحن يعشن في مناخ من القلق والترقب والحاجة. وهو الأمر الذي سينعكس بالتأكيد على المجتمع المحلي من حيث استقراره الاجتماعي. إن معاناة هذه الفئة الهشة والمهمشة أصبحت تشكل اليوم صرخة تدعو صانعي السياسة العمومية لمعالجتها بشكل سريع،قبل أن يمتد تأثيرها ليشمل جميع فئات المجتمع المحلي.