تشييع جنازة الراحل محمد الخلفي إلى مثواه الأخير بمقبرة الشهداء بالبيضاء    "التقدم والاشتراكية" يحذر الحكومة من "الغلاء الفاحش" وتزايد البطالة    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جامعة الفروسية تحتفي بأبرز فرسان وخيول سنة 2024    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العيش البسيط

يقول عالم الاقتصاد الأمريكي جون بيركنز (مواليد 1945م) في كتابه " اعترافات قاتل اقتصادي " :"… إن الإنسان المعاصر يتعرض لممارسات هدفها، تحويله الى "اوموس ايكونوميكوس" أي إلى " انسان اقتصادي Homo œconomicus".
أصبحنا نشعر في عصرنا الحالي، أن شيئا ما لا يسير بشكل طبيعي، أو أنه ليس على مايرام. الشيء الذي أخد يشغل بال الكثيرين منا، خصوصا ما يتعلق بأنماط العيش العصري الذي أصبح يفرض علينا إرادايا أو لاإراديا في زمن العولمة. إنه عصر تنميط الثقافة والفكر وطرق الحياة بامتياز والتي يفرضها الشمال المهيمن اقتصاديا وسياسيا وعسكريا على باقي المعمور غير المستقل عنه، والمرتبط به اقتصاديا وحتى ثقافيا، مما أصبح يهدد بذوبان الخصوصيات والهويات الوطنية في كل الأصقاع، ويلحق الكل بعالم الاستهلاك..
وهنا نتساءل وبإلحاح : لماذا نعيش ؟؟ أو بالأحرى كيف نعيش ؟؟ ثم هل ما نعيشه هو الصيغة المطلوبة للعيش في هذه الحياة على كوكب الأرض؟؟
الواقع، أن ما فطرنا عليه أو ما لقن لنا عبر التربية الأسرية والتعليم والتجارب الشخصية، أن الهدف الأساسي من هذه الحياة هو أن نعيش في سعادة هادئة وباعثة على الطمأنينة بل وأزيد من ذلك.
قلت أزيد، كيف ذلك ؟
أكيد، فمن المعروف، أننا نعيش حاليا تخمة في كل شيء، مقارنة مع خمسين سنة مضت : تخمة في الأكل، في وسائل الراحة، في التكنولوجيا العالية التي سهلت الحياة إلى أقصى الحدود. مما أصبح يحفز على التواكل والتكاسل: اعلانات في كل الارجاء وعبر كل وسائل الاتصال والتواصل، حملات دعائية، تسهيلات في الأداء والتسديد… يبدو كأن كل شيء صمم لمزيد من الاقتناء. هكذا أصبحت السعادة مرتبطة بما نمتلك، وبالقيم المادية التي نحظى بها، وبمكانتنا الاجتماعية .. تفسر مبادئ الاقتصاد العالمية هذه الظاهرة بالمقولة الآتية : أصبحنا نحظى بما نحتاجه بطريقة أسهل وازدادت معه قدرتنا الشرائية، وانفتحت شهيتنا على المزيد من الاستهلاك وكل ذلك من أجل أن تدور عجلة الاقتصاد في حركة دائمة...
حقا، أصبحنا عبيدا للمادة وعبيدا للاستهلاك. والعبودية المعاصرة حسب الاقتصادي الروسي فالنتين كاتاسونوف في كتابه الشهير " من العبودية إلى العبودية " : هي مفهوم متعدد الأبعاد. فتعريف العبودية الاول الحرفي : هو امتلاك الانسان لإنسان آخر كاي ملكية قانونية أخرى. والمفهوم الثاني الذي يركز عليه الكتاب هو العبودية الاجتماعية الاقتصادية. وهي أن يستخدم شخص شخصا اخر ويستولي على حصيلة نشاطه العملي والذهني. ويعني الاستحواد على ناتج عمل الغير. والمفهوم الثالث : العبودية الروحية والفكرية وهو المفهوم الأكثر عمقا وهي التي يتم فرض عادات بشرية ما اوقيم مادية ما، فرضا على الناس، من خلال الهيمنة الدعائية. فالعبودية قد توجد بدون رأسمالية ولكن لا يمكن للرأسمالية أن توجد بدون عبودية حسب كاتاسونوف دائما.
وتحدث كارل ماركس قبله على نوعين من العبودية : الأولى : العبودية القانونية، كما كان فعلا في روما القديمة. عندما كان الانسان مادة يمتلكها انسان آخر. والثانية هي العبودية الماجورة والتي هي آكثر ربحا واكثرقسوة أي عبودية الشركات باستغلال العمال. لتحول المجتمع الى ما يشبه قطيع من الأجراء وهذا هو الوجه القبيح للراسمالية حسب وصف ماركس نفسه. يقول كيفن بايلز عالم الاجتماع الأمريكي ( مواليد 1952م) في هذا الصدد: ‘ حتى القرن العشرين، كان لا يزال سائدا في العالم، النظام الاستعماري الكولونيالي، الذي تأسس على ملكية بعض البلدان – بلدان المتروبول- لبلدان أخرى وهي المستعمرات. هذا النظام أصبح الآن طي الماضي، غير أن الشركات العالمية في ظروف عصرنا ليست أقل شدة في استغلالها للمستعمرات السابقة. وذلك باستيلائها على حصة الأسد مما ينتج هناك..واليوم تحولت عبودية الماضي المباشرة إلى عبودية الحاضر المأجورة..' اي العبودية الجديدة عبودية الضرائب و العبودية الائتمانية وهي في المرتبة الاولى. وتعني أيضا، ان العالم الراسمالي الحالي يتوافق بالكامل ومفهوم حضارة المال اي الحضارة النقدية. ومغزى الحياة عنده، يتلخص في الاستهلاك. إن تكلمنا مجازا نقول : فقد كف الناس عن عبادة الرب، وصاروا يعبدون إله الثروة أو ما يطلق عليه مصطلح ‘مامون'. وهو مصطلح يرمز إلى الثروة المادية، حين يملك الشخص أكثر مما يجب، في حين يحرم الآخرون حتى من ادنى الضروريات الاساسية ‘ كما عرفها ليو تولستوي . ففي عهد الرايخ الثالث بألمانيا، أصبح مفهوم "المامونيزم " مترسخا بما فيه الكفاية، حيث باتت الحضارة التي تقوم على أساس سيادة المال والشركات مقبولة ونالت الشهرة لدى كل الفئات. وسعيا وراء الاستهلاك السهل، ربط الناس انفسهم بالقروض. فأصبحوا عبيدا للديون المترتبة عليهم . تلك الالتزامات وتلك الديون الناجمة عن العلاقات الائتمانية مرتبطة عضويا بالنقود. اليوم كل النقود في العالم نقود ائتمانية اي أن اصدار مثل هذه النقود يؤدي إلى خلق الديون حتما…
فكيف يجري ذلك ؟ ففي كتاب جون بيركنز ‘ اعترافات قاتل اقتصادي ‘، يصف الكاتب وصفا جيدا تقنية فرض القروض على بلدان بكاملها، وعلى مستوى حياة الافراد اليومية يحدث الشيء ذاته، حيث يتعرض الانسان المعاصر لممارسات هدفها تحويله الى "اوموس ايكونوميكوس" أي إلى " انسان اقتصادي Homo œconomicus " أو الى "الروبوت البيولوجي". والأغرب – يضيف بيركنز – أنه لا تبقى لدى هذا "الروبوت البيولوجي" نتيجة هذا التحول، سوى ثلاث افعال انعكاسية وهي : ردود فعل لاارادية أولها : الحصول على المتاع لسد الحاجة، والتي يجب دفع ثمنها للحصول عليها، فضلا عن ذك فهي حاجة تتزايد باستمرار. وهذه هي العبودية الاستهلاكية . الفعل الانعكاسي الثاني هو الجشع وجمع المال. والثالث هو الشعور بالخوف. وعند التحكم في الافعال الانعكاسية الثلاثة هذه لدى الإنسان، من خلال التاثير على وعيه الباطني، يمكن الدفع به للقيام باي افعال تناسب أصحاب المال والشركات. وكمثال على هذه اللوحة المرعبة يصف الرواىي الأمريكي راي برادبري (1920- 2012) الإنسان بأنه :" أصبح في زمننا هذا، مثل منديل ورقي، يتمخطون به ويرمونه، ثم يتناولون غيره، ويعيدون الكرة. أي ان الإنسان تحول إلى مادة استهلاك لمرة واحدة فقط".
عموما، الذي يهمنا من كل ما سبق، أن الإنسان يفقد توازنه، كلما سقط في فخ الاستهلاك. ليصبح كائناً يعمل أكثر ويستهلك أكثر أيضا. ولكنه ومع ذلك فإنه لا يحظى بسعادة أكبر كما كان يؤمل. و هنا نتساءل : هل هناك حد في هذا السباق الخطير الذي يخوضه الانسان المعاصر (أي بين العمل والاستهلاك )؟؟ والمبني على المزيد، وعلى من يحدد هذه الحدود؟؟ وينثال على أذهاننا السؤال التالي : هل يجب أن نستهلك كل هذا؟ بل هل يجب علينا أن نستهلك بهذا الشكل ؟ وهل يجب علينا مواصلة الاستهلاك؟؟ وما هو البديل لذلك؟؟ثم كيف يمكننا التخلص من هذا السباق المرير واللامنتهي؟؟ فالأمر، حقا، أصبح يقض مضجع الكثير وبالحاح..
لقد بدأ أغلب الموظفين و العمال في المهن الحكومية او لدى الشركات الخاصة – ونعرف ما تتطلبه مهن كهذه من ضغط نفسي وإرهاق أحيانا – يتساءلون : لماذا كل هذا العمل المرهق؟؟؟ ولماذا عليهم أن يمتلكوا الكثير لإرضاء غرورهم والتباهي أمام الآخرين أنه هم أيضا يتبعون نفس نمط عيشهم؟؟؟ في الوقت الذي لا يستطيعون تخصيص وقت أكثر لأنفسهم ولأسرهم الصغيرة.
يصرح أحدهم : أنه أحيانا يشتري أشياء، لمجرد أنه يريد شراءها. وبنفس الطريقة عندما ينظر لما يشتريه من السوق أو السوق الأسبوعي أو من المساحات الكبرى، يلاحظ أنه قد اشترى ما لم يكن بحاجة إليه.
تشير الدراسات، الى أن الناس يستهلكون أكثر ويعملون أكثر، من أجل مواكبة سرعة حياة المدينة وايقاعها المتزايد باضطراد. كما أن عدد الأسر التي تصطحب أولادها إلى مراكز التسوق للمتعة في عطلة نهاية الأسبوع، أخذ في التزايد يوما بعد يوم. فمراكز التسوق تحيط بنا من كل جانب في المدينة وكأنها انبثت عمدا لاغرائنا ..وأول ما نفكر فيه هو الذهاب إليها. وهذا يعني أيضا أن شركات ومؤسسات أو جهات أخرى هي من يصوغ عاداتنا الاستهلاكية. أي هم من يبلورون عاداتنا الحياتية إن صح التعبير.
في هذا الصدد، يعتبر المحلل "فيكتور ليبو" لسلوك المبيعات : أن الاستهلاك في الحقبة المعاصرة أصبح بمثابة ‘دين جديد'.وأن لهذا الدين، معابد وطقوس أيضا. فالمعابد هي: مراكز التسوق، والطقوس : هي التسوق والاستهلاك. هذا الأخير يعتبر الشرط الأساسي لهذا الدين. وطبعا لهذا الدين كفرة أيضا ارتدوا عنه. أي الأشخاص الذين تجرأوا وقالوا : " كفى من الاستهلاك غير اللازم ". وهي بالمناسبة العبارة التي تكرهها الشركات والمؤسسات الإنتاجية و أجهزتها الدعائية. بل علينا القول حسب هذه التركزات الرأسمالية : لا يكفينا ما نقتنيه. فهل من مزيد ؟؟؟ وطبعا سيبيعونك أشياء جديدة على الدوام.
هنا نتساءل ما الذي نريده؟ أو ما الذي نريد أن نغيره ؟. الحقيقة لا تكمن في عدم شراء المزيد، بل ألا تشتري رغما عن رغبتنا. فلا يمكننا الاستمرار على هذا النحو، تلك هي القضية. فعندما نقرر عدم شراء ذلك الشيء الذي لا نحتاجه علينا أن نشعر بعدم وجوده. وهنا نجيب على السؤال الذي يليه وهو جوهري : لماذا نعيش ؟؟ الجواب هو لنكون اكثر سعادة.. فهل سنكون سعداء إذا لم نقتن أشياء لا حاجة لنا بها ؟؟ الجواب نعم بالتأكيد. أو هذا ما يفترض أن يكون.
لقد خطر ببال البعض، أن يوقف شريط الحياة في لحظة من لحظاتها، ليسال نفسه إلى أين يسير ؟ تعاقبت الأسئلة والاجوبة. ثم ما لبثت أن تحولت إلى نمط عيش أطلق عليه "العيش البسيط ". وهى فلسفة حياة بسيطة كبديل لحياة قائمة على الاستهلاك، ظهرت في أواخر ثمانينيات القرن 20 وتحديدا 1989، في عالم الغرب حيث تطورت ظاهرة الاستهلاك بشكل صارخ. وبدأ البحث عن حياة أكثر بساطة وطمأنينة. وقد أخذت هذه الفكرة في الانتشار تدريجيا في العالم أجمع، حيث بدأ الكل يشعر بأن أمرا ما لا يسير بشكل طبيعي، وأنه لابد من تغيير ما في حياة هؤلاء الذين يعتبرون "كفرة حياة الاستهلاك". كل قضيتهم تتمحور حول التساؤل التالي : لماذا نحن مضطرون للعمل كثيرا والكسب أكثر وإنفاق كل ما نكسبه ؟؟؟؟ أمن أجل هذا نعيش ؟؟؟. وقد وجد هؤلاء أن هناك كثيرا من الأشخاص لهم نفس انشغالهم عبر العالم، بل أصبح من المؤكد لديهم أن نمط الحياة هذا مفروض عليهم وانهم ليسوا أحرارا بما يكفي ؟؟ إذن لنرى كيف يعيش أصحاب العيش البسيط:
تختلف النظرة الى الحياة البسيطة برؤية الأشخاص والحدود التي وضعوها لأنفسهم. بعضهم يعيش بعيدا عن المدينة، وبعضهم يعيش حياة عزلة تامة، والبعض يريد ان يصل الى الحياة البسيطة وهو في المدينة. وهناك من حاول أن يسلك طريقا وسطا عند أخذ تقاعدا اختياريا، حيث نذر نفسه للحياة البسيطة. فقام بعملية التبسيط في المواضيع المادية والمعنوية والاجتماعية والسياسية والعقائدية. أول خطوة قام بها : انه لم يعد يصغي لعروض التسويق او التقسيط. ويرفض الرد على عبارة : خد البضاعة اليوم وادفع فيما بعد،. وعبارات من قبيل : اشتر واحدة وخذ الأخرى مجانا .. وتنزيلات نهاية الموسم، بضاعة السفينة الغريقة، آخر فرصة فلا تفوتها... هي في الحقيقة كلها تعابير وإشهارات صيغت بذكاء ميركانتيلي لخداعنا. عندما ترون هده الإعلانات، فاعلموا أن هناك حاجة ماسة لبيع تلك البضاعة لكم في ذلك الوقت بالضبط، ولستم أنتم المضطرون، وإنما المضطر هو الطرف الآخر.. ولكن يحفزونكم على المسارعة الى الحصول على تلك البضائع. فهي كلها فخاخ لإخضاعكم للآلة الاستهلاكية التي لا تذر.. طبيعيا عندما يحتاج المرء شيئا يذهب لشرائه نقدا وكفى. ولن يقبل لباسا إضافيا ولو مجانا. هذه الأشياء والادوات الزائدة تخنق الانسان. لقد اتخذ البعض مبدأ في بيته، حيث يضع بمعية أسرته قائمة لما يحتاجونه، ويحددون كل شيء، ولا يفكرون فيما قد يحتاجونه في الغد. فلا يجعلون هذا مبدأ على المدى البعيد. وبتوالي الأيام أصبحوا يشعرون وبشكل تلقائي أنهم على قاعدة أكثر انتظاما ووعيا في عملية الشراء. فالهدف من ثقافة الاستهلاك حسب كفرة الاستهلاك هؤلاء هو : "جعلنا ننفق كل ما بحوزتنا من أموال. والأدهى من ذلك أنه بواسطه بطاقة الائتمان، يجعلوننا نصرف حتى ما سنكتسبه في المستقبل".
على مستوى آخر، هناك من فكر في إنشاء قرية. حيث يحدد أفرادها احتياجاتهم وينتجونها بأنفسهم غير منصاعين لما هو مفروض عليهم دون مناقشته من قبل المؤسسات الإنتاجية والدعائية... هكذا ظهرت فكرة البيت البسيط، بترك حياة المدينة والانتقال للسكن في الريف. كان الهدف هو : تحقيق عالم مشترك، يعيش فيه الناس بسلام وفي جو ديمقراطي وفي انسجام مع الطبيعة بشكل فعلي. انطلاقا من فكرة أنهم إذا ما استطاعوا تقديم خيار كهذا لأولادهم فإنهم سيفيدون اكثر أفراد المجتمع ككل مستقبلا. فالانتقال إلى الحياة البسيطة حسب هؤلاء، لا يعترضه إلا موانع في أذهاننا. ففي كل لحظة في القرية البسيطة، تقدم لنا أجمل مناظر الكون وفي غلاف جوي متعدد الألوان. والإنسان هو المخلوق الوحيد، الذي يستطيع إدراك جماليات هذه الأرض وجمال هذه الكائنات. فهو الوحيد الذي أرسل الى هذا العالم ببنية تمكنه من إدراك هذه الجماليات بدرجاتها المتنوعة. لكن للأسف غدونا نهدر أعمارنا في هذه الدنيا لاهثين وراء أمور اخرى دون استخدام كل ما نملك من قدرات. اذن أين الغنى هنا؟
عندما نذكر كلمة الاستهلاك، تتسلسل القيم الانسانية كلها في القائمة: نحن نستهلك كل شيء.. نستهلك الدنيا ..نستهلك أيضا ما تنتجه المخلوقات الأخرى.. ثم نبدأ باستهلاك قيمنا أيضا وتلك هي الطامة الكبرى!!! . لذا يجب أن نخرج من لعب دور المستهلك المغفل. فنحن لم نأت الى الدنيا لكي نستهلك فقط !!!.
إن فهم تلك العلاقة بين الرغبة والحاجة هو وعي مذهل حسب أصحاب العيش البسيط. وهو مرحلة تنور وصحوة. تلك اللحظة التي يبدأ الإنسان بالعيش من أجل نفسه حقا.. وهو اوج التنوير الذهني.
في الحقيقة، فإن المادة ليست سوى حالة تكثيف للطاقة حسب نظرية آينشتاين، ولهذا فهي ليست شيئا يستحق ان يضحى بالحياة من أجله، لأنها عبارة عن مركب من الطاقات فقط. ولن يكون اختلاف حال الإنسان بين امتلاكها وعدم امتلاكها كالاختلاف بين الجنة والنار خيارا سهلا.
ومع انتشار فكرة العيش البسيط، ظهرت تطبيقات متنوعة لهدا العيش: تم البدء بفعاليات ونماذج من قبيل : الأكل البطيء، وحركات تطوعية مثل : أسبوع إغلاق التلفاز ، ويوم بلا تسوق، يوم بلا سيارات الخ… أسس هذه الحركة أربعة أشخاص في سياتل الأمريكية 1989. يعتنون باموالهم واوقاتهم وخياراتهم. باختصار بدأوا يعتنون بحياتهم. وبدأ يتردد ذكر هذه الحياة البديلة على جميع المنابر : من المواقع الشخصية، الى وسائل التواصل الاجتماعية، والجمعيات وأصبح هذا المفهوم أي " الحياة البسيطة "عالميا.
إن كنتم فقراء ومحرومون فانتم في بساطة اضطرارية. أما العيش البسيط، فهو اختيار إرادي، حيث يختار الانسان الحياة البسيطة بارادته الحرة. حينما يكون ابتعاده عن هذه الحياة بيده أي ما يعرف بالبساطة التطوعية. بل في جوهر الفكرة نجد أن الإنسان يختار عيشا غنيا... إنها الحياة الحقيقية إن صح القول. انهم يرون أنهم يعيشون الحياة الحقة والمنطقية، وليس الحياة البسيطة. لأنهم ادركوا ان الانسان يحصل على الصحة باسلوب العيش الصحيح هذا. كيف ذلك ؟؟ : بأن يتغذى بغذاء صحي، ويبتعد عن الكيماويات، ولا يستهلك طعاما خاضعا لعملية التكرير. لا يستخدم الملح المكرر، والسكر المكرر، والزيت المكرر : مثل زيوت عباد الشمس، والذرة، والبندق. لا يستهلك المعلبات التي يتم إطالة أمد استهلاكها. لا يستخدم المواد الحافظة، والمنكهات، والمنتجات المصنعة، والخاضعة لتعديل وراثي، ولا التي تخضع لتقنية النانو، لا يستخدم أي عطور ستاتيكية ومنظفات بتروكيماوية. لا يستخدم الأدوية الكيماوية. لا يتلقى لقاحات. لا يستخدم معجون الأسنان والعطور ومواد العناية بالبشرة او الشامبو او كريم الشعر. يستخدم الزيوت الطيارة، أو ماء الورد كمنشط. وحتى ولادة الأطفال تتم بالبيت بطريقة طبيعية. ويختار من الأقمشة من الصوف أولا، ثم القطن، الكتان ثم الحرير .ويفضل الألوان الأكثر طبيعية…
إن الذين يعتقدون في ان الحياة البسيطة تساوي : الحرمان، يريدوننا أن نقول وهم يتلهفون لسماع ذلك : "نعم نحن محرومون من أشياء كثيرة نشتاق اليها. ليتنا نستطيع العيش مثلكم ونستهلك ما تستهلكون يا حسرتنا على ضياع هذه اللذة". ولكن الأمر ليس بهذه الشكل : فعدم شربنا للمشروبات الغازية، ليس حرمانا بالنسبة لنا. لأننا لا نتذكر ذلك الشيء بتاتا، ولا نعرفه بل ولا نشعر بالحاجة إليه، ولا نشتهيه في الحقيقة. يقول أحد ناهجي "الحياة البسيطة" بعد مرور سنة على تجربتها : "عند تصفح الشبكة العنكبوتية، تجد عدة معلومات مندرجة تحت عنوان' البيت الخالي من السموم ‘. انطلاقا من ذلك، يمكن للإنسان أن يصنع كل شيء يحتاج إليه في البيت تقريبا مثل : منظف للملابس، ومنظف جلي للغسالات. بالإمكان صناعة صابون اليدين، وصابون غسيل الملابس، ومعجون الأسنان، وكل مواد تنظيف الارضيات. وفي المحصلة، فإن الأبناء سيتبعون نموذج الوالدين في السلوك. بل سيجدون المتعة في مشاركتك إنجازاتك تلك. فابنتي مثلا، تقضي معي وقتا أطول في إعداد الطعام أكثر مما تقضيه في اللعب بأغلى الألعاب وأنها تستمع بذلك. وقد انتهزنا الفرصة أيضا للتخلص من الأشياء البلاستيكية في المطبخ كما تخلصنا من المواد الكيماوية في الحمام. وعليه فقد غيرنا من عاداتنا في الشراء. أعتقد أنه أصبح راسخا في حياتنا أننا بسطنا البيت بشكل ملحوظ. من هذا المنظور يمكننا القول بأننا لم تعد توجد في بيتنا أغراض ليس لها وظيفة. ما عدا بضع أشياء قليلة جدا. بهذا لم نعد عبيدا لأغراض.. أي أننا أصبحنا نعيش حياة نتحكم فيها في كسبنا وفي انفاقنا وإنفاق وقتنا ايضا. وفي مرحلة اتخاذ القرار، فإننا نحاول أيضا أن يكون القرار ملك أيدينا؛ عندما غيرنا الأشياء التي اعتقدنا أنها غير صحيحة في حياتنا. لم نفعل ذلك لنقول أننا كسبنا مالا بهذا القدر، ووفرنا كذا من الوقت. لأن الطمأنينة التي شعرنا بها نتيجة شعورنا بأننا عملنا ما هو صحيح، كانت أهم من ذلك بكثير . ونستطيع أن نواصل ما تبقى من حياتنا من النقطة التي توصلنا إليها الآن. أنا أومن أيضا بأننا نستطيع العيش في المدينة حياة بسيطة. أعتقد أننا سعداء بهذه الطريقة، وأننا حققنا نجاحا في بعض الأمور. والآن حان الوقت لتبسيط الفكر أي مساءلة ما يحتل ذهننا ويشغله من أفكار وعلاقات عمل وتبسيطها ونقلها إلى الحال التي يجب أن تكون عليها " .
المراجع :
كتاب : من العبودية إلى العبودية. تأليف : الاقتصادي االروسي البروفيسور فالنتين كاتاسونوف
كتاب : " اعترافات قاتل اقتصادي " لجون بركينز Confessions of an Economic Hit Man écrit par John Perkins et publié en 2004. Perkins
والمواقع الإلكترونية التالية:
موقع مجتمع الزراعة المعمرة
استهلاك السعداء والبؤساء – شبكة الألوكة
الجزيرة الوثائقية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.