واشنطن - في الأصل، أخذت موسيقى البلوز اسمها من حالة الشعور بالاكتئاب أو الحزن. وكان الغرض منها بالنسبة للعازف والمستمع التغلب على تلك المشاعر ورفع الروح المعنوية. وكما وصف عازف الغيتار الأسطوري بي بي كينغ موسيقى البلوز، فإن "موسيقى البلوز تعبر عن مشاعر الألم، ولكنه الألم الذي يولّد الفرح." وانطلاقًا من جذورها في ثقافة الأرقاء الأميركيين الأفارقة في منطقة دلتا نهر الميسيسيبي، باتت موسيقى البلوز قائمة في صميم الموسيقى الأميركية المعاصرة، وتضفي طاقتها المفعمة بروح الحنين على موسيقى الجاز، والموسيقى الدينية، والروك أند رول، والموسيقى الريفية، والبلو غراس، والهيب هوب، وآر أند بي. يقول إيلي يمين، عازف بيانو الجاز والبلوز في نيويورك: "انها موسيقى ساحرة وإنها موسيقى شافية". "تتمتع موسيقى البلوز بجاذبية عالمية لأنه مهما كانت الخلفية التي جئت منها، فإن كل واحد منّا ينتابه الشعور بالكآبة في مرحلة ما ونحن نعزف موسيقى البلوز أو الكآبة للتخلص من هذه الكآبة." ويمين، الذي جال في العديد من بلدان العالم كسفير ثقافي لوزارة الخارجية، يعزف بشكل منتظم ويؤلف ويعلّم موسيقى الجاز والبلوز. يعزو شغفه بموسيقى البلوز إلى الوقت الذي جاء فيه قارع الطبل والتر بيركنز من شيكاغو إلى منطقة نيويورك، وانضم يمين إلى فرقته حين كان في التاسعة عشرة من عمره. وكان بيركنز يعزف مع أساطير شيكاغو مثل جون لي هوكر، ومادي واترز، وممفيس سليم. ومن خلال بيركنز، "تشرب يمين موسيقى البلوز في كل خلية من كيانه"، وذلك استنادًا إلى سيرته الذاتية المنشورة على الإنترنت. وخلال حفلاتهم المنتظمة في قاعة سكاي لارك في كوينز بمدينة نيويورك، كان بيركنز يتحدى يمين في التأليف الفوري للألحان. وكان يقول: "سيداتي سادتي، الأغنية التالية تسمى فاصوليا حمراء وأرز، ثم يبدأ الطبال فورًا في العد لبدء الأغنية. وقال يمين إنه "كان عليّ آنذاك مجرد انتقاء نغم معيّن والبدء بتأليف أغنية تسمى فاصوليا حمراء وأرز". ويتذكر يمين بأن بيركنز كان إنسانًا "مستوعبًا بالكامل" وكان العزف معه وكأن شيئًا ما يتملكك". يُعرّف يمين موسيقى البلوز بأنها "تعويذة وإيقاع" بسبب السحر المتعلق بوضع روحك نفسها في العزف. ويوضح ذلك قائلاً، "إذا كنت تحاول أن تسحرني ... عليك أن تركز نفسك كلها لكي ينجح سحرك، وعندما تعزف موسيقى البلوز بصورة صحيحة، سوف يكون ذلك بالضبط ما تفعله". ويستطرد "عندما تعزف موسيقى البلوز مع أناس يؤمنون بموسيقى البلوز، يكون الأمر كما لو أنك انتقلت بكاملك إلى مكان يتجاوز الزمان والمكان، وهذا أمر لا يصدق." تقول الأسطورة إن روبرت جونسون، عندما كان شابًا يعيش في مزرعة في ريف ولاية ميسيسيبي، باع روحه للشيطان من أجل أن يصبح أستاذًا في موسيقى البلوز. ولا زالت القوة الغامضة لموسيقى البلوز باقية في مكان ولادتها في الدلتا، ولكن يمين قال للزوار إن مظهر المنظر الطبيعي قد يكون خادعًا. يقول إيلي يمين، الظاهر في الصورة خلال عزفه في آذار/مارس 2011، إن موسيقى البلوز تعمل كتعويذة سحرية لتوجيه مشقات الحياة إلى شيء مفعم بالحنان والفرح. ووصف ذلك بالقول، "إنك تشاهد الحقول، وتشاهد المزارع. تبدو الأشياء بسيطة من الخارج، وربما كان ذلك نوعًا من الاستعارة الكبرى" إذ إن موسيقى البلوز تبدو شكلاً فنيًا بسيطًا، ولكنها "تمثل بالفعل تلك الثروة الهائلة من التجربة البشرية والألم، ولكن الناس يتغلبون على ذلك الألم من خلال مثابرتهم ودعم مجتمعهم الأهلي لهم." جاء قدر كبير من هذا الإلهام من مخاض العبودية الأميركية، ورغبة المستعبدين في تحويل معاناتهم وإذلالهم إلى وسيلة للتعبير الذاتي. استمرت موسيقى البلوز في التدفق من تجربة السود بالترافق مع التفرقة العنصرية، والتمييز العنصري، والفقر، وانتشرت عبر الولاياتالمتحدة مع انتقال الموسيقيين من الدلتا إلى المراكز الحضرية كشيكاغو وكنساس سيتي. وحتى اليوم، فإن موسيقى البلوز تشبه، وفقًا ليمين، "الوعاء لهذا النطاق المدهش من المشاعر وتلك الوسيلة للاتصال مع الروح"، وكل واحد قد عرف هذا التحدي في حياته "وعليك أن تكون منفتحًا تجاه استخدام ذلك كمصدر لفنك الخاص" لأن الناس "يرغبون بأن يشعروا بشيء ما" عندما يستمعون إلى موسيقى البلوز" وأن يختبروا تلك الطاقة." يستطيع يمين، من خلال أسفاره العديدة، أن يشهد بأن موسيقى البلوز تتمتع بجاذبية عالمية. فهذا النوع من الموسيقى لا حدود له من جهة آلاته أو ثقافته، وهو يتذكر أنه حشر نفسه مع عازفي طبول أفارقة، ومغنين هنود، وعازف آلة القانون الصينية، ومع الكثيرين غيرهم. كانت الأنغام والهيكليات مألوفة فورًا لدى الجمهور شبابًا وكهولاً. وقال يمين إن موسيقى الروك أند رول المبكرة "هي تقريبًا مماثلة"، لموسيقى البلوز، وحتى أصغر أفراد الجمهور "كانوا قد سمعوا بالمغنين الذين ترعرعوا في الكنيسة السوداء والذين غنوا بمصطلحات موسيقى البلوز، ولذا، عندما يسمعون أساليب أكثر كلاسيكية تعزف أمامهم مباشرة، فلا يجدون مشكلة في الشعور بالانتماء إليها." في الملاحظات المدونة على غلاف الألبوم الذي أصدرته فرقة إيلي يمين لموسيقى البلوز عام 2011 بعنوان "أشعر بسعادة عظيمة"، كتب يمين كلمة إهداء بعنوان "لماذا نحن بحاجة إلى موسيقى البلوز الآن" بعد زيارته إلى البرازيل والتشيلي في أعقاب زلزال عام 2010. وتساءل يمين، "كيف يمكننا العمل سوية وفهم بعضنا البعض بشكل أفضل؟ كيف يمكننا أن ندعم بعضنا البعض خلال الأوقات العصيبة؟" وأجاب، "بالنسبة لي، لم أجد طريقة أفضل من موسيقى البلوز، إذ أنها خُلقت في أحلك ساعة من المعاناة الإنسانية وتمّ اعتناقها الآن في مختلف أنحاء العالم." وأكد يمين أننا بحاجة إلى موسيقى البلوز، "لأنها الموسيقى المقدسة العلمانية والبلسم الشافي لأرواحنا"، بغض النظر عن الانتماء الديني للمرء. وكتب يمين "موسيقى البلوز تجعلنا ندرك إنسانيتنا المشتركة. دعونا نلتفت إلى رسالتها ونتشاركها مع كل نفس نتنفسه."