قلما تجد شاعرا أو روائيا أو كاتبا يحمل هما من الهموم و يدافع عنه، أو يمتلك مشروعا فكريا و إبداعيا يبغي الدفاع من خلاله عن قيم و مبادئ ، أو أن يحمله رسالة في قالب إبداعي أنيق، قصد الابلاغ عن الكائن و المحافظة عن الموجود، أو قصد الابتعاد عن الكائن و رفضه. أحلام مستغانمي الكاتبة الجزائرية المبدعة التي نبهتني للقراءة و المطالعة و حببتني بفضل أسلوبها العميق للغة الضاد و بعض خصوصياتها في رحلة جميلة بين حروف خطتها بجمالية منقطعة النظير، و علمتني أن طريق النجاح و تحقيق الأحلام لابد تمر عبر جسر تكون فيه أقرب للسقوط و الفشل و الاستسلام. أحلام مستغانمي صاحبة مشروع فكري تمنيته أن يدرس في الجامعات العربية بكل أبعاده الفنية و التركيبية و الدلالية و اللسانية ليستفيد منه الطالب و الباحث العربي في شتى مناحي الحياة، و يتشرب منه قيما حضارية و تاريخية عميقة و يصول و يجول في قسنطينة الرائعة و جسورها الطويلة، مشروع دفعني لأؤمن بأن الكتابة لا يجيدها غير المبدع الحقيقي القادر على الايمان بأفكاره و الدفاع عنها و صياغتها في قالب أنيق، أحلام المناصرة للقيم الكونية الحقيقية و المتمسكة بروح الدين الاسلامي السمح و معالم حضارتنا العربية الامازيغية المغاربية، الرافضة لأي احتواء خارجي غربيا كان أو مشرقيا ، المتمردة على لعب دور الضحية و المجرم في الآن ذاته. أحلام المرأة الشاعرة، الروائية ، و الكاتبة دافعت في كتبها جميعها عن قيم لا تفنى، لا تزول كقيم الحب، التسامح، الحرية و التحرر، و الديموقراطية…و هلم جرا من القيم الكونية التي لا يمكن للانسان أن يعيش إنسانا بدونها ، دافعت عن الارث التاريخي للشعوب العربية عامة و الشعب الجزائري خاصة رافضة لكل الممارسات البديئة للاستعمار الفرنسي في زمنه. بدأ مشروعها منذ أن خطت أول حروف ثلاثيتها الشهيرة الرائعة (ذاكرة جسد، فوضى الحواس، عابر سرير) و التي لا أخفي اعجابي الشديد بها، كما لا أخفي أني قرأتها لمرات عديدة دون كلل أو ملل و لا تردد خاصة ذاكرة جسد التي وجدت فيها نوعا من الرفض الحقيقي للذاكرة التي تعلقنا بأشياء لا نعرف عنها إلا صور علقت في أذهاننا لتورطنا مدى الحياة، و تمرد على الجسد الذي لا يرمم. أحلام في ثلاثيتها تعلمت كيف تمارس الحب وفق طقوس خاصة ، لا تحترم معها التقاليد و الأعراف مجسدة في هذا العمل كيف تزاوج المرأة الشرقية-العربية بين حياتين و توفق بينهما: – حياة رفقة الزوج في مؤسسة شرعية قانونية يقبلها المجتمع و يرفض أن تشتكي المرأة منها . – حياة رفقة العاشق في علاقة غير شرعية و غير قانونية تمارس خلالها طقوس الحب متخفية في زي رجالي، متنكرة بنظارات. و تمارس هذا الهروب من سلطة الزوج إلى رحمة العاشق الذي لا يجد مبررا للتعنيف و التسلط باحثة عن لذة محتملة لن تجدها خلف الأبواب الموصدة. يستمر دفاعها عن تحرر المرأة الشرقية – العربية في تقرير مصيرها من اختيار التخصص الدراسي إلى اختيار رفيق الدرب في روايتها الرائعة " الأسود يليق بك " و هي تلاحق عشيقها في بلاد الغرب لتمارس هذا الطقس الحميمي الأنيق بحثا عن لذة مفقودة في الشرق، و في الغرب أحيانا ، لذة معلقة في ملامح أول قبلة. لكنها تصطدم بمازوشية رجل شرقي يعشق الهروب إلى المقاهي ، المكتبات ، و الحانات أحيانا ليمارس طقوس أحمد شكري في روايته الآخرون، هذا الهروب يرغم المرأة الشرقية الدفاع عن نفسها أمام عدوها أو خصمها اللذوذ _ الرجل_ و هي تعلم أو تتوهم أن للرجل طاقة تمكنه من النسيان و الهروب و الفراق محملة بأفكار النساء التقليدية و هي الباحثة في علوم الاجتماع و الفلسفة تعلم علم اليقين أن الحل الوحيد لهذا النسيان هو التعويض تعويض رجل برجل آخر يشغل حيزه و مكانه و خارطته. هذا العلاج الذي اقترحته في كتاب خصصته للنساء دون الرجال سمته نسيان.كم قدمت من خلاله الحل السحري الذي يمكن المرأة من التداوي و التعافي من مرض خبيث هو التعلق بالرجل، التعلق بالواحد و عدم القدرة على النسيان فاقترحت عليهم من برجها العاجي أن يعوضوا خساراتهن الأولى برجل جديد ، هذا الحل الذي يمكن أن يرتد إليها في حينه ، لكون مجتمعاتنا العربية تضع المرأة العاشقة في الصف الثاني فما بالك بالمرأة التي تعوض خساراتها برجال جدد ، ستصبح مجرد آلة جنسية لرجال يعشقون في مجتمعاتنا هذا النوع من النساء و هذا النوع من الاختباء. و لكي تواصل السير في مشروعها التقدمي جاءت بديوان شعري غاية في الروعة أدعوكم لقراءته و الاستمتاع به ، ديوان شعري يحمل الكثير من الرسائل القوية و البليغة التي مارست فيه الشاعرة و الروائية طقوس الحب كما يجب متغلبة على مفهومي "الاختباء" و "التنكر" لممارسة الحب في الوطن العربي ، دون أن تخاف أو تهاب أحد من جهة و دون أن تخجل من التعبير عن ذاتها و هي تكشف و تعري و تفضح مشاعرها و أحاسيسها للرجل، غير مبالية بما قد يحدث إن هي كشفت مشاعرها في قالب شعري مليء بالحميمية وضعت له اسما يليق به "عليكَ اللهفة" لتزيد طين الجمالية بلة بماء التشويق و الاثارة و الروعة. هذا الكتاب توج مشروع أحلام مستغانمي الابداعي الطامح لجعل المرأة العربية قادرة على الحب متغلبة على مشاعر الخوف و الخجل ، خوفها من التعبير عن مشاعرها في مجتمع ذكوري ، محافظ، رافض، للتعبير عن الذات، خائف من الفضيحة ، متردد أمام كشف عوراته. عبرت عن أحاسيسها في لوحات خالد في احدى رواياتها ، و عبرت عن مشاعرها في رسائل في رواياتها " الاسود يليق بك " ليكتمل التعبير عن الذات لديها في قالب شعري بديع . ديوان " عليك اللهفة " عمل شعري يستحق القراءة و التحليل، لما يحمله من رسائل بليغة في ضرورة التعري و المكاشفة و القطع من الاختباء و التنكر ، و كسر قيود الأعراف و التقاليد التي ظلت المرأة العربية – الشرقية ترزح تحت قيودها، غير قادرة على الرفض في قالب"الزواج بدون موافقة" أو في قالب سرق الحق في التعبيرمنها في قالبين" الرجل قوام عليها في كل شيء ، حتى في التعبير عنها" أو قالب" الصمت" الذي اعتبره العرب مثولا و قبولا للأمر الواقع بينما اعتبره بيكون ضعفا و عدم قدرة على التعبير. هذا الديوان الذي بين أيدينا جاء ليقول للمرأة العربية- الشرقية بصورة واضحة أن "عبري عن ذاتك، أحاسيسك ، مشاعرك ، و اقطعي مع التنكر الاحتباء" ضامة في الآن ذاته صوتها إلى صوت نزار قباني المرتفع من خلال ديوانه "امرأة لا مبالية " يطالب فيها المرأة العربية التعبير عن ذاتها بما أوتيت من حول و قوة.