نبينا محمد صلى الله عليه وسلم سيد الأولين والآخرين ، وهو نبي الرحمة، والنعمة المهداة إلى الأمة، صاحب الخلق العظيم، وقد شهد الله تعالى له فزكّاه في عقله فقال سبحانه: { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } .وزكّاه في صدقه: { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى } وزكّاه في علمه: { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى } وزكّاه في بصره: { مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى } ,وزكّاه في فؤاده: { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } وزكّاه في صدره: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَك } ,وزكّاه في ذكره: { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } وزكّاه سبحانه كله فقال : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، فحري بنا أن نتعرف على أخلاقه صلى الله عليه وسلم لنقتدي بها في حلنا وترحالنا ونجعلها أخلاقا لنا أيضا تزيننا وتسمو بنا وتهدينا إلى طريق الحق والخير . كان صلى الله عليه وسلم قرآناً متحركاً بين الناس، إذا أمر فهو أول من يفعل، و إذا نهى فهو أول من يكف، فقد قالت الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها وهي تصف الحبيب صلى الله عليه وسلم هذا الوصف البليغ العجيب حين قالت: ( كان خلقه القرآن )(مسلم) . وإليكم 12 وردة فواحة من بستان أخلاق رسول الله اليانع اليافع: كان صلى الله عليه وسلم عبدا شكورا :لما أمر بالعبادة قام متعبداً خاشعاً خاضعاً بين يدي الله حتى تورمت قدماه، فلما سئل عن ذلك قال: ( أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً؟! ) (البخاري) . كان صلى الله عليه وسلم معطاء باذلا: فلما أمر بالبذل؛ أنفق كل ما يملك : فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه . قال فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين . فرجع إلى قومه ، فقال : يا قوم أسلموا . فإن محمدا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة . (صحيح مسلم) كان صلى الله عليه وسلم مضحيا مجاهدا: أمرهم بالجهاد وبذل النفس؛ فكان في مقدمة الصفوف، لا يجبن ولا يتأخر، بل كان إذا اشتد الوطيس وحميت المعارك، وفر الشجعان، وصمتت الألسنة الطويلة، وتحدثت السيوف والرماح على منابر الرقاب؛ قام الحبيب ينادي بأعلى صوته ويقول: ( أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب ) (البخاري). كان صلى الله عليه وسلم رفيقا نابذا للعنف: فالعنف يهدم ولا يبني ويبعثر ولا يجمع، والشدة إذا استخدمت في غير موضعها تفسد ولا تصلح، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه، (مسلم ),وقال أيضا (إن الله رفيق يحب الرفق,ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف,وما لا يعطي على ما سواه )(مسلم). كان صلى الله عليه وسلم رحيما عطوفا: و عن أَنَس بن مَالِكٍ قال:(ما صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً ولا أَتَمَّ من النبي صلى الله عليه وسلم وَإِنْ كان لَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَيُخَفِّفُ مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ)(متفق عليه) , وعن أبي هريرة -رضي الله عنه -قال:" قبّل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما، وعندهُ الأقرع بن حابس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من لا يَرحم لا يُرحم" [5996] صحيح البخاري. كان صلى الله عليه وسلم رحيما حتى بالحيوان الأعجم :ففي صحيح البخاري من الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ ، كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ ,انظر! بغي تدخل الجنة في كلب، وامرأة تدخل النار في قطة في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( دخلت امرأة النار في هرة )، أي: في قطة ، لماذا؟ قال صلى الله عليه وسلم: ( حبستها -أي: حبست القطة- فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صادقا : فهو أصدق من تكلم، كلامه حق وصدق وعدل، لم يعرف الكذب في حياته جادّا أو مازحا، بل حرّم الكذب وذمّ أهله ونهى عنه، وقال:" إنّ الصدق يهدي الى البر، وإن البرّ يهدي الى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقا.." الحديث أخرجه البخاري 6094 ومسلم 2607 عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه. كان صلى الله عليه وسلمعفوا يعفو و يصفح : يبلغ العفو منتهاه حينما يدخل مكة – في حدث فتح مكة – بعد كفاح طويل في الدعوة و الجهاد في سبيل الله، فيجتمع أهلها إليه في المسجد فيقول لهم: (ما ترون أني صانع بكم؟) قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم. فقال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)(سنن البيهقي الكبرى) كان صلى الله عليه وسلم حييا : وقد عُرف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخلق واشتُهر عنه، حتى وصفه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه بقوله : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خِدْرها ، فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه ) رواه أحمد . قال ابن حجر: " وقوله ( في خِدرها ) الخدر ستر يكون للجارية البكر في ناحية البيت " . وقال النووي: " معناه أنه – صلى الله عليه وسلم – لم يتكلم بالشيء الذي يكره لحيائه، بل يتغير وجهه، فنفهم كراهيته، وفيه فضيلة الحياء وأنه محثوث عليه ما لم ينته إلى الضعف والخور ". كان صلى الله عليه وسلم مبتسما يدخل السرور على الناس: وعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: «مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي» (مسلم), وعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ» رواه الترمذي، وصححه الألباني (سنن الترمذي), قال الإمام المناوي: "«تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ» يعني: إظهارك له البَشَاشَة والبِشْر إذا لقيته، تؤجر عليه كما تؤجر على الصَّدقة". كان صلى الله عليه وسلم سليم الصدر لا يعاتب : وكان يبلغه الكلام السيء فيه، فلا يبحث عمن قاله ولا يعاتبه ولا يعاقبه. وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لا يبلغني أحد منكم ما قيل فيّ، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر" أخرجه احمد وأبو داود والترمذي ), عن عبدالله بن مسعود. وبلّغه ابن مسعود كلاما قيل فيه، فتغيّر وجهه وقال:" رحم الله موسى، أوذي بأكثر من هذا فصبر" أخرجه البخاري ومسلم" وهذا يكشف عن مدى اهتمام المصطفى صلى الله عليه وسلم بسَلَامة صدره، فهو ينهى ويحذِّر من أن يُنْقَل إليه ما يُوغِر صَدْره، ويغيِّر قلبه تجاه أصحابه الكرام، رضوان الله عليهم أجمعين. كان صلى الله عليه وسلم شفيعا يحب أمته : ولذلك روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لكل نبي دعوة مستجابة)، أي: كل نبي له دعوة، وعده الله تبارك وتعالى أن يستجيبها، ( لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته إلا أنا، فإني قد اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات لا يشرك بالله شيئاً ).(صحيح الجامع) ونختم هذه الكلمات بهذا الحدث الرائع من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لما فقده الجذع الذي كان يخطب عليه قبل إتخاذ المنبر حن إليه وصاح كما يصيح الصبي ، فنزل إليه صلى الله عليه وسلم فاعتنقه ، فجعل يهذي كما يهذي الصبي الذي يسكن عند بكائه، فقال صلى الله عليه وسلم: " لو لم أعتنقه لحنّ إلى يوم القيامة ". وكان الحسن البصري رحمه الله تعالى إذا حدث بهذا الحديث بكى وقال: هذه خشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه". فهل نحن نشتاق إليه فعلا ؟؟ نسأل الله تعالى أن يرزقنا حبه وحب من يحبه وحب كل عمل يقربنا إلى حبه وحب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ,كما نسأله أن يوفقنا للتخلق بأخلاق سيد الخلق وحبيب الحق صلى الله عليه وسلم ,حتى نفوز بالجنة ورضوان من الله تعالى … آمين .