يشكل الإعلان عن بداية المشاورات السياسية بين وزارة الداخلية و الأحزاب السياسية المغربية مرحلة مهمة في انطلاق الإعداد والتحضير للانتخابات المزمع تنظيمها خلال السنة المقبلة. وتشكل هذه اللحظة السياسية بداية التفكير في تأهيل المنظومة القانونية و المؤسساتية والتنظيمية من أجل ضمان نزاهة هذه الانتخابات. وتضع الطبقة السياسية المغربية عند كل استحقاق انتخابي أمالها و انتظاراتها على القانون الانتخابي من أجل تضمينه المقتضيات والتدابير الكفيلة بتحسين وضعها الانتخابي والسياسي ، أو على الأقل الحفاظ على مكتسباتها السياسية. وتحدد المنظومة الدولية لموجهة للاستشارات الانتخابية العديد من المعايير التي يجب احترامها في تدبير العمليات الانتخابية من أهمها : – احترام انتظام دورية عقد الانتخابات في الآجال القانونية ؛ – استقرار القانون الانتخابي ، إذ يحبذ عدم إدخال تغييرات جوهرية على القانون الانتخابي لمدة لا تقل عن سنة عن الموعد الانتخابي ؛ – احترام وكفالة الحقوق و الحريات الأساسية وخاصة السياسية منها . وأكد الفصل 11 من الدستور على أن الانتخابات الحرة و النزيهة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي، كما ان السلطات العمومية ملزمة بالحياد التام إزاء المترشحين ، وبعدم التمييز بينهم . ويقدم القانون الانتخابي المغربي ضمانات مهمة في احترام هذه المعايير ، خاصة في ظل التراكم التنظيمي الذي حققته الإدارة الانتخابية في تدبير الاستشارات الانتخابية منذ دستور دجنبر 1962. إن احترام الضمانات الانتخابية بإجراء انتخابات نزيهة وحرة تعد من أعقد المهام لدى الإدارات الانتخابية ،ليس فقط في الدول السائرة في طريق النمو، بل كذلك حتى في الدول التي لها تقاليد راسخة في الديمقراطية . إن المطالب المتزايدة بضرورة ضمان نزاهة الانتخابات لا تتطلب فقط توفير الضمانات القانونية و التنظيمية والمؤسساتية المؤطرة للعمليات الانتخابية ، بل كذلك تفرض استحضار المخاطر التي يمكن تهدد هذه الانتخابات وتؤثر على المسار الديمقراطي للدولة . لقد أضحى تدبير الانتخابات يخضع لمعايير دقيقة تقترب من معايير الجودة المتعارف عليها في السلع و الخدمات .وأصبحت الانتخابات خاضعة بدورها خاضعة لتدبير المخاطر وفق معايير للجودة . فتدبير المخاطر الانتخابية يتجاوز الاشتغال على الظروف العادية في تدبير الانتخابات وفق ما تمليه اللحظة السياسية من توازن بين القوى السياسية ، بل تفرض استحضار التهديدات التي يمكن أن تطال نزاهة الانتخابات سواء بارتباطا ب: – الإطار القانوني المنظم للانتخابات وعكسه للتوافق الذي يجب أن يحكم كل أطراف العملية السياسية مع وضوح مقتضياته القانونية و عدم غموضها ؛ – وضوح وشفافية الأجندة الانتخابية سواء ما يرتبط بالتسجيل في اللوائح الانتخابية و الطعون المرتبطة بها ؛ – تحديد مواعد الاقتراع و اتخاذ كافة التدابير التنظيمية المرتبطة به؛ – تدبير مرحلة الترشيحات و ضمان حقوق الفئات كالنساء و الشباب و الأطر…؛ – – تدبير فترة الحملات الانتخابية في ظل حياد السلطات العمومية و المساواة في التعاطي مع كل المتنافسين ؛ – الإخبار الجيد بكل الخطوات المزمع القيام بها ؛ – تجنب العنف الانتخابي سواء أثناء سريان العملية الانتخابية أو بعد الإعلان عن النتائج ؛ – تمويل الانتخابات وخاصة الدعم المالي المقدم للأحزاب بمناسبة مشاركتها في الانتخابات ؛ – التدبير الجيد و القدرة على التنبؤ من قبل الإدارة الانتخابية ، سواء في تحديد المخاطر وكذلك قياسها و تحليلها واتخاذ القرار المناسب لمعالجتها والتقليل من تهديداتها على نزاهة الانتخابات . وإضافة إلى هذه المخاطر الذاتية أو الداخلية المرتبطة بإدارة الانتخابات، هناك مخاطر أخرى خارجية ترتبط أساسا بالسياق الاقتصادي و الاجتماعي الذي يتم فيه تنظيم وإجراء هذه الانتخابات. فالأزمات الاقتصادية و التهميش السياسي و الاجتماعي ، وعدم فعلية الحقوق و الحريات كلها تشكل تهديدات بالغة الخطورة على مشاركة المواطنين سواء كناخبين أو مرشحين ، ويقوي من خطر عدم المشاركة السياسية أو ما يعرف بالعزوف الانتخابي . وتزداد أهمية هذه المخاطر في ظل التحولات التكنولوجية التي أصبحت تفرض نفسها على العمليات الانتخابية ، سواء من خلال رقمنة مختلف العمليات التحضيرية و التنظمية المرتبطة بها ، أو من خلال ما تفرضه الديمقراطية الرقمية من تصويت إلكتروني أو تصويت عن بعد ، خاصة في ظل انتشار جائحة كرونا . ومن بين أهم المخاطر التي يمكن أن تنضاف إلى تدبير العمليات الانتخابية المقبلة هي استمرار انتشار جائحة كوفيد 19، وما سيفرضه ذلك من تدابير احترازية تضمن احترام قواعد نزاهة الانتخابات و ضمان عدم عزوف المواطنات و المواطنين عن المشاركة فيها من جهة ، والحفظ على الحق في الحياة للناخبين و المترشحين على حد سواء . لقد عرفت سنة 2020 في الفترة الممتدة بين 21 فبراير و25 يونيو تأجيل الانتخابات العامة أو الإقليمية في 66 دولة على الأقل ، في حين تم أجراؤها في 36 دولة في المواعيد المححدة لها . لكن اللافت للانتباه هي نسب المشاركة السياسية المتدنية في ظل الطوارئ الصحية في العديد منها . إن تدبير المخاطر الانتخابية ذات الصلة بالانتخابات المقبلة يفترض استحضار التهديدات التي يمكن أن يشكلها استمرار الوباء ،لاقدر الله، ليس فقط على موعد هذه الانتخابات ولكن كذلك على نسبة المشاركة المتدنية أصلا في ظل الظروف العادية . وبالتالي ربما التفكير في الحلول الرقمية لمسارات موازية للعمليات العادية . فالديمقراطية وإن تأثرت القواعد الناظمة لها بهذه الظروف ، فإن الثقة فيها وفي قدرتها على ضمان الولوج إلى مراكز القرار العمومي ، و في تقديم الخيارات السياسية والعمل على تحقيقها بما يحقق الرفاه الاقتصادي و العدالة الاجتماعية و حماية الحقوق و الحريات يجب أن تبقى مستمرة سواء في الظروف العادية أو الاستثنائية . وهنا تبرز أهمية تدبير الخاطر خصوصا في مجال الانتخابات.