الانتخابات المقبلة تشكل لحظة اختبارية ميدانية لمقتضيات الدستور المراجَع ولتمثلات الديمقراطية لدى كل الأطراف تخليق العملية الانتخابية يكتسي أولوية كبرى من أجل إعادة الاعتبار والمصداقية للحياة السياسية المغربية أصدرت حركة اليقظة المواطنة بيانا توضح فيها رؤيتها للمشهد السياسي ببلادنا في ظل الحراك الاجتماعي والإصلاحات السياسية التي أفرزها هذا الحراك. كما تقدم الحركة، ضمن هذا البيان الذي ننشر فيما يلي نصه الكامل، مقترحاتها بشأن إصلاح القوانين التنظيمية للانتخابات والمؤسسات التمثيلية، وذلك تحضيرا للاستحقاقات السياسية التي تقبل عليها بلادنا. وهذا نص البيان: يجتاز المغرب مرحلة دقيقة تطبعها حالة من الترقب والحذر، منشأها ضعف الثقة في المؤسسات، وارتباك السلطات، وهشاشة النخب، في مناخ سياسي إقليمي متوتر يعرف هزات قوية ما زالت لم تكشف بعد عن وضع قار، واضح ومطمئن، انعكس على الوضع الداخلي في بلادنا، مما أفضى إلى رفع دينامية الحراك الشعبي، وإذكاء وتيرة النقاش العمومي حول أسس الإصلاح الديمقراطي الشامل، تمخض عنه نصّ دستوري مراجع لم يرق إلى مستوى جميع الانتظارات المعلنة، وإن كان قد حمل بعض المكاسب، مما أثار الكثير من الأسئلة الجديدة، لا سيما بعد تدخل القوى المحافظة في اللحظات الأخيرة من وضع الوثيقة الدستورية. وإذا كانت الأحزاب السياسية قد عبّرت في معظمها عن موقف الدفع الإيجابي نحو قبول مشروع الدستور المقترح على الاستفتاء، إلا أن الطريقة التي تمّ بها ذلك أظهر نوعا من التسليم المسبق بمشروع الدستور، كما أنّ سلوك السلطات في تعاملها مع التظاهرات المعارضة، والاختلالات التي شابت الحملة الاستفتائية التي غلبت عليها الدعاية للتصويت ب»نعم»، وخاصة باستعمال أماكن العبادة وإقحام الجماعات المحلية التي ليس مخولا لها قانونيا المشاركة في الحملة، كلها وقائع ألقت بظلال من الشك على التغيير المرتقب، حيث أعادت إلى الواجهة سلوكات كان من المفروض أن تتوارى مع روح الدستور الجديد، ومع الوعود المعلنة في الخطاب الرسمي. مما يجعلنا نخلص إلى أنّ الهاجس الذي يبدو مهيمنا على المجتمع السياسي في الوقت الراهن هو التدبير الظرفي للمرحلة الحالية فقط. وإذا كان تفاعل الأحداث منذ شهر فبراير المنصرم، قد أفضى في الوضع الحالي إلى اتجاه عام نحو التحضير لانتخابات تشريعية سابقة لأوانها، فإن التحدي الأكبر الذي يبرز حاليا، والذي يرتبط بالمكاسب الإيجابية للمرحلة، هو إنضاج الشروط السياسية والقانونية ووضع الأسس الملائمة الكفيلة بتهيئة الأجواء المناسبة للتحضير لانتخابات حرة ونزيهة تعيد الإعتبار والمصداقية للحياة السياسية المغربية، وتفرز برلمانا فاعلا، وحكومة منسجمة قادرة على الاضطلاع بمهامها الدستورية الجديدة، في سياق حراك اجتماعي سياسي أعلن مطالبه المشروعة في إجراء إصلاحات سياسية جوهرية غير قابلة للتأجيل. إن الانتخابات المقبلة تشكل لحظة اختبارية ميدانية لمقتضيات الدستور المراجَع، ولمدى استيعاب الدولة والنخب السياسية لمتطلبات المرحلة ولرهاناتها، ولدرجة التعبئة الاجتماعية والسياسية لعموم الناخبات والناخبين قصد ترجمة مضامينه وتوجهاته على مستوى مختلف المؤسسات الدستورية ومناحي الحياة العامة. بل إن هذا الشوط يعدّ، بالنظر لطبيعة المرحلة، اختبارا حقيقيا لتمثلات الديمقراطية لدى كل الأطراف، بعيدا عن لغة المزايدات وافتعال الأزمات، وهو ما قد ينعكس سلبا على الحياة السياسية، ويزيد من تعميق الشرخ بين عموم الفئات الاجتماعية والشأن الانتخابي، سيما وأن النسب المتدنية للمشاركة التي سجلت خلال الانتخابات السابقة ما زالت تلقي بظلالها على الوضع السياسي ببلادنا. وهو ما يضع الدولة والأحزاب السياسية على حد سواء أمام مسؤولياتها المباشرة في القطع مع مختلف مظاهر الإفساد السياسي، وإيجاد السبل الكفيلة بتخليق الحياة السياسية وإعادة الثقة عبر إقرار آليات موضوعية لضمان مصداقية ونزاهة العملية الانتخابية، ولتمتين أسس الديمقراطية التمثيلية بعيدا عن منطق الريع السياسي، والانتهازية الحزبية والمساومات وأشكال الابتزاز المفارقة لقيم الديمقراطية وقواعدها. إننا في «حركة اليقظة المواطنة»، ونحن نتابع مجريات التحضير للانتخابات، نسجل وجود تخبط وارتجال في هذه العملية، وعدم وضوح الخيارات الأساسية المتعلقة بالهندسة الانتخابية منشأه استمرار العقليات السلطوية القديمة في تدبير الشأن السياسي، بمنطق التحكم القبلي الذي لم يعد مقبولا، وباعتماد نفس الآليات والحسابات القديمة التي أدّت إلى إفساد المحطات الانتخابية السابقة. بناء على ما تقدم، فإن حركة اليقظة المواطنة تتوجه إلى كل الفاعلين والأطراف المعنية بالعملية الانتخابية لكي يحترموا القواعد والمعايير الكونية في مجال الانتخابات والديمقراطية، والتي تمثل أساس الاقتراحات التالية: - فيما يتعلق بالمبادئ المحددة للتقطيع الانتخابي للدوائر المحلية: تقترح حركة اليقظة المواطنة إضافة مبدإ رابع إلى المبادئ الثلاثة الواردة في القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب، و يتعلق الأمر بمبدإ عدم تجاوز فوارق التمثيلية (عدد السكان لكل مقعد) بين الدوائر المحلية نسبة 25%، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض الاستثناءات المؤسسة على قاعدة التمييز الجعرافي الإيجابي. فيما يتعلق بالتسجيل في اللوائح الانتخابية: تحث حركة اليقظة المواطنة المواطنين والمواطنات المتوفرين على شروط الأهلية الانتخابية أن يشاركوا في عملية المراجعة الاستثنائية للوائح الانتخابية، و كذا استعمال الآليات الإدارية والقضائية المتوفرة لضمان حقوقهم المتعلقة بالتسجيل. فيما يتعلق بتدابير التمييز الإيجابي للرفع من التمثيلية السياسية للنساء: تقترح حركة اليقظة المواطنة تعميم آلية الحصص على اللوائح المحلية عبر التنصيص على ألا يكون المرشحان الأول و الثاني في اللائحة المحلية من نفس الجنس. كما تعتبر الحركة أن رهان الرفع من التمثيلية السياسية للنساء في أفق المناصفة (المعتبرة أفقا مكرسا بالدستور الحالي) يرتبط بسن تدابير للتمييز الإيجابي تهم مختلف مكونات النظام الانتخابي (آليات ولوج النساء إلى الانتدابات الانتخابية)، وكذا ولوج النساء المرشحات برسم الانتخابات التشريعية إلى الإعلام العمومي، بالإضافة إلى جعل آليات التمويل العمومي للأحزاب حساسة للنوع الاجتماعي. فيما يتعلق بتدابير التمييز الإيجابي للرفع من التمثيلية السياسية للشباب: تسجل حركة اليقظة المواطنة تنصيص مشروع القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب على عدد محدد من مقاعد اللائحة الوطنية للرفع من التمثيلية السياسية للشباب. غير أن الحركة تعتبر أن حل إشكالية ضعف التمثيلية السياسية للشباب تتطلب إرادة سياسية لتقوية حضور الشباب في عرض الترشيحات للانتدابات الانتخابية، ومن بين ذلك، ضمان شفافية وديمقراطية آليات التزكية والترشيح داخل الأحزاب السياسية. لذا تعتبر الحركة أن الرفع من التمثيلية السياسية للشباب يمر بالضرورة عبر تقوية ودعم شفافية آليات الترشيح والتزكية للانتدابات الانتخابية وضمان آليات للتمويل العمومي للأحزاب مساعدة على دعم التمثيلية السياسية للشباب. كما تحذر الجمعية من المخاطر القانونية المتعلقة بتداخل تدبيرين مختلفين للتمييز الإيجابي: تدبير مبني على أساس الجنس، وتدبير مبني على أساس الفئة العمرية، داخل لائحة وطنية واحدة. وتسجل حركة اليقظة المواطنة أيضا، عدم تلاؤم سن الشباب المحدد في مشروع القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب مع المعيار الدولي لسن الشباب. عتبة المشاركة في توزيع المقاعد: تسجل حركة اليقظة المواطنة عدم وضوح الخيارات الأساسية المتعلقة بالهندسة الانتخابية، وفيما إذا كانت تستهدف هيكلة الحقل السياسي -مما يستلزم اعتماد عتبة مرتفعة للمشاركة في توزيع المقاعد- أو أنها تستهدف بالمقابل توسيع عرض التمثيلية والإدماج الموجه نحو فئات سياسية واجتماعية وعمرية معينة في السياق الخاص الذي تعيشه البلاد -وهو ما يترتب عنه اختيار عتبة منخفضة للمشاركة في توزيع المقاعد-. ولذا تعتبر حركة اليقظة المواطنة أنه وبالرغم من اختلاف التقييمات الدستورية لإرساء عتبتين مختلفتين لتوزيع مقاعد اللائحة الوطنية واللوائح المحلية، فإن اختيارا واضحا لهيكلة الحقل السياسي وتكوين أغلبيات ومعارضات منسجمة تتطلب وضع عتبة ملائمة لتوزيع مقاعد اللائحة الوطنية واللوائح المحلية، بشكل يؤدي بفعالية إلى هيكلة للحقل السياسي. الملاحظة المحايدة والمستقلة للانتخابات التشريعية: تعتبر حركة اليقظة المواطنة أن مشروع القانون 30.11 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات الملاحظة المحايدة والمستقلة للانتخابات يتضمن عددا من المقتضيات التي تقل عن المعايير الدولية في هذا المجال، وخاصة فيما يتعلق بحضور ممثلي عدد من القطاعات الحكومية بصفة تقريرية في اللجنة الخاصة باعتماد الملاحظين من جهة، وكذا حقوق وواجبات الملاحظين والجهة المعتمدة التي انتدبتهم من جهة أخرى. دور الإعلام العمومي في فترة ما قبل الحملة: تعتبر حركة اليقظة المواطنة أن لوسائط الاتصال العمومية مسؤولية أساسية في فترة ما قبل الحملة الانتخابية تتمثل أساسا في ضمان إعلام شفاف للمواطنين والمواطنات بخصوص مسار إنتاج النصوص القانونية والتنظيمية المتعلقة بالانتخابات التشريعية، وكذا تقريبهم من المعارف الضرورية المتعلقة بعملية التصويت، بالإضافة إلى توسيع فرص ولوج الفاعلين السياسيين والمدنيين إلى الإعلام العمومي لمناقشة الخيارات البرنامجية الأساسية المتعلقة بالتدبير العمومي خلال الولاية التشريعية المقبلة. تنظيم الاقتصاد الانتخابي: تعي حركة اليقظة المواطنة الصعوبات المتعلقة بتنظيم الاقتصاد الانتخابي، كما تعتبر الحركة أن تخليق العملية الانتخابية يكتسي أولوية كبرى، ولهذا الغرض تقترح الحركة أن يتم التنصيص على مبدأ تعيين كل لائحة محلية أو وطنية وكيلا ماليا للحملة الانتخابية وكذا إنشاء كل لائحة محلية أو وطنية حسابا بنكيا خاصا بمصاريف الحملة الانتخابية. وتقترح حركة اليقظة المواطنة تنظيم جزء مهم من الاقتصاد الانتخابي، عبر التنصيص على تشغيل مساعدي الحملة الانتخابية غير المنتمين للأحزاب السياسية التي يقومون بالحملة الانتخابية لفائدتها، بعقود شغل محددة المدة. وكذا اعتبار تشغيل الأطفال في الحملة الانتخابية مخالفة انتخابية. التصويت ببطاقة التعريف الوطنية: تؤكد حركة اليقظة المواطنة أن اعتبار بطاقة التعريف الوطنية الوثيقة الصالحة للتصويت في جميع العمليات الانتخابية يشكل تدبيرا أساسيا من شأنه أن يؤدي إلى ولوج أوسع فئات المجتمع المغربي إلى حقهم السياسي المتمثل في التصويت. كما سيؤدي إلى تبسيط المسلسل الانتخابي شروط المناقشة العمومية بشأن النصوص القانونية والتنظيمية المتعلقة بالانتخابات التشريعية: تعتبر حركة اليقظة المواطنة أنه من حق الأحزاب السياسية المختلفة أن تعتمد استراتيجيات توافقية أو أغلبية في سياق مساهمتها في إنتاج النصوص القانونية والتنظيمية المتعلقة بالانتخابات التشريعية. غير أن الحركة تسجل بقلق بالغ لجوء بعض الأحزاب السياسية إلى استراتيجيات ابتزاز وضغط بغرض الهيمنة بشكل يتعارض مع الشروط القيمية والإجرائية للمناقشة العمومية، وذلك بالتهديد بسلك مسارات احتجاجية خارج المؤسسات التمثيلية في حالة عدم تضمن هذه القوانين لجميع مقترحاتها. وتنبه الحركة إلى مخاطر هذا النهج على حاضر ومستقبل البناء الديموقراطي في إطار دستور 2011. الرباط 11شتنبر2011 عن المكتب الوطني