أكد الدكتور محمد الغالي، أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بمراكش، أن توفير ظروف قانونية للانتخابات الجماعية المقبلة، التي صادقت الحكومة أخيرا على رزنامتها الزمنية، يعتبر عاملا حاسما في بناء تجربة جديدة بالمغرب. وأفاد الغالي، في حوار مع جريدة هسبريس، بأن المراجعة الجذرية للوائح الانتخابية أصبح أمرا جوهريا، وأن النخبة التي ستفرزها استحقاقات شتنبر المقبل ستعطي معنى إيجابيا للصلاحيات الممنوحة للجماعة الترابية. بأي معنى يمكن فهم تأجيل موعد الانتخابات الجماعية الذي قررته الحكومة؟ هل هو مؤشر على ضعف المعارضة؟ أم أن الأمر يرتبط بالإعداد التقني لهذا الورش؟ أم خوف من ضعف إقبال الكتلة الانتخابية؟ تأجيل الانتخابات الجماعية، تمليه اعتبارات تتعلق بضرورة توفير الظروف والشروط القانونية، التي يمكن أن تساعد على تدشين تجربة جديدة، في مجال العمل الجماعي الترابي، تتجاوز أنماط التدبير التي كانت سائدة في السابق، على اعتبار أنه لحد الآن لم يتم تنزيل مقتضيات دستور 2011 في باب الجهات والجماعات الترابية الأخرى، من حيث تنظيم اختصاصاتها وتعبئة مواردها المالية والبشرية. إجراء الانتخابات الجماعية يعني إفراز نخب جديدة في مستوى الزخم الذي صاحب المصادقة على دستور 2011، مما يتطلب التريث وإعطاء وقت كاف لإخراج قوانين للجماعات الترابية، تستجيب لسقف دستور 2011. وبالتالي إذا كان سبب التأجيل يتماشى ومنح مزيد من الوقت للتنزيل السليم لمقتضيات دستور 2011، فغن هذا لا يبعث على القلق، لكن إذا كانت أشياء أخرى غير مصرح بها، فإن ذلك سيمس بمصداقية المؤسسات، مما سيرفع من مخاطر مؤشر عدم الثقة.. اللوائح الانتخابية لم يعد فيها النظر جذريا، فهل يرتبط الأمر بصعوبات تقنية أم غياب للإرادة السياسية؟ و ما دورها في ضمان سلامة العملية الانتخابية ونزاهتها؟ بغض النظر عن مختلف المشاكل التقنية، التي يتم الدفع بها كسبب لعدم المراجعة الجذرية، نقول بأن هذا النوع من المراجعات أصبح جوهريا ومحددا في الحكم على طبيعة التحولات التي يعرفها المغرب، على اعتبار أن المراجعة الجذرية ستسمح بتبديد ثقافة التشكيك في أهمية الإصلاحات التي عرفها المغرب، وستعزز الثقة بالتأسيس لقواعد ودينامية وثقافة جديدة في باب انتاج النخب، وتزويد مؤسسات الدولة بما تحتاجه من موارد لإدارتها. إن اعتماد مراجعة عصرية تتجاوز المحددات التقليدية، سيفتح المجال أمام التأسيس لجسم انتخابي جديد، مما سيساعد على التحكم في مجموعة من مخاطر إفساد العمليات الانتخابية، خاصة بالنسبة لاستعمال بطائق لا ترجع إلى أصحابها الأصليين، أو التأثير على فرص آخرين في استعمال حقهم في التصويت بشكل حر ونزيه .. هل ترتبط إشكالية النزاهة بمنظومة القوانين الانتخابية، أم لها علاقة بالسلطات المشرفة على العملية الانتخابية؟ أقول في هذا السياق بأن الإطار القانوني يبقى أساسيا، لكنه يشكل مدخلا من بين مداخل أخرى، وليس المدخل الوحيد في معادلة نزاهة الانتخابات، كما أن دور السلطة، يبقى أساسيا ولازما في ضمان سير حر ونزيه للعملية الانتخابية. مع كل هذا أقول بأن البيئة أو المناخ اللذان تحددانهما الثقافة السائدة تبقى جد مؤثرة في توجيه بوصلة الانتخابات، وعليه يجب بذل مجهود كبير في هذا الباب، من أجل إشاعة نظام قيم، يقوم على ربط المسؤولية بالمساءلة والمحاسبة، وجعل المواطن في قلب التحولات والمسلسلات التي تعرفها بلادنا من خلال شراكة حقيقية مع الهيئات الممثلة له. وفي اعتقادي خلق الإحساس بهذا الانتماء، هو الكفيل بالمساعدة على ترسيخ ثقافة المشاركة، التي تعتبر بمثابة الحصانة الأساسية للانتخابات، من كل السلوكات الواعية وغير الواعية التي لا تضمن نزاهتها وحريتها. تعتبر هذه الانتخابات الأولى في ظل حكومة دستور 2011، فهل يمكن الحديث عن انتخابات ديمقراطية تحكمية؟ أم ديمقراطية تنافسية؟ ستكون هذه الانتخابات ديمقراطية تنافسية إذا ما احترمت المعايير المتعارف عليها في إجراء العمليات الانتخابية والمتمثلة في: حياد الإدارة أولا ووضعها لنفس المسافة بين مختلف المترشحات والمترشحين؛ احترام القانون الشفافية في الحصول على المعلومة بالنسبة لمختلف المترشحات المرشحين؛ الشفافية في التدبير المالي المرتبط بالحملة الانتخابية؛ وعليه، غياب هذه المعايير يمس بمصداقية ونزاهة العملية الانتخابية ويسقطها في التحكم .. إلى أي حد ستشكل الانتخابات المقبلة مفتاح انطلاق سياسات التنمية وفق مقاربات جهوية جديدة؟ ليس هناك شك أن الانتخابات الجماعية المقبلة، ستشكل عاملا محددا في إفراز النخب السياسية، التي ستتولى تدبير شؤون الجماعات الترابية، وبالنظر إلى مجموعة من الاختصاصات المتقدمة، التي أعطتها مشاريع القوانين التنظيمية، التي صادق عليها المجلس الوزاري، فينتظر أن تصبح الجماعة الترابية فاعلا أساسيا، ومحركا ومنشطا للتنمية داخل دائرة نفوذها. وعليه طبيعة النخب السياسية التي ستفرزها صناديق الاقتراع، سيكون لها دورا أساسيا، في إعطاء معنىا ايجابيا للصلاحيات الممنوحة اليوم للجماعات الترابية، والقدرة على تفعيل الأدوار الجديدة الممنوحة لها، أو إعطاء معنىا سلبيا وهو ما يحيل على دور الأحزاب السياسية في تأطير النخب السياسية وقدرتها على الترسيخ لثقافة جديدة في باب تدبير الجماعات الترابية..