ما إن أفرجت حكومة سعد الدين العثماني عن لوائح المنح للموسم الجامعي 2019/2020، حتى عمت الصدمة مختلف مستويات الوسط الطلابي. نظرا لما عرفته هذه اللوائح من إقصاء وتغييب لحق عدد كبير من الطلبة في الإستفادة من منحة التعليم العالي خاصة على مستوى سلك الدكتوراه. إن هذه المنحة على هزالتها تعد بمثابة الحبل السري الذي الذي يضمن للطالب الاستمرار في متابعة دراسته العليا لا سيما لأولئك المنتمين الطبقات الاجتماعية الضعيفة والهشة جدا. وقد كان النصيب الأكبر من الصدمة من حق طلبة سلك الدكتوراه، لأن الحكومة عند عزمها تغيير المرسوم رقم 618 – 12 – 2 بتاريخ 30 نونبر 2012 المتعلق بمنح التعليم الجامعي بمرسوم جديد رقم 152 – 18 – 2 الصادر بتاريخ 15 ماي 2018. كانت قد جعلت من شعار التعميم هو واجهة هذا الإجراء خاصة على مستوى سلك الدكتوراه والماستر. فلا يخفى على أحد ما يتطلبه هذا السلك الأكاديمي و البحثي من تكاليف مادية كبيرة، ترهق كاهل الأسر الميسورة فما بالكم بالفقيرة والمعوزة أخذا بعين الاعتبار أن الحق في التعليم حق دستوري وإنساني. فطبيعة هذا المستوى تفرض على الطالب الباحث أن يكون ملازما للمكتبات العامة والخاصة، والتي لا تتوفر للأسف الا في المدن الكبرى وبالضبط بمحور الرباطالدارالبيضاء. إلى جانب الحضور والمشاركة في الندوات واللقاءات العلمية والتكاوين المختلفة سواء الإجبارية أو الإختيارية، إضافة إلى ما تلزمه به كليته من التزامات إدارية وبيداغوجية ( الحراسة في فترة الامتحانات مثلا ). هذا علاوة على أن الانغماس في العمل البحثي بشروطه الموضوعية يتطلب من الباحث اليوم التوفر على وسائل لوجيستيكية لا مفر منها ولا يستقيم البحث من دونها. أولها اشتراك في الانترنيت بصبيب وجودة عالية، هاتف ذكي أو لوحة ذكية، حاسوب وطبعا المراجع والوثائق والدوريات …من دون هذه الوسائل لا يستطيع الباحث الإطلاع على كل المستجدات في مجال تخصصه وكذا مسايرة مايجري في الخارج حيث أغلب الملتقيات العلمية تنقل وتبث عن بعد … هذا إن لم تكن نوعية البحث أو الأطروحة تتطلب التنقل خارج المغرب. إن السؤال الذي يؤرق كل الباحثين هو لماذا ترفع حكومة العدالة والتنمية شعارات براقة في خطابها الإعلامي والسياسي ثم تفندها من خلال النصوص والقوانين الصادرة عنها ؟؟ فالكل يتذكر النقاش الرسمي والمجتمعي الذي تلا صدور تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين الأخير، والذي حمل في معظمه معطيات صادمة ليس أقلها أن نسبة 10٪ من الباحثين المسجلين في سلك الدكتوراه على الصعيد الوطني، هي التي تستطيع بلوغ خط النهاية ومناقشة الأطروحة … دون الحديث طبعا عن جودتها. فقد تعالت آنذاك أصوات الجميع ومن ضمنها صوت الحكومة، منادية بضرورة دعم البحث العلمي والاستثمار فيه. وهنا نتساءل أليست المنحة استثمار في البحث العلمي والأكاديمي ؟؟ أم لازالت عقلية المنة والاحسان، هي التي تحكم طرق توزيعها رغم تنصيص المرسوم الجديد على الاستحقاق الاجتماعي والعلمي أو هما معا، ألا يعد بلوغ سلك الدكتوراه في حد داته استحقاقا علميا؟! ألا تستحق هذه الفئة العاضة بنواجدها على ناصية العلم والمعرفة الدعم والسند المادي والمعنوي؟ فهي أمل مغرب الغد، ونخبته الفكرية وعقله المعياري ؟؟!! ألا تدعم الحكومة قطاعات غير ذات أهمية بميزانيات ضخمة بمبررات شتى لا مجال للخوض فيها… واذا تعلق الأمر بالبحث العلمي تشهر ورقة التقشف وضعف الموارد ؟؟ إن أخطر ماجاء في المرسوم الجديد هو إلى جانب مفهوم الاستحقاق الفضفاض والضبابي حيث لا معايير دقيقة لتحديده، هو ما تضمنته المادة الخامسة منه. التي أحدثت لأول مرة تسقيفا عمريا لحق الاستفادة من المنحة وحددته في 26 سنة الإجازة و30 سنة الماستر و 36 سنة الدكتوراه … وهنا نسائل الحكومة عن هل لديها معطيات دقيقة حول نسبة الطلبة أو الباحثين الذي يتابعون دراستهم فوق هذا السقف العمري من غير الموظفين وميسوري الحال، وحجم العبء الذي يمثلونه على الاعتمادات المرصودة للمنحة؟ حتى تحرم بهذه الدريعة، من حالت ظروف الأمس بينهم وبين رغبتهم وإصرارهم على استكمال دراستهم العليا، ومنهم من يحمل مشاريع فكرية وعلمية متميزة تستحق الدعم والتشجيع. ألم تساءل الحكومة نفسها عن سبب هذا الهدر الجامعي على مستوى سلك الدكتوراه، والذي حطم رقما قياسيا بتجاوزه نسبة 90٪ وهو وصمة عار على جبين الجامعة المغربية؟؟ أليس العامل المادي هو الفيصل في هذه القضية ؟؟ كيف لباحث يقطن بالمغرب العميق ومسجل بسلك الدكتوراه بالرباط أو طنجة أو أكادير أو غيرها من المراكز الجامعية أن يتحمل مصاريف الاستقرار بإحدى هذه المدن أو التردد عليها مرة في كل شهر ويحرم من هذه المنحة الهزيلة…؟؟؟؟ ألم يحن الوقت ليضع المسؤولون في هذا البلد العزيز إستراتيجية متكاملة للنهوض بالبحث العلمي وتجويده؟؟ ألم تعطينا جائحة كورونا الدروس والعبر بأن العمدة على العلم والمعرفة لرفع مستوى الوعي المجتمعي، و في مواجهة مختلف الأزمات .. ؟ إن هذه العوامل والأحداث هي التي دفعت مجموع الباحثين المتضررين من هذا الإقصاء الى الشروع في تأسيس تنسيقية على الفضاء الافتراضي للترافع على هذا الملف تحت شعار : “المنحة استثمار في البحث العلمي وليست إحسانا ” على أمل أن تنتهي ظروف هذه الجائحة لتنزل لأرض الواقع وتطرق كل الأبواب وتسلك كل المنافذ القانونية لإسقاط المقتضات المجحفة في مرسوم 15 ماي 2019 . * باحث بسلك الدكتوراه بكلية الحقوق السويسي بالرباط من مدينة مريرت إقليمخنيفرة.