لقد شكل فيلم “أندرومان من دم وفحم” للمخرج والمؤلف عز العرب العلوي لمحرزي مساحة ضوء ولحظة إشراق، إلى جانب كل من فيلم “أيادي خشنة” لمحمد العسلي وفيلم “شي غادي وشي جاي” لحكيم بلعباس ضمن الأفلام المنتجة سنة 2011 والمعروضة ضمن الدورة الأخيرة للمهرجان “الوطني” للفيلم بطنجة. فيلم “أندرومان” الذي تمكن من أن يحصد أربعة جوائز في أول مشاركة له في مهرجان وطني و دولي(جائزة الصوت والصورة والنقد وأول دور نسائي)، يدخل بداية ضمن الأفلام التي تنتصر لمغرب الهامش وقضاياه ومعاناة المغرب العميق وأيضا كنوزه الثقافية والاجتماعية والدرامية والتي تعد حتى اليوم عالما غني وثري لم يتم إشباع مواضيعه معالجة حتى اليوم، كما أنه يجسد فكرة الانطلاق من المحلي في اتجاه العالمي ففضلا عن نجاح مخرجه في التناول الموضوعي لأحداثه وكما هي في الواقع وبقالب فني فهو فيلم عائلي ونظيف يمكن للجميع مشاهدته والاستفادة منه. إلى جانب الأداء الرائع لكل من محمد خيي وجليلة التلمسي وجواد السايح ولينا الحنفي وحسن باديدا وبنعيسى الجيراري، ففكرة الفيلم تدور في بولمان نواحي مدينة ورزازات وتحكي عن قصة دوار وقبيلة تُعتبر الغابة هي مصدر رزقهم الأساسي بحيث يعمدون إلى تحويل أحد أنواع الأشجار والذي يحمل اسما أمازيغيا “أندرومان” إلى فحم ويتم التدفئة منه وبيعه لاقتناء الأغراض الأخرى، غير أن مطاردة المخزن للسكان والذي هو بوغابة في هذه الحالة تحول دون تحصل الرزق بيسر ودون معاناة وتهديدات قد تصل حد نهاية بعضهم، كما عكس الفيلم الواقع الحقيق للمخزن بكونه اتجاه الغابة “حاميها حراميها” فهو المكلف بحمايتها لكنه أول المستفيدين مما يحول من أشجار إلى فحم وبالطبع بطريقة سرية، كما صور حارس الغابة في هذه الحالة بكونه ذلك المتعاطي للخمور والمخدرات. فضلا عن كون علاقة الدولة بهذه البقاع تجسدت فقط في لحظة إخراج البطائق الوطنية تمهيدا لاختيار خيرة شباب المنطقة للتجنيد الإجباري. الفيلم عالج وبطريقة قمة في الروعة واقع المرأة بهذه المناطق وكيف تحرم من الإرث ويتعرض الرجل الذي رزق فقط بالبنات للازدراء إلى درجة ستجعل من بطل الفيلم “محمد خيي” يجبر مولوده البنت “جليلة التلمسي” على أن يتحول إلى ذكر حارسا على مقاومة كل مظاهر الأنثى لديها بما فيها حلق الشعر والمنع من كل وسائل الزينة، لكن المخرج سيعالج الموضوع بطريقة لا تتصل بالكوطا أو الأسبقية للمرأة، بل عمق الفكرة أن الكفاءة وحدها الخلاص لما تعانيه المرأة وأنه لن يحك جلدها في هذا الموضوع غير ظفرها، وكذلك كان ففي لحظة مبارزة يحضرها كل أفراد القبيلة تتمكن المرأة من ركوب الخيل ومن أن تسبق الرجل وتحمل علم الحرية والانعتاق في لحظة كانت القبيلة قد قررت قيام الرجل بهذا الدور لصالح الحسم في قضية تهم المرأة. فيلم أندرومان وإلى جانب التصوير الجيد وحسن اختيار الموسيقى المستخدمة والمجهود المبذول على مستوى الحوار الذي حاول التوفيق بين منطقة أمازيغية وبين ممثلين عرب بطريقة جعلت الفيلم مفهوما لدى الفئتين، وعلى الرغم من كون اللغة التي عولج بها الفيلم هي العامية إلا أن اختيار النبرة التي تعبر عن (أمازيغي تم تعريبه) أضفت على الحوار مسحة فنية وإبداعية خاصة. لعل أحد عناصر نجاح “أندرومان”هي الظروف الصعبة حد القسوة التي أنتج فيها بحيث عرف هذا العمل الطويل الأول لمخرجه لحظات كادت أن تعصف به وتوقفه في منتصف الطريق بل وصلت بمخرجه حد ذرف الدموع في لحظات اشتداد الإحساس بقلة ذات اليد. فإلى جانب الصعوبات المادية كان كل طاقم الفيلم يعاني من قسوة الظروف الطبيعية ومن معاناة مع بعد المسافة لكنهم تحملوها في لحظة تضامن قل نظيرها، ويكفي بها لحظة لمعرفة غابة المعاناة بهذا الربوع من المغرب غير المنتفع والتي تخفيها شجرة التعتيم بمختلف مستوياته الفنية والإعلامية والأدبية. فهل يؤشر ذلك على بداية محرقة ستؤدي حتما إلى نهاية مشرقة لمخرج شاب اسمه عز العرب وستكون لحظة تصالح مع الذات في السينما المغربية وانتصار للقضايا الهامش والفئات المسحوقة؟.