ألا يبدو غريبا، كل هذا الاهتمام الاعلامي المكثف و المتزايد بفيروس “كورونا”؟ لماذا كل هذه الضجة حول هذا مرض لا يختلف كثيرا عن غيره من الأوبئة والمخاطر؟ هل لأنه ظهر في الصين؟ و لماذا كل هذه الاحتياطات المبالغ فيها؟ ماذا وقع بالضبط؟ أهناك أمر ما يخفونه عنا؟ ألا تدل هذه الاجراءات على وجود مؤامرة وراء هذا الموضوع؟ لم يسبق أن حضي مرض بمثل هذه الهالة الاعلامية و الشعبية، التي رافقت الاعلان عن أول مصاب بمرض “كورونا”. فانتشار التأويلات حول مصدر المرض بين الاشخاص لا يقل سرعة عن انتشار التفسيرات حول سبب ظهوره. فمن قائل أن الفيروس انفلت من بين قطارات علماء الصين و هم يعدون أسلحتهم البيولوجية، ومن قائل ان ” كورونا” جند من جنود الله أرسله لنصرة أقلية “الإيجور” ، واخرون يعلنون أن مؤسسة مقربة من “بيل جيتس” تنبأت به قبل عام من ظهوره. الكثير يرى أن هذا المرض جزء من مؤامرة أمريكية ضد الصين و ايران. ويضيف اخرون أن هذا الوباء مرض عادي يمكن علاجه و الشفاء منه بطرق بسيطة دون الحاجة الى ادوية “الغرب الكافر” و شركاته. انما يتم اخفاء هذه الادوية حتى تجني المختبرات الصيدلية التابعة لهم ارباحا طائلة عبر بيع امصال و لقاحات “مغشوشة” و “قاتلة”، تستهدف بشكل اخص النساء الحوامل و الاطفال الصغار. لماذا اشعل هذا الفيروس الاعلام ومواقع التواصل، بأخبار زائفة غير مؤكدة؟ وماذا وقع تحديدا ؟ لا تنتظروا الاجابة عن هذه الاسئلة، لأن مجرد الخوض في هذه التأويلات يدخلنا مباشرة في صلب “المؤامرة”. وباء “كورونا فيروس” هو أوضح مثال لتلك الظواهر المولدة تاريخيا لنظرية المؤامرة. باعتباره ازمة أشبعت التحليل و تم تداولها بشكل مستفيض على اوسع نطاق، و رغم كل هذا ظلت لغزا غامضا لدى العامة. و هذا بالتحديد اهم شيء يميز الخطاطة الكلاسيكية للمؤامرة. فنظريات المؤامرة تُنتج في أغلب الحالات افتراضات تتناقض مع الفهم التاريخي السائد للحقائق البسيطة. و وفقًا للعالم “روثبارد” فإن مخترع أو مصدق المؤامرة يلاحظ حدثًا ويسأل “من المستفيد؟ و هذا ما حدث مع هذا الوباء . الاوبئة غالبا لا نعلم مصدرها، على الاقل في بدايتها، و ميكانزيم انتشارها يظل غامضا. وامام هذا الوضع ينتج الفرد ما يسمى ب”المناعة السلوكية” كإجراء وقائي ضد الوباء، ولو ان هذا السلوك يبقى غير فعال. هذا السلوك يجد جذوره في “نظرية المؤامرة”: الخطر قادم من الاخر، و علينا أخذ الحذر الشديد و الاستعداد للدفاع عن انفسنا. انه نوع من “كره الاخر” (xénophobie). “كورونا فيروس” ، هذا الوباء العصري اعطى دفعة جديدة لنظرية المؤامرة، فالسلطات في جميع البلدان التي انتشر فيها الوباء احاطت هذا المرض بجدار سميك من التستر و اخفاء المعلومات. و تركت المواطن عرضة لكم هائل و متناقض من المعلومات. اضافة الى كون عدة جهات غير علمية تحاول بث معطيات متحيزة، بهدف خلق بلبلة لدى المتلقي ، انحيازا منها لمبدإ ديني او سياسي. ( و أشير هنا الى روسيا و بعض الجماعات الدينية في الشرق الأوسط…) تساعدنا المؤامرة في فهم الاحداث المستعصية علينا، و العقول تلجأ إلى نظرية المؤامرة لأنها الملاذ الأخير للضعفاء. و المؤامرة تقدم لنا العالم في خطاطة جاهزة و بسيطة نفهم عبرها الاحداث بدون عناء. و كون العقل البشري لا يلجأ الى فهم ميكانيزمات الاشياء، ولكنه يكتفي فقط بمعرفة الاسباب التي تقف وراء كل ظاهرة يصادفها، و الغايات منها. الوباء بطبيعته و تعريفه، ينتشر بسرعة و في عدة بؤر، و يصعب تحديد أسبابه الحقيقية و الرئيسة . و مهما قدم لنا الاخر أسبابه، فإننا نظل ننقب خارج الاطار و لا نقتنع بالجاهز من المسلمات. لأننا لا نقتنع الا بالأسباب المقصودة و المفتعلة. فرغم علمنا ان “فيروس كورونا” ظهر في سوق للحيوانات بمقاطعة “ووهان” بالصين، نظل نسعى لمعرفة الجهات التي “زرعته” في ذلك السوق، ولماذا زرعه؟ لأنه حسب خطاطة المؤامرة، يتبقى الاهم لدينا هو تحديد ” المسؤول” و “المستفيد” من هذا الوباء ! هذا الزخم الاعلامي و الجماهيري عبر منصات التواصل الاجتماعي، و انتشار فرضية المؤامرة، يضاعف الضغط على السلطات الصحية، و يجبرها على اتخاذ اجراءات لا تروق عقول العامة، و أحيانا متناقضة، و تجعلهم يطرحون عدة اسئلة، وتزرع بذلك المزيد من الشكوك و عدم الثقة. فالمشكلة لذى من يتبنى نظرية المؤامرة، هو اعتقاده الدائم انه مهما اتخذت السلطات الصحية من اجراءات ، فان ذلك يدعم فرضية تورطها. فيكفي أن تفند الجهات الرسمية شيئا ما، حتى يميل الجمهور الواسع الى تبني نظرية المؤامرة ، و بكون ذلك محاولة منها لإخفاء الحقيقة. و الحقيقة لدى من يتبنى نظرية المؤامرة، ليست واحدة بل حقائق. و رغم تعدد الفرضيات و تناقضها احيانا، فان مصدق هذه النظرية يؤمن بها كلها ولا يستبعد أي واحدة منها. فمن مؤمن بفكرة اختراع “فيروس كورونا” في مختبرات امريكا للقضاء على ثلثي سكان المعمور ! الى معتقد أن الصين هي من تقف وراء هذا الفيروس في سياق تطوير اسلحة بيولوجية، و هناك من ينكر وجود هذا الفيروس اصلا، و كون كل هذه الهالة الاعلامية ضجة مفتعلة… كما نجد اخرين يميلون الى ن دواء كورونا موجود و تستر عليه امريكا، و سيظهر حين وصول الداء الى اراضيها. اما جماعات اخرى فهي تدعي ان فص ثوم مع ملعقة عسل كافية لقتل الفيروس، الى غير ذلك من الاشاعات . هذه المواقف دفعت منظمة الصحة العالمية لإعلان انتشار “وباء المعلومة” (infodémie) اكثر من وباء كورونا، وهذا يشكل بدوره خطرا على الوضع الصحي العالمي، لان رفض الالتزام بقواعد الوقاية و رفض العلاج، او سلك سبل اخرى تقليدية، سيساعد بشكل واسع على انتشار الفيروسات، واحتمال التسبب في كارثة صحية عالمية في اي لحظة. ان المؤامرة ظاهرة لا يمكن تجنبها حين تتوافر كمية متراكمة من المعلومات يتداولها عدد كبير من الناس. و هي معتقد، و المعتقد يقف أمام الثقافي و يهزمه، و في هذه الحالة بالذات، يتبين كيف تساعد “المؤامرة” على انتقال الامراض و الاوبئة، وانتشارها. جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة