الأمم المتحدة.. اللجنة الرابعة تجدد دعمها للعملية السياسية الأممية بشأن الصحراء المغربية    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    تسجيل حالة وفاة وإصابة جديدة بكوفيد- 19    ياسين كني وبوشعيب الساوري يتوجان بجائزة كتارا للرواية    بوريطة يؤكد على "سواحل بحرية للمملكة تشمل 3500 كيلومترا" خلال مباحثات مع الأمين العام للمنظمة البحرية الدولية    مجموعة متوازنة لسيدات الجيش في أبطال إفريقيا    المنتخب الوطني النسوي يخوض مباراتين وديتين أمام تنزانيا والسنغال    بيدرو سانشيز ينفي علمه بمقترح دي ميستورا لتقسيم الصحراء المغربية    نمو حركة النقل الجوي بمطار الحسيمة بنحو 19 في المائة مع متم غشت الماضي    المجلس الأوروبي يجدد دعم الشراكة مع المغرب ويتجاهل الضغوط الجزائرية    الدولي المغربي إلياس بن الصغير ضمن قائمة ال 25 مرشحا لجائزة "الفتى الذهبي 2024"    مصدر يوضح حقيقة حذف زياش صوره مع المنتخب المغربي    "العدالة والتنمية" يُعزي في السنوار ويؤكد أن الإبادة لن تحقق الأمن للصهاينة فالقائد سيخلفه قائد    عقوبات صارمة تنتظرأرباب المطاعم والفنادق بالناظور بسبب لحوم الدجاج    وعكة صحية تدخل محمد الخلفي لقسم الإنعاش    المنتخب المغربي يتقدم مركزا في التصنيف العالمي للفيفا        حركة حماس تنعي رئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار    الدار البيضاء: فتح تحقيق مع ضابط أمن بتهمة اختلاس وتبديد أموال عمومية    حماس تخرج بأول رد لها عقب اغتيال القيادي يحيى السنوار    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    في تقرير حديث للأرصاد.. 2023 الأكثر حرارة بالمغرب خلال 80 سنة الماضية    مراكش: افتتاح الدورة ال14 للمعرض الجهوي للكتاب    ⁨انفوجرافيك | تدهور مستوى المعيشة للأسر المغربية خلال الفصل الثالث من 2024⁩    شفشاون تحتضن فعاليات مهرجان الضحك في نسخته الرابعة    تامسنا: عرض مسرحية "دوخة" للتحسيس بمرض السرطان    الدوري الممتاز لكرة السلة: قمة ساخنة بين الفتح واتحاد طنجة    التوترات الجيوسياسية تدفع الذهب لأعلى مستوياته على الإطلاق    استهلاك التبغ بين الشباب الأميركيين يسجل أدنى مستوى له منذ 25 عاما    لواء سابق بالجيش الاسرائيلي: "قطيع من الحمقى يقود دولتنا نحو خطر يهدد وجودها"    كائنٌ مجازي في رُكْن التّعازي! (من رواية لم تبدأ ولم تكتمل)    السنة الثقافية 2024 .. مبادرة "قطر تقرأ" تقرب الأطفال من ثقافات البلدين    سعر الذهب يتجاوز 2700 دولار للأونصة    توقيف 66 شخصا في عملية لمكافحة الإرهاب نسقها الإنتربول' في 14 دولة من بينها المغرب    أرت'كوم سوب وكوم سوب تفتتح الحرم الجامعي الجديد في الدار البيضاء وتوقّع 14 شراكة استراتيجية    الوطن أولا.. قبل ماذا؟    ملامح العلاقة مع المغرب في ظل العهدة الثانية للرئيس الجزائري    بعد طوفان الأقصى أي أفق لمقترح "حل الدولتين" ؟    مجلس المستشارين يعلن أسماء أعضاء مكتبه ورؤساء اللجان الدائمة    مطالب للحكومة بالارتقاء بحقوق النساء والوفاء بالتزاماتها    هل نحن في حاجة إلى أعداء النجاح؟    نسبة الفقر تقارب مائة في المائة في قطاع غزة بعد عام على بدء الحرب    غوتيريش يوصي بتمديد مهمة المينورسو في الصحراء المغربية..    علماء يطورون تقنية جديدة لتجنب الجلطات الدموية وتصلب الشرايين    عبد الرحيم التوراني يكتب من بيروت: في الحروب يقف الموت على الأبواب    أمريكا: مقتل السنوار فرصة لنهاية الحرب    ديميستورا المنحرف عن الشرعية و التجاوز غير المسبوق لكل القرارات الأممية    المديني: المثقفون العرب في فرنسا يتخوفون من إبداء التضامن مع قطاع غزة    الدولي المغربي رضا بلحيان محط اهتمام مجموعة من الأندية الأوروبية    تسجيل أزيد من 42 ألف إصابة بجدري القردة بإفريقيا منذ مطلع 2024    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الارتفاع    ما الذي بقي أمام الجزائر؟    دراسة تظهر وجود علاقة بين فصيلة الدم وزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد أسدرم تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دفاعا عن برنامج انطلاقة وفتوى الأستاذ الريسوني
نشر في العمق المغربي يوم 22 - 02 - 2020

أطلقت الدولة في المغرب بتعليمات ملكية سامية برنامجا رائدا غير مسبوق لدعم للمشاريع الاستثمارية الشبابية الصغيرة والمتوسطة، وقد اشتمل البرنامج تحصيل نسبة صغيرة على القروض المقدمة، وقد سئل عنها العلامة الجليل أحمد الريسوني فأجازها، باعتبار أن النسبة المأخوذة هي للمصاريف المتعلقة بعملية القرض، ومصاريف القرض على المقترض عند المالكية (بلا شبهة) كما سيأتي نص كلامهم؛ لأن المقرض محسن، والله تعالى يقول: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91]، وإذا نقص رأسمال القرض بسبب تحمل المقرض مصاريف القرض، فقد جعلنا عليه سبيلا.
وقد قرأت كلاما لعدد من الناقدين لتلك الفتوى، وعجبت من تخطئة بعضهم للأستاذ الريسوني بأن فتواه مبنية على فساد التصور.. والذي تبين لي أن العكس هو الصحيح؛ فالأستاذ الريسوني أناط الحكم بمؤونة القرض، باعتبار أن النسبة التي تؤخذ على القرض في مبادرة (انطلاقة) يقصد منها تحصيل مصروفات عملية القرض.
ولا يقصد من تلك النسبة المأخوذة التربح بموازنتها مع فوائد الأبناك المغربية؛ فهي تساوي قرابة الثلث تقريبا من الفوائد الحالية للأبناك، والشأن في الموازنة المقاربة لا المباعدة والمباينة. وهذا الفارق يوضح أن مقصود النسبة المأخوذة مراعاةُ مصاريف عملية القرض دون مراعاة التربح، وكون الفائدة في أوربا 1% لا يعني تنزيلها على واقع المغرب؛ لأن الفائدة تخفض للسياسة النقدية، حتى لو لو لم يربح المقرضون أو خسروا.
وكلام الأستاذ الريسوني واضح أشد الوضوح في بيان هذا المناط للفتوى، ولهذا قال: “من الواضح أنها ليس مبادرة ربحية وتجارية على ما تعمل عليه البنوك عادة، فهذه النسبة لا تعطي ربحا يذكر”؛ فقد أناط الحكم بالتكلفة الفعلية للقرض بحسب الموازنة مع الأبناك التي تتربح، وبين وجه هذه التكلفة بقوله :”القروض التي تقدم بهذه الكيفية وتتولاها عدة مؤسسات تحتاج إلى دراسة ملفاتها وعدد من الموظفين وعدد من الأعمال الإدارية، وخبراء يدرسون المشاريع من حيث الجدوى ومن حيث نجاعتها ويتابعون مع المعنيين”، معتبرا أن “كل هذه الأعمال والخبرات تحتاج إلى نفقات وأجور، وهذا جزء من نفقات المؤسسات المقرضة”.
فنفى بهذا الاعتبار وجود الربا المحرم معتبرا النسبة المأخوذة من تكلفة القرض، وهو ليس بدعا في ذلك، فقد صدر بجوازها قرار من مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته الثالثة سنة 1407ه 1986م، نص على أنه: “يجوز أخذ أجور عن خدمات القروض على أن يكون ذلك في حدود النفقات الفعلية”، وقرر أيضا في الدورة السادسة سنة 1410ه 1990م : “أنه إذا دعت الحاجة إلى تحصيل نفقات لتقديم عمليات القروض ومتابعتها، وجب أن يقتصر فيها على التكاليف الفعلية لعملية القرض”.
وجواز تحميل مصاريف القرض على المقترض هو قول فقهاء المالكية من غير نزاع ولا شبهة حسب عبارتهم.
فقد نص الشيخ خليل وشراح مختصره على أن أجرة توفية القرض ورده على المقترض. جاء في الشرح الكبير على مختصر خليل: “فمن اقترض إردبا مثلا فأجرة كيله على المقترض، وإذا رده فأجرة كيله عليه بلا نزاع”.
وجاء في الشرح الصغير على أقرب المسالك: “(والأجرة عليه)؛ أي على البائع في الكيل أو الوزن أو العد؛ إذ لا تحصل التوفية إلا به، (بخلاف القرض فعلى المقترض)؛ لأن المقرض صنع معروفا فلا يكلف الأجرة، وكذا على المقترض في رد القرض والأجرة بلا شبهة”.
ولهذا فتسوية التكلفة الفعلية بالربا طعن في علماء الأمة كلهم من كل المذاهب والأقطار الإسلامية بأنهم أباحوا الربا؛ فلا بد من التنبيه إلى أن المورد مختلف فقليل الربا حرام، ومؤونة القرض ليست داخلة فيه بدون نزاع كما نص المالكية.
وإذا كانت التكلفة الفعلية للقرض واجبة على المقترض من غير نزاع، فإن مما لا يتنازع فيه أيضا أن التكلفة سواء حددت بمبلغ مقطوع على كل معاملة أو بمبلغ إجمالي يوزع على المقترضين بنسبة مئوية فلا فرق البتة، بل النسبة المئوية أعدل من المبلغ المقطوع؛ لأن تكلفة القرض بشريا وتقنيا وإداريا تزيد بزيادة مبلغه، فتحميل المقترضين إجمالي النفقات والمصروفات بقسطهم ونسبهم أعدل من المبالغ المقطوعة، ولهذا نظائر في الفقه، فأجرة قاسم التركة على الورثة حسب أنصبتهم ونسبتهم في الميراث.
وهذه التكلفة الفعلية سواء علمت يقينا، أو علمت ظنا إذا تعذر اليقين، تدفع عنها شبهة الربا؛ لأمرين:
الأول: أن قاعدة الشرع اللجوء إلى الظن عند تعذر اليقين، كما قال الناظم:
وإن تعذر اليقين فارجعا … لغالب الظن تكن متبعا
الثاني: أننا نظرنا إلى هذه الزيادة بأنها مقابل تكلفة القرض لا مقابل الزمن؛ لأن الربا هو الزيادة في الدين مقابل التأجيل، فالمحرم هو الزيادة الربوية، لا مطلق الزيادة، وإلا منعت التكلفة الفعلية نفسها وهي زيادة على القرض، فدل على أن العبرة بما اتفق عليه العاقدان ودخلا فيه، فإن وجدت زيادة على التكلفة الفعلية، فليس على المقترض حرج، لأنه لم يدفع بسبب الربا، والقرينة تدل على أن الدولة لم ترد عقد الربا؛ لأن النسبة أقل مما يتربح به المقرضون في السوق، فهي ترمي إلى ربح اجتماعي أسمى وأعلى.
وقد سألت بعض الخبراء وأهل المعرفة فأفادوا بأن هذه النسبة أقل من المصروفات الفعلية، والدليل أن بنك المغرب، وهو الخبير الأول بالقطاع البنكي في المغرب، يحدد في تقريره السنوي حول الإشراف البنكي لعام 2018 متوسط نسبة النفقات العامة في القطاع البنكي في حدود (1,93 %).
والخلاصة أن من يحرم نفقات القرض يريد أن يقول بصيغة أخرى نريد من البنوك أن تقرض الناس مليارا وأن تخسر في كل مليار عشرين مليونا، فلو أقرضت عشرة مليارات، فسوف تخسر مائتي مليون، ولن تسترد رأس مالها، وهذا سيؤدي إلى توقف برنامج القرض الحسن بعد مدة من الزمن؛ لأن النفقات ستستهلك رأس المال القرض شيئا فشيئا. ولهذا فتحصيل نفقات القرض وقاية لرأس مال القرض، وللمعروف من الانقراض.
وقد نص المالكية على أن اكتساب المال له ثلاث أحوال:
الأولى: أن يكون اكتسابا محرما كالربا وغيره،
والثانية أن يكون اكتسابا حلالا كالبيع وغيره،
والثالثة أن يكون اكتسابا فيه شبهة، وعرفوا الشبهة بأنها ما لا يتعين حله ولا حرمته.
فإذا عرفنا أن النسبة في برنامج انطلاقة لم تدخل في الحالة الأولى التي تتعين فيها الحرمة، فهي تدور بين الحل والشبهة ، وهذا على سبيل التنزل مع المخالفين، وقد قال إمامنا مالك رضي الله عنه: “طلب الرزق في شبهة خير من الحاجة إلى الناس”. فدل كلامه على أن اكتساب المال بما لا يتعين حرمته أولى من العطالة والبطالة وسؤال الناس، أو العيش في مذلة وهوان. وذكر الزركشي في كتابه “المنثور” أن العبرة بترك الحرام يقينا، وقال: “وتوسع العبادي فقال في الزيادات: سئلت عن الشبهة في هذا الزمان، فقلت: هذا ليس زمان الشبهة! اجتنب ما عرفته حراما يقينا”.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
* أستاذ المعاملات المالية في كلية الشريعة بقطر وعضو هيئات شرعية في بنوك إسلامية
جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.