تشكل الديمقراطية التشاركية حسب الوثيقة الدستورية لسنة 2011 إحدى الأسس الأربعة التي يستند عليها النظام الدستوري للمملكة المغربية، حيث وردت في المقام الثاني من الفصل الأول، مقرونة بالمواطنة بعد “فصل السلط”، ومتبوعة ب”مبادئ الحكامة الجيدة” و”ربط المسؤولية بالمحاسبة”. وهي الإطار المؤسساتي الذي تتحقق من خلاله المشاركة المواطنة والحوار والتشاور بين مختلف المؤسسات والمصالح العمومية من جهة، والجمعيات والمنظمات غير حكومية والأفراد من جهة ثانية. وذلك لتحسين ظروف عيش المواطنات والمواطنين والدفاع عن حرياتهم وتمكينهم من الحقوق الأساسية ومن التنمية المستوفية لشروط الكرامة، في إطار دولة حديثة يسودها الحق والقانون وتؤمن فيها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وترسى فيها دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالحرية والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة. هذه المواطنة لا تستقيم إلا بمشاركة إيجابية لجميع أعضاء المجتمع؛ ولا سيما المرأة و ذلك على قدم المساواة مع الرجل. مشاركة مواطنة يتم ممارستها عبر آليات للديموقراطية التشاركية نص عليها دستور 2011 و ألزم السلطات العمومية حسب المادة 19 بإحداث هيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعليين الاجتماعيين، في اعداد السياسات العمومية وتفعيليها وتنفيذها وتقييمها، كما ألزم الجماعات الترابية بوضع آليات تشاركية للحوار والتشاور (الفصل 139) لتيسر مساهمة المواطنات والمواطنيين والجمعيات في اعداد برامج التنمية وتتبعها. إلا ان الجماعات الترابية وإن قامت الثلاث بمأسسة الآليات التي تم التنصيص عليها بالاسم والاختصاص في القوانين الترابية، إلا أنها تلكأت في إحداث مجالس جديدة نص عليها القانون لتتبع وتقييم برامج الجماعات الترابية . لهذا سنعمل في هذا المقال على رصد المقتضيات الدستورية والقانونية الخاصة بمأسسة المجالس التشاركية للحوار والتشاور كما سيعمل على رصد سيرورة المبادرات المدنية والمؤسساتية التي عرفتها مدينة طنجة، في السياق الذي عرفته قبل التعديل الدستوري لسنة 2011، ثم المراحل الاخرى التي أغنت تجربة طنجة في مجال مأسسة المجالس التشاركية للحوار والتشاور. بحيث سيجيب المقال عن السؤال الإشكالية : إلى أي حد استطاع الفاعل المدني ممارسة أدواره الدستورية من خلال المجالس التشاركية للحوار والتشاور؟ ثم إلى أي حد ساهم المجتمع المدني من خلال المجالس التشاركية للحوار والتشاور في تعزيز الديموقراطية المحلية ؟ ولمقاربة هذه الإشكالية سيحاول المقال إيجاد اجوبة اولية حول : هل استطاع الدستور المغربي ان يؤطر الحركات الاحتجاجية المدنية المطالبة بالحقوق الاقتصادية ، الاجتماعية ، السياسية ، الثقافية داخل المؤسسات العمومية و المجالس الترابية؟ ثم إلى أي مدى استطاع الفاعل السياسي تسهيل إدماج المجتمع المدني الفاعل داخل بنيات المجالس المنتخبة؟ I. الاطار الدستوري والقانوني المنظم للمجالس التشاركية للحوار والتشاور بالمغرب 1- الاطار الدستوري لاحداث المجالس التشاركية للحوار والتشاور بالمغرب نص الدستور المغربي لسنة 2011 في ديباجته ” إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل بعزم مسيرة توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، …” وهو ما جعل المشاركة من ركائز الدولة المغربية الحديثة واختيار لا رجعة فيه ، كما نص الفصل الأول على انه : ” يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة”. وهي مقتضيات دستورية توضح بجلاء مدى سعي المشرع الى الحسم في مسألة جعل النظام الديموقراطي اكثر شعبية بادماج فئات جديدة تشارك في التنمية والتدبير الديموقراطي للبلاد ، كما نص الفصل 12 على حرية تأسيس وعمل جمعيات المجتمع المدني والتي لايمكن حلها إلا بمقتضى مقرر قضائي، حيث عمل المشرع على تحصين عمل الجمعيات إزاء السلطة، حيث حصر قرار حلها أو توقيفها في يد القضاء المغربي، وبسط اختصاصات المجتمع المدني في كون الجمعيات المهتمة بالشأن العام تساهم في إعداد القرارات والمشاريع لفائدة السلطات العمومية. وتلزم هذه السلطات أن تعمل على إحداث هيئات للتشاور قصد إشراك كل الفاعلين في وضع السياسات العمومية وتتبعها وتقويمها وتفعيلها . وهو ما يجعل الفاعل الجديد في الساحة الديموقراطية لبلادنا يقف على قاعدة صلبة من ناحية حرية العمل والمشاركة في اعداد المشاريع والبرامج ، ومن أهم الفصول التي كرست هاته المشاركة المواطنة: – الفصل 139 تضع مجالس الجهات، والجماعات الترابية الاخرى، آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها … – الفصل 33 على السلطات العمومية اتخاذ التدابير الملائمة لتحقيق ما يلي : − توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد؛ − مساعدة الشباب على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية، وتقديم المساعدة لؤلائك الذين تعترضهم صعوبة في التكيف المدرسي أو الاجتماعي أو المهني؛ − تيسير ولوج الشباب للثقافة والعلم والتكنولوجيا، والفن والرياضة والانشطة الترفيهية، مع توفير الظروف المواتية لتفتق طاقاتهم الخلاقة وا,بداعية في كل هذه المجلات . يحدث مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي، من أجل تحقيق هذه الاهداف . -ونص الدستور المغربي على مجموعة من المؤسسات والهيئآت التي تعمل على تنزيل الديمقراطية التشاركية في مستويات مختلفة، والتي نص عليها من الفصول 161 إلى 170. وتعمل هذه الهيئات الاستشارية على تقرير أعمالها مرة واحدة في السنة على الأقل حيث يكون موضوع مناقشة من قبل البرلمان . فالمشرع المغربي حاول؛ من خلال مأسسة المجالس التشاركية للحوار والتشاور عبر الوثيقة الدستورية؛ إحداث تعاقد جديد بين السلطة المنتخبة أو السلطة الإدارية من جهة، وبين المواطنين والمواطنات وجمعيات ومنظمات المجتمع المدني من جهة ثانية، مقاربة دستورية جديدة تبتغي إعطاء دفعة جديدة للعملية الديموقراطية لوطننا، وإعادة التوازن المجتمعي المفقود، والذي عكسته مظاهرات 20 فبراير التي طالبت بترسيم تعاقدات جديدة في عملية إصلاحية واسعة للنظام القائم . 2 – الاطار القانوني للمجالس التشاركية للحوار والتشاور في القانون 113.14 أ- المجالس التشاركية حسب المادة119 من قانون 113.14 تطبيقا لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 139 من الدستور، نصت المادة 119 من القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات في بابه الخامس على ” الاليات التشاركية للحوار والتواصل ” والذي نص فيه المشرع على إحداث مجالس الجماعات كآليات تشاركية للحوار والتشاور وذلك لتيسيير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في اعداد برامج العمل وتتبعها طبق الكيفيات المحددة في النظام الداخلي للجماعة، وهو ما جعل الجماعات الترابية تفصل هذا المقتضى القانوني في أنظمتها الداخلية بالاعتماد على مقتضيات دورية لوزارة الداخلية هاته الاخيرة قامت بوضع ، قانونا داخليا يعتبر كإطارا يعمل على تسهيل العملية على مجالس الجماعات الترابية . وأهم ما تضمنه القانون الداخلي لوزارة الداخلية اقتراح صيغ لتطبيق المادة 119 من القانون التنظيمي، حيث نص على ما يلي : “يمكن لرئيس المجلس الجماعي بتعاون مع أعضاء المكتب عقد لقاءات عمومية مع المواطنات والمواطنين والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين وجمعيات المجتمع المدني لدراسة مواضيع عامة تدخل في اختصاصات الجماعة والاطلاع على آرائهم بشأنها، وكذا لإخبار المواطنات والمواطنين والمعنيين بالبرامج التنموية المنجزة أو الموجودة في طور الإنجاز”، وهو ما عملت جماعة طنجة على تنزيله على ارض الواقع من خلال “برنامح حكامة'. ب- آليات الديموقراطية التشاركية حسب المادة 120 من قانون 113.14 نص القانون التنظيمي 113.14 من خلال المادة 120 على إحداث هيئة استشارية بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني تسمى: "هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع"، وأحالت على النظام الداخلي للجماعات تحديد كيفية تطبيق هذه المادة. وعند دراستنا للانظمة الداخلية لمجموعة من المجالس الجماعية، فإن الهيئة الاستشارية تختص بتتبع وتقييم مدى ضمان احترام قيم المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع في البرامج و المشاريع التي تعمل الجماعة على تنزيلها وفق برنامج عملها ،حيث تقوم هاته الهيئة بانشطة واجراءات لتجميع المعطيات التي لها صلة بهذه الميادين من أجل دراسة وإعداد توصيات وابداء الرأي بطلب من المجلس أو بمبادرة من الهيئة نفسها. وحسب القانون الداخلي الإطار الذي تم وضعه من طرف وزارة الداخلية لتيسير عمل الجماعات الترابية في هذا الباب، حدد المواد من 62 إلى 81 لبيان مهام ومعايير تشكيل الهيئة وكيفية اشتغالها وهو ينص على ما يلي: “تتكون هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع من شخصيات تنتمي إلى جمعيات محلية وفعاليات من المجتمع المدني يقترحهم رئيس المجلس الجماعي، حيث يحدد عدد أعضاء الهيئة باعتبار أهمية النسيج الجمعوي والفاعلين المحليين وبالتشاور معهم. ويأخذ بعين الاعتبار في تشكيل الهيئة معايير النوع الاجتماعي ، المكانة والسمعة ، التجربة في المجال الاجتماعي ، الخبرة ، التنوع المهني ، والارتباط بالجماعة الترابية ، ومن أجل تجويد عمل الهيئة تم التنصيص على مجموعة من المقتضيات، من قبيل : جواز السماح لبعض الأشخاص ذوي الاختصاص لحضور أشغال الهيئات إذا كان من شأن ذلك أن يفيد الهيئة في اتخاذ القرار المناسب بخصوص الموضوع المعروض عليها ، تكوين مجموعات عمل تهتم بقضايا معينة في مجال اختصاصاتها ، اعتبار أنشطة الهيئة عملا تحضيريا داخليا لا يجوز نشره ولا إبلاغه إلى العموم ، إمكانية تقديم توصيات وملتمسات ومقترحات لمجلس الجماعة، والتي يجب على رئيس المجلس الجماعي إخبار أعضاء الهيئة بصفة دورية بمآلها. II. تجربة مدينة طنجة في إحداث المجالس الشاركية للحوار والتشاور تشهد مدينة طنجة تجربة متفردة في تنزيل آليات الديموقراطية. ويمكن تقسيم هاته التجربة من خلال التحقيب الزمني إلى ثلاث مراحل اساسية، هي : مرحلة التطبيع مع مفهوم المشاركة المواطنة وتوجه الجمعيات والفعاليات المدنية الى الاهتمام بتدبير الشأن العام المحلي بعد سنوات من الفعل المدني التضامني والإحساني والثقافي ثم الترافعي. والمرحلة الثانية التي اقترنت بدسترة هذا الوافد الجديد في حقل الممارسة الديموقراطية في دستور 2011. أما المرحلة الثالثة فتشكلت ملامحها بعد صدور القوانين المنظمة للجماعات الترابية سنة 2015. وشكلت مدينة طنجة بهاته التجربة نموذجا رائدا قابلا للاقتباس في بنيات اجتماعية مماثلة، وسنعمل على تبيان هاته التجربة باقتضاب عبر الإحاطة بأهم السياقات والتفاعلات واالمبادرات التي طبعت هاته المراحل، لرصد سيرورة العمل المدني التي سبقت إحداث المجالس التشاركية، قبل الوقوف عند هذه المجالس تحليلا وتقيما. 1 – المشاركة المواطنة بمدينة طنجة وسياق الظهور قبيل صدور دستور 2011 : اتسمت هاته الفترة بشح العمل المدني المهتم بالشان العام ، و في هذا الاطار يمكن ا ن نسيق تجربتين اهتمت الاولى ببناء الثقة وفضاءات العمل المشترك مع الفاعل السياسي المنتخب ، فيما عملت الثانية على ترك مساحة مع المسؤولين . شكل مشروع (PROGOL) الذي استهدف ترويج الحكامة الجيدة في شمال المغرب؛ منذ سنة 2004 الحاضنة الاساس للتطبيع مع مفاهيم المشاركة المواطنة بمدينة طنجة ؛ حيث عمل المشروع على تقوية قدرات الفاعلين الإداريين والمنتخبين والمجتمع المدني …، حول الحكامة الجيدة و التنمية المحلية بشمال المغرب. هذا المشروع تم انجازه من طرف جمعية التنمية المحلية المتوسطية (ADELMA) وشريكها الكطلاني (PROYECTO LOCAL) ، وبدعم من بلدية برشلونة وتعاون مع جماعة طنجة .- فيما تميزت “رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين ” باصدار بيانات تقنية دقيقة ترصد المشاكل والتحديات التنموية وتسائل المسؤولين على ايجاد حل لها عبر اجراءات ومشاريع وبرامج لها ، خصوصا بعد سنوات 2005 حيث ستشهد طنجة برامج تنموية مهيكلة أثارت حماسة المجتمع المدني من أجل تتبعها وتقييمها والمساهمة في بلورة جزء منها. وما يجدر الاشارة اليه ان هاته الفترة اقتصرت على تداول مفاهيم المشاركة والاشراك ، ولم تعرف مدينة طنجة مأسسة آليات تشاركية للحوار والتشاور . 2 –مأسسة فضاءات ومجالس تشاركية للتشاور والحوار بمدينة طنجة بعد صدور دستور 2011 عرفت مدينة طنجة أولى المبادرات في مجال مأسسة فضاءات المشاركة المواطنة سنة 2011 ، بعد أن تم إقرار الدستور الذي أحدث اثرا ايجابيا على الشعب المغربي، فارتفع منسوب الثقة في العملية السياسية، وارتفعت معه معدلات المشاركة في الفعل المدني والسياسي و حدث تقارب بينهما ، و من المبادرات النوعية التي عرفتها طنجة في مجال مأسسة فضاءات المشاركة المواطنة : أ- مبادرة الترافع حول عدم فتح المحمية الطبيعية “السلوقية”، الرئة الخضراء لمدينة طنجة، أمام سياسة التعمير حينئذ، وذلك بقرار من اللجنة التقنية التي تم استدعاؤها للانعقاد لهذا الغرض، مما جعل الفاعليات المدنية والسياسية والنقابية تعارض هذه السياسة التي تضرب عرض الحائط معايير الاستدامة والحكامة الجيدة. دينامية مدنية أثمرت تحالفا مدنيا على شكل تنسيقية سميت ب ” تنسيقية حماية البيئة : السلوقية أولا “، قادت أطوار حملة ترافعية تروم الحفاظ على المحمية الطبيعية وحولت الموضوع إلى قضية رأي عام بمدينة طنجة، فكانت أولى التجارب المدنية الناجحة في مجال الترافع التي أنتجت قرار ا من السلطات العمومية المعنية بالغاء كل الاجراءات التي تهم تغيير وضعية المحمية الطبيعية، كما أنتجت مأسسة فضاء للعمل المشترك بين الفاعليات السياسية والمدنية والنقابية للترافع ورصد أي خرق بيئي أو أثري يمس الموارد الطبيعية والحضارية لمدينة طنجة اطلق عليه اسم “مرصد حماية البيئة والماثر التاريخية بمدينة طنجة ” سنة 2012 . ب- من التجارب الجمعوية التي ستعمل على مأسسة العلاقة بين فعاليات المجتمع المدني والمنتخبين، مشروع (المشاركة المواطنة بمدينة طنجة ) لمؤسسة سيديال بتمويل من البنك الدولي وبشراكة مع جماعة طنجة سنة 2013. وقد استهدف المشروع المساهمة في ارساء قواعد المشاركة المواطنة بمدينة طنجة عبر التأسيس لأرضية المجتمع المدني بالمدينة، وكان من اهدافه، تحسيس الساكنة والفاعليين المحليين بمفهوم المشاركة المواطنة ، تأسيس ارضية للمجتمع المدني بمدينة طنجة، تأسيس اللجان القطاعية المشتركة ،فضاء للحوار وتبادل الخبرات والاراء ، اشراك الساكنة والفاعليين المحليين بمدينة طنجة في مسلسل اتخاد القرار المحلي. ت- إطلاق مبادرة ” ميثاق طنجة “. من طرف جماعة طنجة سنة 2014 وكان الهدف منها احداث نوع من الترابط بين المشاريع المهيكلة التي استهدفت تغييرا جذريا للبنيات التحتية القائمة في المدينة وبين ادماج المواطن في التنمية المنشودة من هذه المشاريع، عبر تغيير العقليات والسلوكات، من خلال التوافق على ميثاق عمل. فتم تنظيم أيام تشاورية بالمدينة، حضرها اكثر من 1000 مواطن ومواطنة من مدينة طنجة يمثلون فعاليات سياسية ومدنية ونقابية وقطاع خاص وإعلام… أيام تشاورية كان من مخرجاتها ميثاق مدينة طنجة الذي يضم 14 مادة حول تدبير الفضاء المشترك بمدينة طنجة. وتعتبر تجربة مؤسسة ميثاق طنجة مبادرة نوعية في إطار تنزيل آليات الديموقراطية التشاركية، استبقت سن القوانين المفعلة للفصول الدستورية التي أطرت مفهوم وآليات الديموقراطية التشاركية. المجالس التشاركية للحوار والتشاور بمدينة طنجة بعد صدور القوانين المنظمة للجماعات الترابية أ – الفضاءات والمجالس التشاركية المحدثة وفق المادة 119 من قانون 113.14 نصت المادة 119 “تحدث مجالس الجماعات آليات تشاركية للحوار والتشاور لتيسيير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في اعداد برامج العمل وتتبعها طبق الكيفيات المحددة في النظام الداخلي للجماعة”، وهو ما جعل الجماعات الترابية تفصل هذا المقتضى القانوني في انظمتها الداخلية بالاعتماد على مقتضيات دورية لوزارة الداخلية وضعت قانون داخلي اطار قصد تسهيل العملية . وعملت جماعة طنجة على اطلاق مبادرتين تمثلت الاولى في إطلاق برنامج “حكامة ” والثانية في مأسسة مجالس المجتمع المدني على مستوى المقاطعات . قامت جماعة طنجة بتنظيم لقاءات شهرية عمومية في آخر أربعاء من كل شهر اطلق عليها ‘ برنامج حكامة ‘ ، حيث اطر هاته اللقاءات نواب العمدة حسب القطاع المفوض لهم بها ، وكذا اساتذة جامعيين و فعاليات جمعوية. وتنوعت هاته المجالات لتشمل 1 التعريف ببرنامج حكامة كالية للديموقراطية التشاكية للحوار والتشاور 2 طنجة بين الحجوزات المالية وادوارها التنموية 3 المشاركة المواطنة – تقديم العرائض نمودجا 4 التدبير المالي للجماعة بين اكراهات الواقع واكراهات الحكامة 5 التدبير المفوض مدخل لتجويد الخدمات الكلفة والنتائج 6 الرياضة بطنجة … الواقع واليات الاقلاع 7 التغيرات البنيوية لمنظومة السير والجولان بطنجة الكبرى واثارها 8 جماعة طنجة ومشاريع طنجة الكبرى ( الاختصاصات، التنزيل والإكراهات ) 9 اللقاء التقييمي الاول لبرنامج حكامة 10 جماعة طنجة والميزانية التشاركية التنزيل والاكراهات عملت المقاطعات الاربع لمدينة طنجة على تفعيل المادة 119 وذلك بإحداث هيآت للتشاور والحوار والمتمثلة في مجالس المجتمع المدني بالمقاطعات ، و لتتبع برنامج عمل المقاطعة وابداء ارائها الاستشارية ومقترحاتها في البرامج والمشاريع التي تنفذها على تراب المقاطعة . وتم اطلاق هذه المبادرة من مقاطعة بني مكادة سنة 2016، ثم مقاطعة مغوغة سنة 2017، وتم عقد الجمع التأسيسي لمقاطعة المدينة سنة 2019 ، فيما تشتغل اللجنة التحضيرية للاعداد للجمع العام التاسيسي لمجلس المجتمع المدني لمقاطعة السواني . وتهدف هاته المجالس بصفة خاصة الى : النظر وإبداء الرأي في القضايا المعروضة عليها في إطار صلاحياتها وأهدافها. رفع مذكرات ، جمع المعلومات ، القيام بالدراسات ، تنزيل برنامج لتقوية قدرات الجمعيات المساهمة في إعداد وإنجاز وتتبع وتقييم برنامج عمل الجماعة . وتخضع هاته المجالس لظهير الحريات العامة من حيث الشكل القانوني، كما تعتبر هيئات محدثة من طرف مجالس المقاطعات حسب المادة 119 من القانون 113.14 ، وتتكون من مجالس ادارية يبلغ عددها نفس عدد مجالس المقاطعات ، كما ينتخب من مجالس ادارتها مكتب تنفيذي، الذي ينتخب من بين اعضائه منسقا عاما يمثل المجلس امام السلطات الادارية والمنتخبة. ب–المجالس التشاركية المحدثة وفق المادة 120 من قانون 113.14 نصت المادة 120من القانون التنظيمي للجماعات الترابية على إحداث هيئة استشارية بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني تسمى: "هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع" لدى مجلس الجماعة، وأحالت على النظام الداخلي للجماعات تحديد كيفية تطبيق هذه المادة ، وحسب دراسة الانظمة الداخلية لمجموعة من المجالس الجماعية فإن الهيئة تختص بتتبع وتقييم ضمان المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع في البرامج و المشاريع التي تعمل الجماعة على تنزيلها وفق برنامج عملها. وتقوم هذه الهيئة بأنشطة وإجراءات لتجميع المعطيات التي لها صلة بهذه الميادين من أجل دراسة وإعداد توصيات وابداء الرأي، بطلب من المجلس أو رئيسه، و حدد القانون الداخلي الاطار الذي تم وضعه لتيسيير عمل الجماعات الترابية في هذا الباب، المواد من 62 إلى 81 لبيان مهام ومعايير تشكيل الهيئة وكيفية اشتغالها. وقد عملت جماعة طنجة على احداث هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع بتاريخ 13 فبراير 2017، تتكون من 85 عضو وعضوة، وذلك بالانضباط الى معايير للانتقاء ، حيث تم المصادقة على لائحة اعضاء الهيئة في دورة المجلس الجماعي. وتجدر الاشارة الى ان احداث هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع لجماعة طنجة وتفعيلها لم يكن بالأمر السهل، فالعمل الجماعي صعب وتقريب الآراء أصعب فكان امام الهيئة تحديات كبرى ، أولها توحيد المواقف والقناعات على أهداف النشأة ومحدودية الاختصاص (دور استشاري ) والنتائج المنتظرة ، وهي أمور أخذت من اعضاء الهيئة وقتا قارب السنة من التأسيس. كما كان لزاما العمل على إنضاج شروط العمل المشترك والاتفاق على منهجية تشاركية للاشتغال. ورغم المجهودات المقدرة للهيئة فإنها تبقى بعيدة كل البعد عن تنزيل الاهداف والآمال التي علقت عليها ، فكان دورها بروتكوليا “شكليا” اكثر منه دور محوريا في تقديم الآراء الاستشارية في مدى التزام جماعة طنجة باحترام مقاربة النوع وتكافؤ الفرص والمساواة في تنزيل إجراءاتها ومشاريعها . خاتمة : عموما، نعتقد جازمين بأن المرحلة السابقة لدستور 2011 بمدينة طنجة شكلت مجالا خصبا للتطبيع مع مفهوم المشاركة المواطنة، حيث تم التعرف على المفهوم وتطبيقاته العالمية؛ وبالأخص بالدول الاروبية، حيث تم الوقوف على مجموعة من الصيغ التي عرفتها ماسسة المجالس التشاركية للحوار والتشاور ( نقابة الاحياء – مجالس الاحياء – مجالس المقاطعات …) وهي مقدمات ستثمر عن اولى الارهاصات بعيد تعديل دستور المملكة لسنة 2011 ، حيث ستعرف مدينة طنجة إحدتث مجموعة من الفضاءات والمجالس التي كانت تحاول ايجاد الصيغ الأولى للعمل المشترك بين الفاعليين المحليين ( المنتخبين ، الاداريين ، المجتمع المدني …)، كالبيئة على سبيل المثال التي تعد اولى صيغ التشارك والمشاركة في حمايتها عبر مرصد حماية البيئة والماثر التاريخية الذي يعتبر احد الابداعات التي عرفتها طنجة اعتبارا لطبيعة تركيبته ( الاحزاب ، النقابات ، الهيئات المهنية ، المجتمع المدني ….) . عرف الفعل المدني بمدينة طنجة أوجه بعد التنزيل القانوني لآليات الديموقراطية التشاركية سنة 2015، حيث ظهرت مجموعة مقدرة من الجمعيات التي عملت على تنزيل الأدوار الجديدة للمجتمع المدني، الذي انتقل حسب الوثيقة الدستورية وطبيعة التعاقدات التي أفرزتها، من ممارسة أدوار تقليدية الى ادوار جديدة ارتقت به إلى فاعل مؤسساتي يساهم في بلورة وتتبع وتقييم السياسات العمومية، فأضحى مدرسة مواطنة لتخريج الكفاءات وتقديم الاستشارات، وفضاء حقيقيا لإنتاج الأفكار والتوجهات. وأخيرا، وإن لم يستطع المجتمع المدني إلى الآن أن يخترق البنيات التقليدية للممارسة الديموقراطية بالمغرب، سواء بأشخاصها أو مؤسساتها، إلا أنه فرض نفسه كمكون مهم وفاعل يقدم رؤى وأطروحات جديدة في تدبير الحكم في البلاد، سواء على المستوى الوطني أو المحلي، وذلك في تربة ديموقراطية يصعب فيها استنبات تعاون وتكامل حقيقين بين الفاعلين السياسي والمدني في ظل هيمنة نظام إدراي متجدر . الا ان انخراط المجتمع المدني في سيرورة مأسسة المجالس التشاركية للحوار والتشاور ، وتوسيع صلاحياتها واسهاماتها في وضع السياسات العمومية المحلية، سيساهم ولاشك في تعزيز الديموقراطية المغربية الناشئة، فالمجتمع المدني بمدينة طنجة خاصة وبالمغرب عامة، وضع رجله اليمنى داخل قاعة صنع القرار ولا ينقصه إلا الثقة في نفسه وثقة باقي الفاعلين فيه، من أجل تطوير الممارسة الديموقراطية بالمغرب، وتحقيق الأهداف التنموية والديموقراطية المنشودة. * رئيس مركز ابن بطوطة للدراسات وابحاث التنمية المحلية جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة