(نظرية الفوضى في الإقتصاد) في مقال أجنبي لا أتذكر عنوانه و لا كاتبه، الذي صرح فيه، بأن الدراسة السويسرية التي تدعي بأن لحية الرجل مليئة بالجراثيم، ماهي إلا دراسة مُموَّلة من طرف شركات شِفرات الحلاقة. لا أعلم إن كان كلامه هذا مبنيا على استطلاع، أم على تأويل شخصي، أو أنه مجرد سخرية طريفة على مضمون الدراسة. لكن هذا الأمر، جلني أتذكر كلاما سمعته في محاضرة من أستاذ جامعي، تحدث فيه، بأن الحرب الأمريكية على طالبان ماهي إلا حرب من أجل الحصول على الأفيون، التي تُعتبر نبتة مقدسة لدى البوذيين (أي أن التجارة بها هناك سيُدر أرباحا على من يُسيطر عليها). كما أضاف الأستاذ قائلا، بأن التحريم الذي يضعه الطالبانيون حول التلفاز، دافع آخر للحرب، لأنه لو تم منع التلفزيون من البيوت إن سيطرت طالبان على الحكم، فإن هذا سيُؤدي إلى عدم تداول الإشهارات وسط المجتمع الأفغاني مما يزرع فراغا إقتصاديا هناك لبعض المنتوجات العالمية وخصوصا الأمريكية. و في الأخير أضاف الأستاذ أثناء سرده للدوافع الإقتصادية للحرب على طالبان، بأن اللحية أيضا تُعتبر دافعا مؤثرا للحرب، فإطالة اللُّحى يضرب بقوة في أرباح شفرات الحلاقة. لأن عدم حلق اللحية يعني عدم استعمال الشفرة. بالطبع، هذا تأويل منطقي لصراع، لا أعلم إن كان مبنيا على دراسة أم هو مجرد اجتهاد نظري منطقي، طرحه الأستاذ في محاضرته. لكن بعد إطلاعي على بعض الكتب الإقتصادية وجدت أن فهمنا السطحي للإقتصاد مبني بشكل أساسي على فهم كمي و نقدي (من النقود). حيث نتخيل أن الشركات ستكون أكثر نشاطا و حيوية إن كان تدفق النقود نحوها كمداخل مرتفعا، لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فالنظام الإقتصادي العالمي الآن هو إقتصادي مالي. قسم علماء الإقتصاد؛ الرأسمالية لمراحل، ففي البداية كانت رأسمالية تجارية ثم صناعية ثم مالية و البعض يعتبر أن المرحلة الحالية هي مرحلة الرأسمالية التكنولوجية، لكن على الرغم من الإعتماد الكبير على التكنولوجيا (كالصراف الآلي مثلا و التطبيقات البنكية الذكية..) إلا أنها لم تصل بعد لمستوى تحقيق التحكم في السيولة العالمية للأموال. على أي، فالرأسمالية المالية، تعني نظاما مبنيا على البنوك، فهي تُعتبر المركز الحساس لنظام الرأسمالية، و البورصة طبعا هي المُوَجِّه الأساسي لهذا النظام. إذن، فالنظام الإقتصادي العالمي يُدار بالأبناك، حيث أنها المسؤولة على الإدخار و الإستثمارات و الإعانات الإجتماعية و التوزيعات المالية من تمويل إلى إقراض إلخ. بالفعل، إن أرباح الشركات لا تنحصر في النقود المتدفقة إليها و إنما على السيولة المالية إن كانت ترتفع أم تنخفض أم أنها محصورة في نقطة جامدة، و هذا مهم جدا، لأن نظام السوق الحرة يحكم على الشركات بالهلاك إن لم تُحافظ على سيولتها على مستوى الإرتفاع، و ذلك بسبب المنافسة، فإن انخفضت السيولة ستملأ الشركة الأخرى الفراغ، و هذا ماحدث في التسعينيات بين آبل و مايكرسوفت، فشلت الأولى فسيطرت الثانية ثم عادت الأولى بتوجيه سيولتها نحو إبداع جديد قاد إلى تجاوز أزمتها. و هذا ليس سهلا. فإنخفاض بسيط في سيولة شركة ما، يؤدي إلى تراجع الأسهم، نظرا لتخوف الشركاء من ضياع حصصهم بفعل تراجع السيولة الملحوظ. و بالطبع تتذكرون ماذا حدث في الخميس الأسود في الولاياتالمتحدةالأمريكية سنة 1929م، حيث انهارت بوصة وول ستريت بفعل سحب الشركاء أسهمهم من أسواق العقار، بفعل نبوءة كاذبة حول احتمال سقوط أسواق العقاء (فحققت النبوءة نفسها بنفسها). فالشركاء في حذر دائم، و المنافسة تجعلهم كأنهم في غابة. و طبعا كما يؤكد الماركسيون في انتقادهم للرأسمالية فإن الشركات لكي تتجاوز أزماتها، فإنها تلجأ لثلاث طرق خسيسة، ،فإما أنها تُطيل ساعات العمل و تُبقي الأجر كما هو، أو أنها تدع الساعات كما هي و تقوم بتخفيض الأجور، أما الطريقة الثالثة فهي تسريح عدد من العمال. و كلها تؤدي بدورها إلى إضرابات عمالية قد تُولٍّد أزمة إجتماعية كارثية، إن استمر العمال في فعاليتهم النقابية. هكذا إذن، تُثير المنافسة أوضاعا قاسية على الشركات، و اي خلل بسيط في سيولتها، أو عدم تدبيرها بترشيد حكيم، قد يؤدي لمشاكل كارثية. قد نعتبر الأمر يَصب لصالح نظرية الفوضى؛ رفرفة جناحي فراشة في طوكيو قد تُثير اعصارا في نيويورك، فالإقتصاد كالطقس الذي يمكن فقط توقعه بارتياب و يصعب التحكم فيه بإطلاق. و بفعل الذكاء الثاقب الذي كان يمتاز به ماركس، فقد توقع بأن نظام المنافسة الذي تفرضه الأسوق الحرة، سيُولِّد أزمات دورية يُسميها علماء الإقتصاد غالبا ب “حلقات الرخاء/الكساد”. الدول الرأسمالية تعترف بالأمر، و تحاول دائما ما أمكنها محاربة عدم السقوط في القاع إن جاء الكساء. سأخبركم بحقيقة يندر تداولها، الولاياتالمتحدة تفرض على مزارعي القمح في نطاقها، أن يقوموا بحرق محاصيلهم الكبيرة مقابل تعويضات، لكي لا تُؤدي الكمية الكبيرة من القمح داخل نظام المنافسة إلى تراجع الأسعار، الذي قد يؤدي إلى خسائر فادحة للإقتصاد القومي له. (هناك أيضا تدخل العَم سَام في كمية المنتوجات داخل بعض البلدان، مثلا يُفرض على كوريا الجنوبية بأن تتخلص من كميات كبيرة من أرُزِّها). كل هذا يتجه لنقطة مهمة، و هو أن النظام الرأسمالي يتأسس على المنافسة و في نفس الوقت يخشاها حتى لا تقضي عليه (لكي لا تتحقق نبوءة ماركس المتعلقة بحفر القبر الذاتي). و فعلا فأي خلل بسيط في توزيع المنتوجات أو تعرضها لتهديد بمقاطعة أو حدوث تقلبات غير متوقعة في السوق، أو حتى حدوث فراغ في الإشهارات، سيؤدي لخسائر فادحة. لهذا لا تستهينوا أبدا بمقاطعة ذات بعد إقتصادي. جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة