قد يبدو التمييز بين مستوى الطلبة داخل الجامعة المغربية من حيث نقطهم، أمرا سهلا وعاديا ولا لبس فيه، لكن بالنظر إلى ما وراء هذه النقط وما يحدث قبلها وبعدها، وعندما يطرح مستوى تكوين الطالب/الطالبة داخل الجامعة، فإن الأمر يدعونا إلى تثوير جملة من الأسئلة والتي قد تجد مبرارتها كلما لاحت النتائج في الأفق، فبأي معنى تصبح النقط المحصل عليها معيارا لمستوى الطلبة؟ ألا يؤدي هذا التحديد إلى القصور في النظر للطلبة وإقصائهم؟ ماذا عن علاقة الطلبة بالأساتذة داخل وخارج المدرجات؟ وهل يمكن القول بأن التميز والتفوق هو حليف استراتيجي فقط للذين لهم علاقة جيدة مع الأساتذة؟ وكيف يمكن تفسير حصول بعض الطلبة على نقط عالية الكعب رغم غيابهم عن الحصص الدراسية؟ وهل يمكن إشراك الطالب/الطالبة في تفسير هذه المعادلة المعقدة؟ وهل تستطيع منظومتنا التعليمية أن تفسر لنا لغز هذا الواقع المكفهر والمشفق من حاله الذي وصل إليه طلبتنا ؟ يتعين علينا جميعا أن ننصت إلى هذه الأسئلة البريئة، ونحاول مقاربتها بالنظر إلى الواقع الجامعي باعتباره نسق تربوي مترامي الأطراف، ففي الوقت الذي ينتقل فيه الطالب من المرحلة الثانوية إلى المرحلة الجامعية، المفروض أن تنتهي عملية التلقين والشحذ والشحن، والانتقال إلى مرحلة البحث والتنقيب والاستشكال والنقد والنقاش والسجال الفكري الذي ما ألذه عندما يكون بين الأستاذ وطلبته أو بين الطلبة أنفسهم، إلا أنه لابد من الاعتراف بأن ما وصل إليه مستوى الطلبة ومستوى الأساتذة أيضا من ضآلة فكرية وخمول منهجي كفيل بالقول بأن منظومتنا التعليمية مع كامل الأسف تعاني من أمراض فتاكة بالدرجة الأولى، لأنه تقتل الفكر والإبداع، أي نعم رسوب الطلبة وضعف مستواهم الدراسي قد تم في هذا الأفق الممتلئ بالتناقضات، بيد أنه هو السائد في أيامنا هذه، ذلك أن الطلبة كلما أعلن عن نتائج دورة من السنة الدراسية كلما أصيبوا بدهشة كبيرة وفجأة رهيبة تجعلهم يتساءلون ما سلكهم في الاستدراكية، ولماذا حصلوا على (أرقام الهواتف) والتي تتراوح في الغالب الأعم بين 0 و9 في أحسن الأحوال، أو قد يسجل الطالب/الطالبة في لائحة الغائبين رغم حضوره أثناء الامتحان. هكذا نجد الطلبة يعيشون تجربة يمكن وصفها بالصعبة والأليمة، صعبة لأن الطالب/الطالبة يصعب أن يقنع الأستاذ بأنه في المستوى المطلوب، وأليمة لأنه ينظر إلى طلبة أقل منه مستوى لكنهم تمكنوا من التسامي عليه بوسائل أكثر جدية، فهم يلجئون إلى التملق ولعق الأحذية والأكتاف رغبة في الحصول على النقطة الموجب للنجاح والتفوق، وما أكثر الأساتذة الذين يحبون الطالب تلك تصرفاته، لأن المستوى التكويني لم يعد يهم الأستاذ، بل ما يهمه هو التقرب منه وحمل حقائبه حتى السيارة التي يركبها وإرجاع بضاعته التي أعطاه إياها يوم الامتحان. ولا أتحدث هنا عن عموم الطلبة بل بعض منهم الذين يجيدون لغة التملق ويحرصون على ملازمة الأستاذ داخل وخارج المدرجات. وتجدر الإشارة أن هناك طلبة في المستوى المطلوب مجدون في دراستهم فمسارهم مسار حافل بالجد والمثابرة ونكران الذات في سبيل تحقيق الهدف المنشود الذي لا يتأتى لجالية الطلبة المقيمة في الفايس بوك والوتساب وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي وهم يتنقلون من موقع لآخر بحثا عن ذاتهم المفقودة في زمن ضياع المعنى. وفي هذا الصدد لابد من الإشارة إلى دور الطالب الذي أصبح خامدا، فالطالب لم يعد طالبا، وبإمكاننا أن نرصد وضعية الطالب/الطالبة الكارثية بمجرد الدخول أو الاقتراب من الجامعة أو الكلية، فحديث الطالب أو الطالبة أكاد أجزم بأنه حديث يفتقر للثقافة ومنتج للتفاهة، فهل يمكن تصور طالب/طالبة يدخل إلى الكلية وهو يحمل في يده دفترا وأقلاما داخل جيبه، والهاتف مملوء بصبيب النت مخاصما الكتب؟ وما أكثر الطلبة من هذا القبيل مع كامل الأسف، الذين فقدوا وهجهم العلمي عبر هجراتهم الأثيرية، وإذا حاولنا المقارنة بين مستوى الطلبة في الثمانينات والتسعينات ومستواهم في الفترة الراهنة فسنجد أن هناك بون شاسع في مستوى التكوين، وأعتقد أن السبب في ذلك راجع بالأساس إلى فساد المنظومة التعليمية ابتداء وما هذه الأخيرة سوى جزء من الفساد الأكبر للنظام السياسي المغربي، الذي اعتمد على إصلاحات متوالية للنظام التعليمي، إلا أن الوضع لازال هو هو، بالإضافة إلى ذلك هناك مسؤولية تلقى على عاتق الأسرة والتي استحالة إلى مؤسسة بيولوجية تختص في المأكل والمشرب والملبس، بعيد عن مسؤوليتها العظمى في مراقبة أبنائها داخل وخارج المدارس والجامعات، فضلا عن مسؤولية الطالب أو التلميذ الذي أصبح منمط الشخصية مسلوب الذات ملقى في أتون التيه والضياع والهدر الفكري المتواصل فلا هو قادر على مواصلة مشواره الدراسي ولا هو قادر على تحمل النقط الهزيلة. وفي خضم “النقط الكارثية” التي تجتاح الطلبة، ليس أمام الطالب سوى تجرع هذه الحقيقة المرة، إنها حقيقة الفضاء الجامعي وما يعتمل فيه من هزات واضطرابات وتقلبات وألغاز يستعصي عليه فهمها وحلها، وبعد هذا المار ذكره أقول بأننا في حاجة إلى نظام سياسي يجعل التعليم أولى اهتمامه، وبالتالي صلاح المنظومة التعليمية التي ستنجب لنا أستاذا بالمعنى الحقيقي للكلمة، وطالبا وتلميذا من الطراز الرفيع، وهذا يتطلب فتح نقاش جاد وصريح بين صناع القرار وكل مكونات المجتمع من أجل إنقاذ الجامعة المغربية من براثين الفساد الذي أصابها، فهل بإمكاننا أن نتمتع يوما بهذا الأمل الواعد كغيرنا من الدول المتقدمة؟ أم أننا سنظل ننتظر الانتظار؟ * طالب باحث بماستر سوسيولوجيا المجالات القروية والتنمية