أضحت سرق البحوث الجامعية ظاهرة مثيرة للانتباه في جامعاتنا المغربية، مع اعتماد أعداد كبيرة من الطلبة على الانترنيت في تقديم بحوثهم الجامعية، مما زاد في استفحال الظاهرة، وجعل معها عددا من المهتمين والمتخصصين يدقون ناقوس الخطر، نظرا لانعكاساتها السلبية المباشرة على الجامعات ومراكز البحث العلمي، بحيث اصبحت هذه الظاهرة تسيء إلى نبل الرسالة العلمية، وتعمق أزمة الجامعة المغربية. وقد غدا الآمر طبيعيا عند اغلب طلبة الجامعات المغربية، بل أصبح يحظى بالقبول حتى من طرف الأساتذة المشرفين على البحوث، وضاعت وظيفة البحث العلمي التي من اجلها أنشئت الجامعات بين ثنايا السعي وراء تحصيل "النقاط" وتمرير "اللوحات الدراسية". ورغم عدم وجود دراسة واضحة تبيين الحجم الحقيقي لانتشار الظاهرة، فان أساتذة جامعيين تحدثوا عن أن أكثر من نصف الطلبة يمارسون هذا الفعل الذي يعاقب عليه القانون بوصفه سرقة فكرية، دون أن يرفّ جفن لمرتكبيها في معقل البحث العلمي، ودون أن يتحرك احد لوقف هذا النزيف.
مراكز خدمات البحوث
تساهم مقاهي الانترنيت والمكاتب في استفحال هذه الظاهرة، سواء تعلق الأمر بنسخ ورقن البحوث المطبوعة، أو استخراج بحوث من الانترنيت، حيث لا يعدو الأمر عند هؤلاء أن يكون تجارة مربحة، ليس لها أي وجه معرفي أو أخلاقي.
يؤكد عامل مكتبة أن البحث الواحد يقدم لأكثر من طالب، ودون إحداث أي تغييرات أحيانا، "الأساتذة لا يقرؤون البحوث، ولا يمكن أن يتذكروا كل ما يمر بين أيديهم من مواضيع، ويكفي تغيير العناوين وبعض المحاور الأساسية حتى يظهر الموضوع مختلفا وكأنه بحث جديد.
ضعف الرقابة
في غياب لجنة مختصة بتتبع البحث العلمي، داخل الجامعات المغربية، يبقى الفضاء مفتوحا أمام الطلبة، الذين يمارسون سرقة البحوث العلمي،ة للتملص من أي متابعة قانونية آو أي عقوبات زجرية قد تحول دون استمرار هاته الظاهرة.
ويحكي احد الطلبة عن اكتشافه، بعد تقديمه للبحث الذي أخد عن احد مواقع الانترنيت، أن نفس البحث قد قدم من طرف طالب آخر، ويضيف "قلقنا بشدة انأ والطالب الأخر، وتوقعنا أن يتخذ الأستاذ إجراء في حقنا، لكننا فوجئنا في الأخير بان الأستاذ لم ينتبه إلى الأمر برمته" ويردف الطالب بابتسامة عريضة تعلو محياه "الغريب أنني حصلت على معدل اعلى من معدل الطالب الآخر رغم أننا لم نغير شيئا في البحث".
الأساتذة لصوص
اغلب البحوث المقدمة من طرف الطلبة ليست إلا الجزء الظاهر من جبل الجليد، لإذ الصورة تصبح أكثر بشاعة عندما يكون صاحب هذا السلوك أستاذا جامعيا، اختار سلوك " اللصوصية " ليقف بين يدي الطلبة شارحا بحثه أو مؤلفه، والذي هو في الحقيقة عملية "بلاجيا" فاضحة للمادة العلمية لباحث آخر. ويرى أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في كلية الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن هذه الظاهرة وبالرغم من تزايد اقترافها بشكل كبير، لا زالت لم تحظ بالاهتمام المطلوب أو النقاش الكافي، فهي لا زالت بمثابة "طابو" وأضاف بأنه لا تخلو جامعة من مقترفي هذه السلوكات ، سواء تعلق الأمر ب "تأليف" وتقديم محاضرات، او مناقشة رسائل جامعية أو أطروحات منتحلة ، ساهمت في إنعاش الظاهرة .
الإفلاس العلمي
ويعزو ذات الاستاذ أسباب انتشار سرقة البحوث الجامعية، سواء من طرف الطلبة أو الأساتذة إلى "الإفلاس العلمي"، الذي يعاني منه هؤلاء، واعتبر هذه السلوكات تجسيدا لدونية مرتكبيها ومحترفي السرقات العلمية ممن يدعون المعرفة، وتعبير عن مستواهم الفكري الهزيل، وهي تنطوي أيضا على خطورة كبرى تطرح المسؤولية القانونية والأخلاقية، باعتبارها ترتكب من قبل "باحثين" و"أكاديميين" يفترض فيهم النبل وتقديم القدوة والنموذج للباحثين والطلبة في مجال الأمانة العلمية وأصول البحث العلمي.
نتائج كارثية
ا تقتصر تداعيات سرقة البحوث الجامعية، فقط على الباحثين الأصليين، فسمعة الجامعة المغربية كلها على المحك، في ظل ضعف الإنتاج العلمي للكليات والمعاهد المغربية، وغياب هاته المؤسسات عن تصنيف ال 500 مؤسسة جامعية الأولى على مستوى العالم .
ويقول الاستاذ نفسه أن غياب أو قصور حماية الحقوق المرتبطة بالملكية الفكرية، تترتب عنه نتائج وخيمة بالنسبة للضحية من حيث حرمانه من حقوقه المشروعة، وإحباط وقتل مواهبه في مجالات البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني، وكذا بالنسبة إلى الدولة والمجتمع برمتهما .
من جانبه اعتبر استاذ آخر أن البرنامج الاستعجالي قد اثبت فشله في معالجة الاختلالات التي تعيشها الجامعة المغربية، بدليل الخطاب الرسمي والواقع ومؤشرات الانجاز والإخراج التي تنتجها المنظومة التعليمية، والتي يعتبر الإنتاج العلمي للطلبة والأساتذة احد أهم مؤشراته، وأثبتت مناهج "الإصلاح" المعتمدة فشلها المرة تلو المرة.
الفضيحة هي الحل
أمام تحول السرقات الى ظاهرة واسعة الانتشار، يصعب معها تتبع "لصوص المعرفة" أو متابعتهم قضائيا، يرى البعض أن فضح سلوك مقترفي السرقات العلمية يكتسي أهمية وضرورة قصوى بالنظر الى فعاليته ونجاعته في صد وردع هذه الممارسات. كما أن هناك ضرورة للعمل على فضح هذه السلوكات إذا ثبت حدوثها بالفعل، والترويج لها على نطاق واسع في أوساط الباحثين والجامعات، وعبر مختلف المنابر الإعلامية المكتوبة والمرئية والمسموعة... بالشكل الذي سيحرج حتما مرتكبي هذه الأفعال ويمنعهم من تكرارها، ويردع من يفكر في الإقدام عليها.
وبموازاة مع هذا الفضح يجب اللجوء إلى القضاء، إذ أن اللجوء إلى هذا الأخير ضروري في جميع الأحوال، مع الترويج لهذا السلوك في حالة التأكد من وقوعه، بل ينبغي أيضا الترويج للقرارات القضائية التي تصدر في حق الجناة بهذا الصدد، وحتى تفي بوظيفتها وهدفها المطلوبين.