"الذكاء الاصطناعي" يرشد الفلاحين بالدارجة في المعرض الدولي بمكناس    قصف ليلي يخلف 9 قتلى في كييف    إيواء شاب يعاني نفسيا مستشفى انزكان بعد احتجاج عائلته على عدم قبوله    برادة يحوّل التكريم إلى "ورقة ترافعية" لصالح المغاربة و"اتحاد الكتاب"    السبتي: العنف الهستيري ضد غزة يذكّر بإبادة الهنود الحمر و"الأبارتايد"    طنجة.. مصنع كبير "يطمع" في الرصيف ويشوّه وجه المدينة! (صور)    الحبس النافذ لرجلي أمن ببنجرير    مشاركة OCP في "سيام".. ترسيخٌ للعنصر البشري في التحول الفلاحي    منتوج غريب يتسبب في تسمم 11 طفلا باشتوكة    ريال مدريد يقلص الفارق مع برشلونة    بمشاركة واسعة للطلبة.. عميد كلية العلوم بتطوان يترأس فعاليات توعوية بمناسبة اليوم العالمي للأرض    حموشي يستقبل مسؤول الاستعلامات ووفد أمني عن الحرس المدني الإسباني    موتسيبي: نجاح كرة القدم في المغرب يجسد القيادة المتبصرة للملك محمد السادس    61 مقعد ل"الأحرار" بالانتخابات الجزئية    بوعياش تدعو إلى صياغة مشروع قانون المسطرة الجنائية ببعد حقوقي    وزير الزراعة الفلسطيني يشيد بالدعم المتواصل لوكالة بيت مال القدس الشريف للمزارعين المقدسيين    بنعلي تعلن عن إنشاء أول محطة لاستقبال الغاز الطبيعي المسال بالناظور على خلفية ارتفاع لافت للاستثمار في الطاقات المتجددة    وزراء أفارقة يتفقون بمكناس على خطة زراعية ودعم تفاوضي موحّد للقارة    خبراء ينادون بتدريس التنشيط الرياضي    الأردن يتهم "الإخوان" بتصنيع الأسلحة    مقاضاة الدولة وأزمة سيادة القانون: الواقع وال0فاق    شباب الريف الحسيمي يراهن على جماهيره في مواجهة وداد صفرو    سابقة قضائية.. محكمة النقض تنتصر لشابة تعاني اضطرابات عقلية أنجبت طفلا من شخص بالحسيمة    الحكم الذاتي والاستفتاء البعدي!    رئيس الحكومة يشرف على انطلاق جولة أبريل من الحوار الاجتماعي    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء إيجابي    وزراء الخارجية العرب يرحبون بانتخاب المغرب لرئاسة التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان    الابتكار في قطاع المياه في صلب نقاشات الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب    بالتعاون مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية.. نقل سيدة إيفوارية من الداخلة إلى مراكش عبر طائرة طبية بعد تدهور حالتها الصحية    في حضرة الوطن... حين يُشوه المعنى باسم القيم    الإتحاد الأوروبي يخاطر بإثارة غضب ترامب    بطلة مسلسل "سامحيني" تشكر الجمهور المغربي    الكتاب في يومه العالمي، بين عطر الورق وسرعة البكسل    "بي دي إس" تطالب بالتحقيق في شحنة بميناء طنجة المتوسط متجهة إلى إسرائيل    نادي "الكاك" يعتذر لجمهور القنيطرة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    زلزال بقوة 6.2 درجة يضرب إسطنبول    نادي مولودية وجدة يحفز اللاعبين    الرئيس الفلسطيني يطالب حماس بتسليم سلاحها للسلطة والتحول إلى حزب سياسي    وفاة الإعلامي الفني صبحي عطري    تراجع أسعار الذهب مع انحسار التوترات التجارية    "طنجة المتوسط" يؤكد دعم الصادرات في المعرض الدولي للفلاحة بمكناس    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    الحل في الفاكهة الصفراء.. دراسة توصي بالموز لمواجهة ارتفاع الضغط    أمريكا تتجه لحظر شامل للملونات الغذائية الاصطناعية بحلول 2026    هذه أغذية مفيدة لحركة الأمعاء في التخلص من الإمساك    المغرب يعزز منظومته الصحية للحفاظ على معدلات تغطية تلقيحية عالية    في الحاجة إلى مغربة دراسات الهجرة..    في جولة أبريل من الحوار الاجتماعي.. الاتحاد العام لمقاولات المغرب يؤكد على تجديد مدونة الشغل والتكوين    المنتخب المغربي للتايكواندو يشارك في كأس رئيس الاتحاد الدولي للتايكوندو بأديس أبابا    "الإيقاع المتسارع للتاريخ" يشغل أكاديمية المملكة المغربية في الدورة الخمسين    الغربة بين الواقع والوهم: تأملات فلسفية في رحلة الهجرة    صحيفة ماركا : فينيسيوس قد يتعرض لعقوبة قاسية (إيقاف لمدة عامين    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سرقة البحوث الجامعية.. جريمة بدون عقاب
الأساتذة لا يقرؤون البحوث والباحثون يستولون على جهود الآخرين وسمعة الجامعة المغربية أصبحت على المحك
نشر في المساء يوم 07 - 11 - 2012

أصبحت سرقة البحوث الجامعية ظاهرة مثيرة للانتباه في الجامعة المغربية، مع اعتماد أعداد كبيرة من الطلبة على الإنترنت والأرشيف في تقديم بحوثهم الجامعية،
في ظل غفلة من الأساتذة عن القيام بواجب الرقابة والتمحيص، بل إن بعض الأساتذة قاموا بدورهم بالاستيلاء على جهود الآخرين وتقديمها على شكل مؤلفات أو محاضرات، أو مقالات علمية في المجلات، ينسبونها لأنفسهم. وأمام استفحال الظاهرة، أصبح ناقوس الخطر يدق بقوة من طرف عدد من المهتمين والمتخصصين، نظرا لانعكاسه المباشر سلبا على الجامعات ومراكز البحوث، وعلى البحث العلمي بالمغرب عموما، مطالبين بوضع القانون موضع التنفيذ، وفضح ممارسي هذا الفعل الذي يسيء لنبل الرسالة العلمية، ويعمق أزمة الجامعة المغربية.
يحمل بحثه بين يديه فخورا بإعداده في وقت قياسي، ودون أن يبذل الكثير من الجهد، اللهم بعض سويعات البحث عبر شبكة الإنترنت، ودقائق في أرشيف مكتبة الكلية، قبل أن يهتدي إلى الطريقة التي يلجأ إليها المئات غيره من الطلبة المشرفين على تقديم البحوث الجامعية.
يظن أنه ليس عليه جُناح في ما اقترفت يداه من فعل السرقة الفكرية التي لا يريد حتى الاعتراف بكونها سرقة أصلا، فهو قد «بذل جهدا» في إعادة رقن جزء من بحث طالب مر من هنا قبل سنوات، وربما يكون سلفه قد قام بالعمل نفسه مع طالب سبقه، وهكذا دواليك. كما أن ما أنجزه من بحوث على شبكة الإنترنت ليس بالعمل الهين في نظره، وهاته «الجهود» تشفع له في وضع اسمه على صدر البحث المكون من 80 صفحة، وضميره مرتاح.
هو طالب اختار الطريقة السهلة لإنجاز بحث سيحصل بموجبه على شهادة الإجازة في القانون، ولا يبدو مهتما كثيرا لاحتمال أن تكون تلك الشهادة «شهادة زور»، ف«حتى الأساتذة لا يلقون بالا لهاته البحوث ولا يقرؤونها أصلا، هو مجرد إجراء روتيني يتوجب القيام به، ولولا أنه إجباري لما ضيعت فيه وقتي أصلا»، يقول بسخرية ممزوجة ببرودة دم.
الأمر أصبح طبيعيا عند أغلب طلبة الجامعات المغربية، بل أصبح يحظى بالقبول حتى من طرف الأساتذة المشرفين على البحوث، وضاعت وظيفة البحث العلمي التي من أجلها أنشئت الجامعات بين ثنايا السعي وراء تحصيل «النقاط»، وتمرير «الوحدات الدراسية»، ورغم عدم وجود دراسة واضحة تبين الحجم الحقيقي لانتشار الظاهرة، فإن أساتذة جامعيين تحدثوا عن أن أكثر من نصف الطلبة يمارسون هذا الفعل الذي يعاقب عليه القانون بوصفه سرقة فكرية، دون أن يرف جفن لمرتكبيها في معقل البحث العلمي، ودون أن يتحرك أحد لوقف النزيف.
مراكز خدمات البحوث
قريبا من مدخل إحدى كليات الحقوق، تفتح مكتبة أبوابها في وجه الطلبة، وتقدم خدماتها في بيع الكتب ونسخ الأوراق والخدمات المكتبية الأخرى، لكن ما يختفي وراء هذا النشاط الطبيعي هو «خدمة إعداد البحوث» التي تشرف عليها المكتبة من ألفها إلى يائها، ويكفي الطالب أن يقدم للمكتبي اسم البحث المطلوب، ثم يتكفل هذا الأخير بإعداده بكافة محاوره ومقدمته وخاتمته ومراجعه، ليسلمه للطالب واسمه يتصدر الصفحة الأولى.
عامل المكتبة يقول إن عشرات الطلبة يلجؤون إليهم طوال السنة لإعداد البحوث الصغيرة، ويزداد الطلب في فترة تقديم بحوث الإجازة، ويضيف «نحن نوفر لهم بحوثا في كافة المواضيع التي يريدونها، ونستطيع إنجاز العمل في وقت قياسي، بفضل ما يتوفر لدينا من أرشيف ورقي وإلكتروني».
ويؤكد المتحدث نفسه أن البحث الواحد يمكن أن يقدم لأكثر من طالب، ودون إحداث أي تغييرات أحيانا، «الأساتذة لا يقرؤون البحوث، ولا يمكن أن يتذكروا كل ما يمر بأيديهم من مواضيع، ويكفي تغيير العنوان وبعض عناوين المحاور الرئيسية حتى يظهر الموضوع وكأنه بحث جديد»، يضيف المكتبي وهو منشغل بتصفيف الأوراق الخارجة من الطابعة، ووضع «السبيرال» لها، في انتظار قدوم «صاحب البحث».
ولا يقتصر الأمر على المكتبة وحدها، فعبر تراب المملكة تنتشر أعداد كبيرة من مقاهي الإنترنت والمكتبات التي تساهم في هذا الفعل، وسواء تعلق الأمر بنسخ ورقن البحوث المطبوعة، أو استخراج بحوث من الإنترنت، فإن الأمر لا يعدو عند هؤلاء أن يكون تجارة مربحة، ليس لها أي وجه معرفي أو أخلاقي في نظرهم.
ضعف الرقابة
ومع تطور التقنيات الحديثة أصبح الأساتذة يطالبون طلبتهم بضرورة تسليم نسخة إلكترونية للبحث، بجوار النسخة الورقية، ويرجع السبب وراء ذلك إلى سهولة تتبع المادة المرقونة عبر شبكة الإنترنت، حيث يقوم الأستاذ بنسخ فقرة من البحث ووضعها في محرك البحث الشهير «غوغل»، من أجل التأكد من كونها مادة أصلية.
غير أن هاته التقنية التي يلجأ إليها قلة من الأساتذة، لم تعد تنطلي على «المحتالين»، فالفقرة التي تنقل لمحرك البحث في الغالب هي الفقرة الأولى، وهكذا يقوم الطلبة بتغيير هاته الفقرة أو إعادة صياغتها بشكل لا يسمح بتتبعها عبر الإنترنت، وحتى عندما يضبط الأستاذ بحثا منقولا يكتفي في الغالب بتوبيخ شفوي للطالب، أو تخفيض المعدل بعض الشيء، دون القيام بأي إجراءات أخرى.
وفي غياب لجنة مختصة بتتبع البحث العلمي داخل الجامعات المغربية، يبقى الفضاء مفتوحا أمام الطلبة الذين يمارسون سرقة البحوث العلمية، للتملص من أي متابعة قانونية أو أي عقوبات زجرية قد تحول دون استمرار هاته الظاهرة.
ويحكي أحد الطلبة عن اكتشافه، بعد تقديمه للبحث الذي أخذه عن أحد مواقع الإنترنت، أن نفس البحث قد قدم من طرف طالب آخر، ويضيف «قلقنا بشدة أنا والطالب الآخر، وتوقعنا أن يتخذ الأستاذ إجراء ما في حقنا، لكننا فوجئنا في الأخير بأن الأستاذ لم ينتبه إلى الأمر برمته». ويردف الطالب بابتسامة عريضة تعلو محياه، «الغريب أنني حصلت على معدل أعلى من معدل الطالب الآخر، رغم أننا لم نغير شيئا في البحث».
أساتذة .. لصوص
لكن البحوث المقدمة من طرف الطلبة ليست إلا الجزء الظاهر من جبل الجليد، فالصورة تصبح أكثر بشاعة عندما يكون صاحب هذا السلوك أستاذا جامعيا، اختار سلوك «اللصوصية»، ليقف بين يدي الطلبة شارحا بحثه أو مؤلفه، والذي هو في الحقيقة عملية «قص/لصق» للمادة العلمية لباحث غيره.
وكثيرا ما يُفاجأ أساتذة باحثون بمقالات وأبحاث أنجزوها، وقد نُشرت على صفحات مجلات متخصصة، بأسماء باحثين آخرين لم يخجلوا من السطو على مجهودات غيرهم، كما حصل مع الدكتور إدريس لكريني، الذي فوجئ ببحث أنجزه في موضوع الإرهاب تحت عنوان «الديمقراطية الأمريكية لمكافحة الإرهاب»، وسبق نشره في مجلة «شؤون عربية»، ليجده منشورا باسم أستاذ جامعي سوري، في مجلة «المناضل» التي يصدرها حزب البعث هناك، وقد قدمه تحت عنوان «رؤية حول الإرهاب الداخلي والإرهاب الدولي».
ورغم أن الأستاذ الجامعي السوري اعترف في ما بعد بفعلته، وقدم اعتذارا مكتوبا عن ذلك، وفق ما تبينه الوثيقة المرفقة، فإنه حاول التملص من عملية السرقة، وسعى إلى إضفاء طابع «سوء التفاهم» على سرقة مثبتة بالأدلة القاطعة. كما تعرض لكريني نفسه لسرقات أخرى.
ويرى لكريني، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في كلية الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن هذه الظاهرة وبالرغم من تزايد اقترافها بشكل كبير، لا زالت لم تحظ بالاهتمام المطلوب أو النقاش الكافي، فهي لا زالت بمثابة «طابو». وأضاف بأنه لا تخلو جامعة من مقترفي هذه السلوكات؛ سواء تعلق الأمر ب«تأليف» وتقديم محاضرات، أو مناقشة رسائل جامعية وأطروحات منتحلة؛ حيث أسهمت التطورات التقنية في إنعاش الظاهرة.
الإفلاس العلمي
ويعزو لكريني أسباب انتشار سرقة البحوث الجامعية، سواء من طرف الطلبة أو الأساتذة إلى «الإفلاس العلمي والفكري» الذي يعاني منه هؤلاء، واعتبر هذه السلوكات «تجسيدا لدونية مرتكبيها ومحترفي السرقات العلمية ممن يدّعون المعرفة، وتعبّر عن مستواهم الفكري الهزيل، وهي تنطوي أيضا على خطورة كبرى تطرح المسؤولية القانونية والأخلاقية، باعتبارها ترتكب من قبل «باحثين» و«أكاديميين» يفترض فيهم النبل وتقديم القدوة والنموذج للباحثين والطلبة في مجال الأمانة العلمية وأصول البحث العلمي».
بدوره اعتبر محمد لبراهمي، رئيس منظمة التجديد الطلابي، السرقة العلمية تجليا من تجليات الأزمة التي تعرفها المنظومة التعليمية، ووصفها بأنها نتاج لمنهج مستمر في عملية التكوين والتأهيل، التي يخضع لها المتعلم في سنوات التكوين الابتدائي والإعدادي والثانوي، والطالب في التعليم العالي، «حيث يتربى المتعلم والطالب على التلقين والحشو، وتُغَيب ملكاته الفكرية والتأملية والإبداعية، كما أنه نتاج للتطور الحاصل على مستوى التقنيات الحديثة، حيث سهلت على الطالب والمتعلم إمكانية الوصول إلى المعلومة بأسهل الطرق، والاقتباس دون قيد أخلاقي رادع لمثل هذا السلوك الكسول المتنافي مع قيم الإبداع والاجتهاد».
ولم يستبعد لبراهمي مسؤولية الأسر في هذا الباب، «حيث الدعم المباشر وغير المباشر للأبناء في طريقة التحضير للدروس والمواد العلمية من خلال الاعتماد الكامل على الشبكة العنكبوتية، التي تربي بالطبع الطالب والمتعلم في المستقبل على الكسل وعدم القدرة على التعامل مع المصادر والمراجع العلمية من الكتب في المكتبات وخزانات المدارس والكليات».
وأشار لبراهمي إلى الثقافة العامة السائدة في المجتمع الذي يعتبر مصدر العديد من القيم للطلبة والمتعلمين، والذي تسود فيه قيم السرقة في مختلف المجالات، وهو ما ينعكس على سلوك المتعلم عامة، حيث « ينطبع بهذه القيمة المنافية لدور الطالب والمتعلم في الحياة» وفق تعبيره.
قوانين ردع متجاوزة
وأمام انتشار الظاهرة يقف القانون عاجزا عن حماية الإنتاج الفكري، والجامعي منه على الخصوص، بعدما سهلت التكنولوجيا الحديثة عمليات القرصنة. ويرى الدكتور لكريني أن جمود القوانين وعدم مسايرتها لتطور وسائل هذه القرصنة المعتمِدة على تطور التكنولوجيا الحديثة، إضافة إلى وضعية القضاء وما يحيط به من مشكلات مرتبطة بعدم الصرامة في فرض احترام القوانين، أو اقتصار العقوبات على بعض الغرامات المالية، كل ذلك يفرغ هذه الضوابط والقوانين من كل فعالية، الأمر الذي لا يشجع العديد من ضحايا القرصنة على اللجوء إلى القضاء.
في مقابل ذلك يعتبر لكريني أن الهيئات الجامعية المختصة يفترض أن تقوم بصدّ هذه الظاهرة بحزم وصرامة كلما تم ضبطها، سواء عبر التوقيف عن العمل أو الدراسة، أو المنع من النشر أو المشاركة في المؤتمرات، أو منع مناقشة الرسائل والأطروحات المعنية بهذه الممارسات.
بينما يرى رئيس منظمة التجديد الطلابي أن الظاهرة ليست جزئية، وأن أسبابها متعددة ومركبة، وعلاجها يحتاج لتدخل مختلف الفاعلين في حقل التربية والتعليم، واعتماد مقاربات متعددة، من التربية والتوجيه، إلى إعادة النظر في المناهج والمضامين، وصولا إلى الزجر والعقوبة.
ويؤكد لبراهمي أن منظمته، باعتبارها فاعلا في الوسط الجامعي، لم تتوان في دعم قيمة الاجتهاد والحث عليها كمدخل أساس ومهم للحد من العديد من القيم المنافية لقيمة طلب العلم، «فهي تطلق حملة وطنية سنوية في مختلف فروعها بالجامعة ومؤسساتها المختلفة حول الحد من ظاهرة الغش في الامتحانات، والتي يعتبر إعداد البحوث الختامية وغيرها جزءا منها.
نتائج كارثية
تداعيات سرقة البحوث الجامعية لا تقتصر فقط على الباحثين الأصليين، فسمعة الجامعة المغربية كلها على المحك، في ظل ضعف الإنتاج العلمي للكليات والمعاهد المغربية، وغياب هاته المؤسسات عن تصنيف 500 مؤسسة جامعية الأولى على مستوى العالم.
وينعكس هذا الأمر بشكل جلي في مراكز البحوث المغربية، حيث يصعب على هاته الأخيرة إيجاد خريجين أكفاء، قادرين على إعطاء الإضافة العلمية المطلوبة لمجال تخصصهم، ولمراكز البحوث التي ينخرطون فيها.
وفي هذا الشأن يقول الدكتور لكريني إن غياب أو قصور حماية الحقوق المرتبطة بالملكية الفكرية، تترتب عنه نتائج وخيمة بالنسبة للضحية من حيث حرمانه من حقوقه المشروعة، وإحباطه وقتل مواهبه في مجالات البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني، وكذا بالنسبة إلى الدولة والمجتمع برمتهما، من حيث عرقلة مسيرة التنمية والتطور، ناهيك عن الانعكاسات السلبية على مستوى التنسيق والتعاون الدوليين في مختلف المجالات والقطاعات الثقافية والصناعية والتقنية. وبالإضافة إلى الأضرار المادية والمعنوية التي تلحقها هذه الظاهرة بالمؤسسات الجامعية، فإنها تعرقل تطور تأليف ونشر وتوزيع الكتب والمجلات.
ويضيف لكريني بمرارة الخبير بهاته الظاهرة «إن الألم الذي يسببّه محترفو السرقات العلمية لضحاياهم من المفكرين والباحثين، يتجاوز بقسوته الوصف، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بنقل حرفي لرسائل جامعية جزئيا أو كليا، يتم الحصول بموجبها على شهادات عليا «مزيفة»، تؤهلهم لولوج عالم التدريس بالجامعة أو بمؤسسات تعليمية أخرى، أو على رأس مهمات إدارية هامة في الدولة.
والسؤال الذي يظلّ مطروحا في مثل هذه الحالات: كيف يمكن لمتورط في هذه الممارسات أن يتحمل مسؤولية تربية وتعليم النشء وتلقينه مبادئ وقيم البحث العلمي ومناهجه؟ وكيف نستأمنه على مؤسسات حيوية بالمجتمع والدولة؟ يتساءل لكريني.
من جانبه اعتبر محمد لبراهمي أن البرنامج الاستعجالي قد أثبت فشله في معالجة الاختلالات التي تعيشها الجامعة المغربية، بدليل الخطاب الرسمي والواقع ومؤشرات الإنجاز والإخراج التي تنتجها المنظومة التعليمية، والتي يعتبر الإنتاج العلمي للطلبة والأساتذة أحد أهم مؤشراته، وأثبتت مناهج «الإصلاح» المعتمدة فشلها المرة تلو المرة.
وأكد المسؤول الطلابي أن الثبات على نفس النهج في مقاربة المسألة التعليمية يؤكد استمرار التراجع في الإنتاج العلمي للأساتذة والطلبة على حد سواء، ومنه فإن الرهان على مستقبل علمي مشرف للجامعة المغربية، رهين بالمقاربة السليمة لموضوع التعليم، من حيث التشخيص والتقويم والتخطيط والإنجاز، الذي يرقى بالجامعة والمغرب إلى مصاف البلدان المتقدمة علميا، وهو ما سينعكس بالطبع، حسب المتحدث نفسه، على واقع المغرب في مختلف مجالاته العلمية والاقتصادية والاجتماعية.
الفضيحة هي الحل
وأمام تحول السرقات العلمية إلى ظاهرة واسعة الانتشار، يصعب معها تتبع «لصوص المعرفة»، أو متابعتهم قضائيا، يرى الدكتور لكريني أن فضح سلوك مقترفي السرقات العلمية يكتسي أهمية وضرورة قصوى، بالنظر إلى فعاليته ونجاعته في صد وردع هذه الممارسات. وأردف لكريني أن هناك ضرورة للعمل على فضح هذه السلوكات إذا ثبت حدوثها بالفعل، والترويج لها على نطاق واسع في أوساط الباحثين والجامعات، وعبر مختلف المنابر الإعلامية المكتوبة والمرئية والمسموعة، بالإضافة إلى المواقع الإلكترونية، بالشكل الذي سيحرج حتما مرتكبي هذه الأفعال ويمنعهم من تكرارها، ويردع كل من يفكر في اقتراف هذا السلوك المشين مستقبلا.
ويرى أستاذ العلوم السياسية أن «اللجوء إلى تقنية الفضح يجد مبرراته في كون عدد كبير ممن يتعرضون لهذه السرقات يمتنعون عن اللجوء إلى القضاء، لقناعتهم بعدم فعاليته ونجاعته في ردع هذه الأعمال، أو لاعتبارهم أن المسألة أضحت عادية ومعهودة ولا تستدعي اهتماما كبيرا». كما أن الحكم القضائي إذا ما صدر في هذا الصدد، وعلاوة عن كونه غالبا ما يقتصر في مضمونه على تعويض الضحية دون اتخاذ إجراءات تأديبية تمنع الجناة من مزاولة مهام البحث والتعليم بشكل نهائي أو لفترات محددة، أو من المشاركة في الندوات واللقاءات أو في المؤسسات العلمية، يظل في الغالب محدود الإشعاع، بحيث يقتصر العلم بمضمونه في كثير من الأحيان على الجاني والضحية والقاضي.
ويشدد المتحدث نفسه على أن الفضح من هذا المنطلق لا يعني الامتناع عن اللجوء إلى القضاء، فاللجوء إلى هذا الأخير ضروري في جميع الأحوال، مع الترويج لهذا السلوك في حالة التأكد من وقوعه، «بل ينبغي أيضا الترويج للقرارات القضائية التي تصدر في حق الجناة بهذا الصدد، حتى تفي بوظيفتها وهدفها المطلوبين» يضيف لكريني.



خطوات من أجل النهوض
ولا يزال قطاع البحث العلمي في الجامعات المغربية، ومراكز الأبحاث والدراسات، في حاجة إلى تضافر جهود مختلف الفاعلين المعنيين بالقطاع، من أجل تحقيق النهوض المطلوب، وعلى رأسهم وزارة التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، ومختلف الجامعات المغربية، وكذا مراكز الأبحاث والدراسات والمجموعات البحثية المختلفة.
ويؤكد باحثون على الدور الذي من المفترض أن تلعبه وسائل الإعلام في الدفع بالبحث العلمي في المغرب، في ظل ما يصفونه بالتقصير الكبير من قبلها في رصد أخبار الجامعة والبحث العلمي بالمغرب. كما يطالب هؤلاء بضرورة وجود إصدارات متخصصة في تقديم الأبحاث والدراسات الجامعية، من أجل تشجيع الطلبة على الإبداع والاجتهاد.
وتبدو الجامعة المغربية في حاجة إلى ترسيخ قيم احترام الملكية الفكرية والإنتاج الأدبي والعلمي، من خلال وضع حد للتساهل معها، وإطلاق حملات تحذر من مغبة اقتراف هذا الفعل المشين. كما يطالب البعض بضرورة إحداث هيئة مستقلة تتابع الإنتاج العلمي بالمغرب، وتسعى لإبرازه ومحاربة الظواهر السلبية المتعلقة به، وعلى رأسها سرقة البحوث الجامعية.




عبد الصمد الصالح


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.