نصت المادة التاسعة من مشروع قانون المالية رقم 70-19 لسنة 2020 على مقتضيات مخالفة لروح دستور 2011،حيث عمدت إلى منع إجراء أي حجوزات على أموال وممتلكات الدولة لتنفيد الأحكام الإدارية الصادرة ضدها من قبل الأشخاص الطبيعيين والمعنويين بقولها :”يتعين على الدائنين الحاملين لسندات أو أحكام قضائية تنفيذية نهائية ضد الدولة ألا يطالبوا بالأداء إلا أمام مصالح الآمر بالصرف للإدارة العمومية. في حالة صدور قرار قضائي نهائي اكتسب قوة الشيء المقضي به يدين الدولة بأداء مبلغ معين،يتعين على الآمر بالصرف بصرفه داخل أجل 60 يوما ابتداء من تاريخ تبليغ القرار القضائي السالف ذكره في حدود الاعتمادات المالية المفتوحة بالميزانية . يتعين على اللآمرين بالصرف إدراج الاعتمادات اللازمة لتنفيذ الأحكام القضائية في حدود الإمكانيات المتاحة بميزانيتهم،وإذا أدرجت النفقة في إعتمادات تبين أنها غير كافية،يتم عندئذ تنفيذ الحكم القضائي بصرف المبلغ المعين في حدود الاعتمادات المتوفرة بالميزانية،على أن يقوم الآمر بالصرف باتخاذ كل التدابير الضرورية لتوفير الاعتمادات اللازمة لأداء المبلغ المتبقي في ميزانية السنوات اللاحقة. غير أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخضع أموال وممتلكات الدولة للحجز لهذه الغاية “. إن المادة التاسعة أعلاه مخالفة لمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل السادس من الدستور الذي يؤكد على مبدأ المساواة بين الأشخاص الذاتيين والاعتباريين وكذا السلطات العمومية في الامتثال للقانون بقولها: “القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة والجميع، أشخاصا ذاتيين واعتباريين،بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له”. نجدها مخالفة أيضا لمقتضيات المادة 118 من الدستور الذي يضمن حق التقاضي للأشخاص في مواجهة كل الأطراف بما فيها الدولة بغية الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم التي يحميها القانون باعتباره أسمى تعبير عن إرادة الأمة،حيث أكدت على أن : ” حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون”. ترى كيف يمكن تمرير المادة التاسعة ضمن مشروع قانون مالية 2020 رغم تعارضها البين مع مقتضيات المادة 126 من الدستور المغربي الذي يستوجب على الجميع احترام الأحكام الصادرة على القضاء وعلى السلطات العمومية أن تقدم العون في السهر على تنفيذها بقولها: ” يجب على الجميع احترام الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء. يجب على السلطات العمومية تقديم المساعدة اللازمة أثناء المحاكمة، إذا صدر الأمر إليها بذلك، ويجب عليها المساعدة على تنفيذ الأحكام”. إن مخالفة المادة 9 من مشروع قانون مالية 2020 للعديد من مبادئ ونصوص الدستور المغربي يفرض على المحكمة الدستورية النظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون، الذي سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور حسب الاختصاص الموكول لها بمقتضى الفصل 133 من ذات الدستور. و أنه تبعا لذلك “لا يمكن إصدار الأمر بتنفيذ مقتضى تم التصريح بعدم دستوريته على أساس الفصل 132 من هذا الدستور، ولا تطبيقه، وينسخ كل مقتضى تم التصريح بعدم دستوريته على أساس الفصل 133 من الدستور،ابتداء من التاريخ الذي حددته المحكمة الدستورية في قرارها”(الفصل 134 من الدستور). ينبغي على رجال القانون من قضاة ومحامون، والخبراء الدستوريون والنشطاء الحقوقيون والفضلاء من نواب الأمة أن يتحملوا مسؤولياتهم في الدفاع من أجل عدم تمرير هاته المادة المخالفة لروح الدستور كما قاموا به خلال محاولة دسها في قانون مالية 2018 فأسقطوها رغما عن إرادة من يريد الإساءة إلى مبدأ قوة الشيئ المقضي به. * محام وباحث في القانون الدولي الإنساني