حولت الجماهير الرياضية المغربية والمغاربية عموما ملاعب كرة القدم إلى منابر سياسية تجهر فيها بمعارضتها للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية عبر هتافات و أهازيج تصدع بها خناجرها خلال المباريات، وقد لقيت هذه الظاهرة رواجا كبيرا بين الشباب. وتبرز الجماهير المغربية ذلك من خلال أهازيج لاذعة جدا تجلد بها ظهر مختلف النخب السياسية تعبر فيها عن عدم رضاها على طريقة تسيير شؤون البلاد كما تستعرض معاناة الشباب خصوصا وباقي فئات المجتمع عموما. إن المتمعن في مختلف الشعارات و الأهازيج التي تردد على مسامعنا في بعض المباريات الرياضية الخاصة بالفرق الوطنية، يلاحظ النضج الكبير الذي ارتقت إليه تلك الجماهير. ليس ذلك فقط بل حتى الالواح التعبيرية التي ترفع قبل بداية المباريات عبر تيفوهات محملة بكلمات وصور رائعة التي يتم تأليفها من طرف مجموعات تدعى “الالتراس” التابعة للأنديتها؛ حقا إنها إبداعات أشخاص موهبين و ذوي طاقات مختلفة. فمؤخرا أصبحت هذه الالتراس في منافسة شرسة في ما بينها من حيث التأليف، إذ نسمع مبين الفينة والاخرى أغاني هي حقيقة نتاج للواقع المزري الذي نعيشه اليوم؛ من جهة فقد سطع نجم جماهير فريق الوداد الرياضي في هذا المجال ومن أشهر الأهازيج تلك التي تحمل كلماتها ( قلب حزين) ضدا على الحكرة و التفاوت الطبقي الاقتصادي والاجتماعي والسياسي… وهذا الغريم التقليدي له الرجاء الرياضي يخرج بأغنية تنديدا على الفساد و سوء التسيير الحكومي الذي كرس من أزمة البلد؛ جسدته في أغنية رائعة ( في بلادي ظلموني ) هذه الاخيرة التي كان لها صدى واضح وكبير على مجموعة من الشرائح الاجتماعية خلال نضالاتهم كما هو الشأن للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد أو الأطباء أو باقي فئات المجتمع…. التفاني المتواصل في الابداع لم يكتف عند قطبي العاصمة الاقتصادية بل وصل صداه الى جل الفرق الوطنية؛ حيث خرج فريق البوغاز؛اتحاد طنجة بأغنية جديدة تلامس الواقع الاجتماعي الذي أصبحنا عليه اليوم، بين هذا وذاك أصبح الامر يطرح نفسه بإلحاح على الأخصائيين؛ علماء الاجتماع والباحثين منهم قصد إجراء دراسات متعددة لعلها تًنبشاجتماعيا و سيكولوجيا في الظاهرة، باعتبار الرقي و الوعي الذي وصلت له هذه الشريحة من الشباب ليس اعتباطيا، فالأمر ليس أغاني و شعارات تؤلف وتردد في المدرجات و تكتب في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي و تدون في والأزقة وأحيانا على واجهات المدارس والمنازل..؛ بل هناك حقا واقعا وظروفا اجتماعية واقتصادية مزرية و متأزمة يسعون بلغتهم الخاصة أن يصل صداها وتأثيرها للمسؤولين الذين يعلمون بها ويجهلونها في نفس الوقت، لكن عاجزين كل العجز في إيجاد حلولا لها. شخصيا أعتبر تغني جمهور كرة القدم بكلمات وأصوات منتقدة للأوضاع الاجتماعية و أحيانا السياسية مجرد فرجة وتسلية، وفي أحسن الاحوال نوعا من التنفيس وتغيير الأجواء بعد أسبوع شاق من تعب العمل… وقد أصبح لكل الاندية أغنية أو أغاني خاصة بها تقول كل شيء ولا تقول أي شيء، إن هيجان الملعب لا يتحول إلى حركة اجتماعية فاعلة من تلقاء نفسها، سيظل جزءا من اللعبة مالم يدخل طرف مُسيس على الخط. إن الوعي الذي يصنع في مختلف المباريات قد حل محل فشل النخب السياسية في تدبير العديد من الأزمات، تلك النخب التي تم الرهان عليها سابقا في الدفع بعجلة التنمية. إن هذا الواقع يعبر عن فشل السلطة في احتواء الشباب فالمقاربة السلطوية تعتمد على التفكير في تشغيل هؤلاء الشباب فقط، لكن هذا ليس كافيا، بل يجب التفكير بشكل أوسع من خلال بناء نوادي ثقافية ومساجد بعيدة عن الخطاب المتطرف، وكل هذا لحمايتهم من الاختراق الذي تمارسه الجماعات المتشددة.لكنكل ذلك هل يمكن المراهنة على الجماهير الرياضية عوض المثقفين والساسة في تغيير الواقع؟؟.وهل واكب هذا الوعي و النضج الرياضي في مسح معالم الصور القديمة التي لاحقت مبارياتنا من أعمال تخريبية ومختلف أنواع العنف والعنف المضاد سواء داخل أو خارج الملعب ( كسر للكراسي والرمي بالقاذورات تدمير الملك العام أعمال السرقة ….)، كلها أعمال الشغب التي شوهت من رياضتنا وجعلت منها تحتل مراتب يدنى لها الجبين ؟؟.