عندما تضع جملة: “الدين كمكون ضمن رأسمال اللامادي” في محرك البحث فلا تنتظر شيئا، وذلك لأن الدين كرأسمال لا مادي لا اعتبار له في صفوف المفكرين والمثقفين والإذاعات في بلادنا. ربما يحرج البعض أن يكون علامة مغربي من وزن العلامة الدكتور مصطفى بن حمزة سباقا في الحديث عن الدين كمكون ضمن رأسمال اللامادي، وهو الذي اعتبر بحق الصخرة العتيدة التي تنكسر عليها جميع أطروحات العلمانيين والملحدين وأعداء الدين في هذا الوطن.فبمجرد أن تحدث العاهل المغربي عن رأسمال اللامادي حتى انطلقت التحليلات والتعليقات وعمليات الحفر في استخراج هذا الرأسمال الجديد، فتحدث البعض عن الثقة بين الناس، والعلاقات الاجتماعية، والفنون، والمعرفة، وكل أشكال التعبير المنبعثة من الثقافة السائدة والمخزون الثراتي والتاريخي. ولكن لا أحد استطاع أن يسمي الأشياء بمسمياتها، لأن الدين الإسلامي في هذا الوطن هو صانع التاريخ وأصل كل قيمة وسلوك ومعرفة وهو الذي ضبط الثرات وقام بتنقيته حتى وصلنا مشرفا خاليا من الخرافة والدجل، وبالتالي صار هذا التاريخ وهذا الثرات صالحا ليعتبر ضمن الرأسمال اللامادي الذي يؤثر في إنتاجية المواطن والمجتمع وينعكس إيجابيا في كل ما يتعلق بالاقتصاد والتنمية. كنا نتوقع، والبلاد بلاد إسلامية، أن تعقد الندوات والمؤتمرات، ويدار النقاش على موائد الحوار والنقاش في الإذاعات والراديو، وتعمم المطويات التي تتحدث عن هذا المكون العظيم والأساس الذي به رفع المغرب رأسه وبنى شأنه ورسم طريقه نحو العالمية ففرض الاحترام على كل دول وحكومات العالم. إن هذا المكون هو الذي دفع بزعماء العالم إلى التقرب إلى ملوك المغرب عبر التاريخ لما كان عليه من هيبة وشوكة وغلبة. إن هذا المكون وحده من جعل دولة الأندلس تبهر العالم ولازالت بحضارتها وعلومها وصناعاتها المختلفة ومؤسساتها الصحية والتعليمية والعلمية والصناعية وحتى الفلاحية والمائية. فإذا كان المثقفون المغاربة يعتبرون الثرات والتاريخ أحد أهم مقومات الرأسمال اللامادي فليسألوا أنفسهم ما العامل الأهم الذي طبع هذا التاريخ بالإنتاجية والمعرفة والفكر والحضارة، وما الذي جعله تاريخا مهيبا مشرفا يفخر به المغاربة حيث ما حلوا وارتحلوا. إن الدين الإسلامي بطبيعته فاعل يصنع العلوم لحاجته إليها، فكي يبلغ المسلمون دينهم في الآفاق، كما أمروا، احتاجوا إلى علوم اللغة فأنشؤوا علم أصول اللغة ومفرداتها وضبط دلالة ألفاظها، وعلم التصريف، وعلم النحو، وعلم المعاني، وعلم البيان، وعلم البديع، وعلم العروض، وعلم القوافي، وعلم قوانين القراءة، وعلم قوانين الكتابة، وعلم إنشاء الرسائل والخطب، وعلم المناضرات والتواريخ…واحتاجوا كي يدافعوا عن دينهم أمام الفرق وأهل البدع فأسسوا علوم الحجاج والمناظرة والمنطق كعلم الكلام الذي جمع بين الفلسفة والتأويل ودراسة النصوص، وبما أن الدين تحدث عن الأقسام والميراث والزكاة والشركة أنشؤوا علوم الحساب، كما احتاجوا لضبط المواقيت فدرسوا علم الفلكلتحديد مواقيت العبادة، فضلا عن علوم أخرى كالطب لأن الله تعالى أنزل الداء وأنزل الدواء، وانتشروا في الأرض لأن القرآن الكريم أمرهم بذلك فقال: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) بحثا عن الآثار والسنن الكونية اللتي خضعت لها الأقوام والقرون،وخاضوا في البحار لأنالقرآن تحدث عن البحار وأشار إلى ما يستخرج منها من لؤلئ ومرجان وخيرات. إلى غير ذلك مما كان الدين هو الآمر والحافز لخوضه وتأسيس علوم على غراره. إن الدين الإسلامي، على مستوى الاقتصاد وتنمية الأموال، على سبيل المثال، فرض نسبة 2.5 في المائة على الأموال إذا بلغت النصاب وإذا مر عليها الحول، وهذا معناه أن الإنسان الذي لا يحرك أمواله سيكون في خسارة دائمة، ولذا فالزكاة في الإسلام تطارد الأموال وتعمل على تحريكها واستثمارها كي تنمو فينمو معها اقتصاد البلاد ويحدث الرواج في المجتمع مما يخلق مناصب شغل جديدة ويدعو إلى التنافسية الشريفة في جلب السلع والأرزاق وتقريبها من الناس. فهل بعد هذا سنحجم عن الحديث عن الدين ونحجم عن المزيد من تفعيله لكونه أهم رأسمال لامادي في هذا الوجود؟