الغرب أحسن أرض ولي دليل عليه البَدْرُ يُرْقَبُ مِنه والشمس تسعى إليه" ابن بطوطة تندرج الثقافة في التعريف الشمولي ضمن مجموع الإنتاجات البشرية في ميدان الفنون والمعرفة والسلوكات. استنادا إلى هذا التعريف، يمكن اعتبار كل إنسان مثقف لكونه كائن مجتمعي يتلقى بالضرورة تربية من خلالها يتواصل بلغة ما ويراعي منظومة قيم ومعتقدات. لكن الاستعمال الشائع لكلمة ثقافة، لا يمكنه أن يُنسينا بُعدها الانتربولوجي: فالإنسان كائن ثقافي بامتياز مَهما تكن درجة معرفته أو بدَائية سلوكاته وأفعاله. فالثقافة تحويل للمُعطى الطبيعي والفطري الخالص. لهذا وجب التمييز بين الثقافة والحالة الطبيعية، فالأولى تُفيد التنوع والتاريخ والتربية، في حين أن الثانية تدل على مَاهو مشترك بين الجميع بشكل فطري. فالتوالد على سبيل المثال فعل طبيعي لأنه ظاهرة بيولوجية مشتركة أما السلوك الجنسي فهو ثقافة لأنه مرتبط باستعمالات وتمثلات مؤطرة اجتماعيا. فالثقافة إذن ثروة مكتسبة خاضعة لشروط تاريخية واقتصادية وسياسية، بل هي الدعامة الأساسية لرأسمال المجتمع المادي واللامادي. في هذا السياق اندرج الخطاب الملكي الموجه إلى الدورة 69 للجمعية الأمميةالمتحدة، وقبلها الخطاب الذي قدمه جلالته في 30 يوليوز 2014 بمناسبة عيد العرش 15 كمرجعية أساسية لقياس الثروة الحقيقية للمغرب وخارطة طريق لوضع السياسات العامة، حيث يتمكن جميع المغاربة، أينما كانوا من الاستفادة من ثروات بلادهم، وعليه أصبحت منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو أول منظمة أممية تحيل في قراراتها على مفهوم الرأسمال اللامادي، لأن هذا الأخير، حسب بلاغ اليونسكو يعتبر مكونا أساسيا للتنمية البشرية، وأن التراث الثقافي غير المادي الذي يستند إلى التقاليد الثقافية للشعوب، يُمثل موردا هاما للتنمية المستدامة، وينبغي أخذه بنظر الاعتبار في أهداف التنمية لما بعد سنة 2015م. ويدعو القرار الذي تمَّ تبنيه بالتوافق، وبرعاية 40 دولة عضو بالمجلس التنفيذي من بين 58 على حث الدول الأعضاء إلى الاستمرار في دعم الثقافة ضمن أجندة التنمية لما بعد 2015م، باعتبارها مُسهلا ومُحركا للتنمية المستدامة. وقد عرفت الساحة الإعلامية والسياسية، بل "والشعبوية" في الأيام الأخيرة تداول مصطلح "الرأسمال اللامادي" باعتباره يدخل في التركيبة الثلاثية للثروة إلى جانب الجاه والحَسَب والنسب. وفي إطار الحديث عن الرأسمال لابد من تبسيط مكوناته، ذلك أن الرأسمال المادي يهُم كل ما هو قابل للقياس من أموال وعقارات، بينما الرأسمال اللامادي يَكْمن في الجانب المعنوي والفكري الغير القابل للقياس، كما يدخل ضمن هذا الإطار القيمة الإجمالية للفرد من خلال مردوديته في المجتمع. ورغم التحولات التي عرفها المغرب في العشر السنوات الأخيرة، إلا أن الحديث عن الرأسمال اللامادي كمؤشر لقياس الثروة في المغرب غير ذي جدوى، خصوصا إذا اعتبرنا أن مصدر هذا الأخير هو الوعي والإحساس بالمواطنة والانتماء إلى الثقافة المغربية الأصيلة المتنوعة والمنفتحة خصوصا مع التطور التكنولوجي الحاصل في العالم، فالمخيال المغربي، عموما، مازال مرتبطا بالمادة والسيولة. كيف إذن يمكن أن نُقنع المواطن المغربي، أنه ثري لا مادي ولا مرئي علما أنه ضحية سوء التوزيع العادل والتمكين من الثروة المادية؟ كيف يمكن حل المعادلة الصعبة لتقدير الرأسمال غير المادي بطرْح رأسمال المنتج ورأس المال الطبيعي من الثروة الوطنية؟ كيف يمكن كذلك أن نُقنع المغاربة بأن هناك ارتفاع رأس المال غير المادي. بحوالي 82 بالمائة بين سنتي 2000م و2013م، أي بنمو سنوي متوسط يعادل 4,7 بالمائة، بحيث يقترب رأسمال غير المادي في الثروة الإجمالية للمغرب من وزن رأس المال غير المادي الذي تُسجله الدول المتقدمة؟ كيف يمكن الجزم بأن الرأسمال غير المادي هو القاعدة العامة التي تسمح بخلق الثروة، وأن السياسات العامة [دستور جديد، منظومة حقوق الإنسان متطورة، الجهوية المتقدمة، توسيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، تقليص حصيص الضرائب، إصلاح القضاء الخ] ينبغي أن تستهدف مكونات الرأسمال غير المادي للمحافظة على وتيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لهذه الأسباب، وجبَ تحسيس المواطن بأهمية الثقافة بكل تجلياتها المادية وغير المادية ودَمجها في الثروة، وذلك في أفق إعادة تشكيل الطبقة المالكة للمادة مقابل الطبقة المالكة للإبداع والإحساس والسلوك والمهارات الدفينة والمُقبَرَة. تابع ص 1 نحن إذن بصدد قيمة لا مادية متوارثة يجب رعايتها وتمتينها والاحتفاء بها كي تُعمَّم الفائدة على الجميع، إنها تراث يُحيل على الإنسان العبقري المبدع (Le génie créateur humain)، بل حتى توثيق الشهادة حول هذا الرأسمال اللامادي يمكن إدراجها ضمن التراث اللامادي. لكن، يجب أولا التسليم بفرضية أن حتى التراث المادي لا يمتح قيمته إلا من التراث اللامادي. نقيس على ذلك بتجربة أبو ظبي حينما راهنت على النفط مقابل الفن وتحويل تجربة متحف اللوفر بعلاماته الكاملة. قد يجمع هذا النموذج من التعامل مع الرأسمال اللامادي بين بُعدين لتطور الرصيد اللامادي: الأول هو الإرادة الوطنية من أجل إضفاء قيمة على الثقافة من خلال الحصول على علامة أكبر متحف في العالم بكل حقوق الملكية الثقافية، والثاني يُضفي على الثقافة بُعدا كونيا من حيث عدد زوار المستقبل، وذلك عندما نَعلم أن عدد زوار اللوفر يُقدر ب 8 ملايين ونصف 64 بالمائة منهم أجانب، وبرعاية جمعيات صداقة لدول مختلفة ككندا والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة. فعَوْلمة الرأسمال اللامادي هي محاولة لمطابقة الاختيارات الاستراتيجية لتدبير التراث مع كل المشاريع المرافقة، ثم إن العولمة تقتضي التوجه نحو تنمية الوعي بضرورة امتلاك أعمال فنية يمكن تصنيفها ضمن الملك العام المشترك للإنسانية. قد يُذكي هذا الوعي مبدأ المنافسة نحو الظفر بكل ما هو إرث إنساني مشترك. وهذا ما انتبهت إليه بعض الدول الصاعدة عندما فطنت إلى تقليص مديونياتها من خلال توفير إرثها المادي واللامادي للاستغلال العالمي، قد تحيل فكرة الإرث العالمي على مستويين متناقضين من الملكية: الأول رمزي والثاني واقعي ملموس، الأول عابر للأوطان والحدود، والثاني متجدر في التربة التي أنشئ بها، من جهة يجب الإقرار بالبعد الكوني للرأسمال اللامادي، وفي الوقت نفسه يجب تثمين التنوع الثقافي والهويات الوطنية. وإن سلمنا بأن التراث اللامادي منتج لآثار اقتصادية وعائدات مادية، فإن له في بعض الأحيان انعكاسات سلبية على المستوى المحلي، من قبيل ارتفاع الأسعار والمراهنة وانتعاش ثقافة الريع بالنسبة لبعض المؤسسات عِوض الرّقي بالمنطقة المُحتضنة لهذا التراث وارتفاع التكاليف لبُنى الاستقبال التي يتحتم استيرادها من الخارج. خصوصا لدى الدول الأقل تقدما [Pays moins avancés PMA]. وقد ينتج عن هذه الرؤية تفاوت مفاهيمي وإجرائي فيما-يخص مرجعية حفظ وتثمين التراث المقترحة من بعض الهيئات الدولية كالبنك الدولي واليونسكو والسياسات الوطنية. وبالمقابل تُطرح بعض المعيقات فيما يخص استمرار الجدل حول استرجاع بعض التحف التراثية كالمخطوطات الموجودة حاليا بالاسكوريال والتحف التي تم عرضها موازاة مع معرض المغرب الوسيطي باللوفر. إن فكرة استرجاع هذه التحف نابع بالأساس من إحساس وطني بأهمية التراث المحلي، وقد تدعو الضرورة لإقرار قانون يتم بموجبه إما إرجاعه أو تصنيفه كتراث عالمي مشترك من طرف اليونسكو. كما أن هناك تحديات قد تهدد الحفاظ على هذا التراث كالكوارث الطبيعية (نموذج سور تارودانت خلال الفياضانات الأخيرة) وعمليات التهيئة المجالية الحضرية الغير المُعَقلنة كنموذج مراكش، ثم الفقر والتهميش والحروب وأعمال التخريب المقصودة والاحتباس الحراري والتلوث الذي يهدد بعض المواقع التراثية كالبندقية ومدينة سان لوي السينغالية بسبب ارتفاع منسوب المياه. لهذه الأسباب عَمِدت اليونسكو إلى إشهار لائحة بالمواقع التراثية العالمية المُهددة بالضياع، رغم أن ميزانيتها لا تتجاوز 4 ملايين دولار مخصصة بالأساس لتكوين مستشاريها. فأهمية الرأسمال اللامادي من خلال المادة التراثية التي تعكس التاريخ المُعقد والطويل لمجتمعاتنا، إنها بالتالي طوباوية القرب "Utopie de proximité" التي تتجدر في واقع مادي ليتخذ مع الزمن بُعدا لاماديا وشُموليا يضفي بُعدا وظيفيا على العلاقة الوطيدة بين الإنسان ومحيطه. فنحن الآن مطالبون بإقرار سياسة تراثية تراعي جميع الإشكاليات وتساعد على توجيه الأنشطة المادية واللامادية مع إمكانية تحدد متطلبات الطلب والعرض الثقافيين لأن التراث بناء اجتماعي يرتبط إنتاجه بمدى تدخل كل الفاعلين لرسْم معالمه وتصنيفه والحفاظ عليه، ولأنه كذلك يتأرجح في الزمان والمكان لينخرط في التاريخ والفن والبيئة والمجال الطبيعي. فليس بغريب أن تكون دولة اليابان أول من اعتبرت القوة البشرية كنزا وطنيا حيُا، لأن الإنسان يمتلك مهارات ومعارف فنية متنقلة تحكي التاريخ وتغذي الإبداع من خلال خدمات رمزية تأسس عليها قاعدة المجتمع، ولأن شيوع هذا التراث أصبح خاضعا اليوم لتكنولوجية المعلوميات (الانترنيت) فإن تمفصل صيغ تمويله وتدبيره وتسويقه وتقنينه أصبحت أكثر تعقيدا بالنظر لإكراهات تثمين هذا التراث واعتبار قيمته الإنسانية. فالمادة التراثية من حيث لاماديتها غنية ومتنوعة، فبالإضافة إلى التعابير الحية والتقاليد التي تتوارثها الأجيال، خصوصا عبر ما هو شفاهي، فهي تشمل كذلك التصورات والمهارات واللغات وأنماط العيش والإشارات المرتبطة بها والأذواق والممارسات الشعائرية التي تتموقع داخل التجمعات الأسرية والقبلية أكثر مما تتموقع في المتاحف والمنشآت التاريخية. يحيل هذا التدخل في مفهوم التراث على تنوع القيم المرتبطة به، كالقيم الجمالية والتاريخية: تاريخيا يجب توثيق الذاكرة، جماليا، فالمادة التراثية قيمة معاصرة تستدعي طرق استعمال وتدبير، ثم قيمة علمية قد تبدو مُلحَة الآن وهي محاولة رقمنة هذا التراث ومدى احترامه للتنوع البيولوجي، وإن اقتضى الحال أحيانا تحويل آثار أو إدخال بعض التعديلات والإصلاحات لتحديثه وتثمين قيمته. لتبيان هذا المجال المفاهيمي وتعزيزه، نورد تقريرا عن الفن المغربي المعاصر ومعرض المغرب الوسيطي اللذين انعقدا بكل من معهد العالم العربي بباريس ومتحف اللوفر كمؤشرين دالين على التداخل بين التراث المادي واللامادي وكيفية تحويل هذا الرأسمال اللامادي المتنقل وانفتاحه على العالم. لقد نص دستور المملكة سنة 2011م في ديباجته على التعدد الثقافي واللغوي (اللغة الأمازيغية والحسانية والصحراوية) وروافده الإفريقية والأندلسية واليهودية والبعد المتوسطي ليكون المغرب البلد الوحيد إلى جانب لبنان الذي يُقرّ بهذه المكونات الهوياتية، تجلى هذا التعدد من خلال معرض المغرب المعاصر الذي نظمه معهد العالم العربي بقيادة رباعي متميز جاك لانج وجون هوبير مارتان Jean Hubert Martin ومحمد ميطالسي وموليم العروسي. وبالموازاة تمَّ فتح أروقة متحف اللوفر لمعرض المغرب الوسيطي امبراطورية تمتد من إفريقيا جنوب الصحراء إلى الأندلس، وهي الفترة التي تمتد من القرن الحادي عشر الميلادي إلى القرن الخامس عشر. كان الغرض من هذين المعرضين هو الالتقاء بالأعمال، وليس الانطواء حول الخطابات العقيمة للثقافة. هو إذن مغرب معاصر بمشاركة أكثر من 80 فنانا في شتى الميادين الفنية والثقافية، معرض يسائل المستقبل [فن تشكيلي ? عمارة ? فوتوغرافية- رقص- موسيقى- مسرح- فيديوهات- آداب ? موائد مستديرة حول قضايا راهنة تنصيبات- نحت وإعلام من خلال الجهاز الإعلامي لمجلتي Diptyk و Art Absolument. أول شيء يجذبك هو نصب الخيمة الصحراوية في باحة معهد العالم العربي التي صمّمها المهندس طارق أولعْلُوا (Tarik oulalou) مُصمم متحف وليلي بمكناس، وقد ساهم في هذا العمل كل من دار الصانع بالمغرب من حيث السينوغرافيا، كما تمّ استلهام سينوغرافيا الملصق الإشهاري على واجهة المعهد من طرف Clémence Fannell صاحبة سينوغرافيا الشرق فيما مضى ثم Express ومعرض حول Titanic. فإذا أثار المغرب اهتمام الباحثين بتميزه، فقد كان شعار هذا التميز هو ربط الجسور بين الماضي والحاضر أو بين الحرف التقليدية والفن المعاصر، وهو بالمناسبة احتفاء بالمواطنة لكونه يتوجّه إلى جميع المغاربة عبر العالم وإلى المنتظم الدولي، وفي ذلك إشارة ضمنية إلى محاربة الإقصاء والتهميش والعنصرية والطائفية التي تهدد السلم الاجتماعي، تبنى معهد العالم العربي هذه المغامرة لأنه مقتنع بأن المغرب قد انخرط بجدية في نهضة "فنية" » Movida Nayda « منذ ما يزيد على 15 سنة. وليتفادى الجانب الفلكلوري والعجائبي لهذا المغرب، عمد المنظمون إلى تقديم صورة معقدة وحديثة عن المغرب المعاصر، لأن ضامن هذه النهضة الثقافية هو الرأسمال اللامادي للمغرب بثقافته اليومية ومواهبه والأذواق التي تغذيها. فكان البدء هو التنقيب على المواهب الصاعدة دون الارتكاز على الأفكار المسبقة. وقد واكبت هذا المعرض حركية تواصلية على الشبكات الاجتماعية، كما عالج المعرض من خلال حوامله التعبيرية ستة محاور أوّلها: رؤية ماضي المغرب وتنوعه، ثم محاولة صَوْن الذاكرة المغربية من التلاشي والاحتفاظ بشهادات تؤرخ لهذا الوطن. فعلى سبيل المثال أبْدع Djimi E Imam في المنقوشات الصخرية لمدينة السمارة، في حين اهتم باختي Bakhti بالمعمار الاستعماري لمدينة الدارالبيضاء، كما اهتم الطيب Etayeb بالشعائر القروية التي حاول إحياءها، كما تحُوم حول هَرَم يونس رحمون الذي تضيئه 77 زهرة مجموعة أعمال فنية تمتح مادتها من التصوف بالمغرب، ثم إن الأشكال الهندسية لأعمال بلكاهية ونجية مِحَادجي Najia Mehadji تحيل بدورها على عالم الشطحات الصوفية موازاة مع ذلك، هناك ميل نحو تصورات فنية فانطاستيكية من خلال لوحات الفنانة العصامية Fatima Aijoui والبورترِيهات الغريبة لبَلْبْزيوي Balbzoui . ثم إن هناك أعمالا أكثر واقعية مثل الصور الفوتوغرافية لمَعزوز Maazouz وصور أخرى بتقنية الكولاج الرقمي الذي يقلص حجم الفضاء عند مِرْجي Merji، مبرزا بذلك يوميات بلد من بوابة الاستيهامات الشعبية. احتفى المعرض كذلك بالأثاث والديكور وفن العيش عند المغاربة من خلال تصميم صالونات أبْدعتها أيادي حرفيين وفنانين. قدم لحسن إيوي Lahcen Iwi أثاثا مدهشا بطبيعة غوتية gothique من خلال تحويل عجلات مستعملة، بالمقابل حاول Eric Van Hove، بمعية 55 صانع من مراكش، تركيب مُحرك مرسيدس V12 Laraki اعتمادا على مواد مختلفة: خشب وعظام وفضة ونحاس وجلد الخ، ليُشكل هذا العمل الفني استمرار لحُلم عبد السلام العراقي الذي كان يُمَني النفس بصناعة سيارة سباق مغربية مئة بالمائة: فخلال إقامته بدار المامون، حاول فان هوف، تحقيق هذا الحلم المغربي. لم يغِب عن المعرض الالتزام بقضايا المجتمع من خلال نقدِه أو السخرية من التوجهات الإعلامية بواسطة فيديوهات يوسف عُشرَى Youssef Ouchra وسمحمد فتاكا Simohamed Fettaka ومنير فاطمي وسعيد عفيفي، هذين الأخيرين لم يترددا في مساءلة الممارسة الدينية في مجتمع مهدد بالتطرف والغلُوّ، في حين كانت ردة فعل فنانين آخرين حول ما سُمِّي بالربيع العربي متباينة من قبيل الوزاني ومحمد الباز والباتول السحيمي. تباينت الرؤى كذلك فيما يخص صورة الجسد عند الفنانين المعاصرين وبالضبط لدى الفنانات مثل رَنْدة معروفي وصفاء مازيغ وفاطمة معزوز وفتيحة الطاهري اللواتي حاولن مساءلة الجسد من خلال علاقة الرجل بالمرأة. فالمعرض رأسمال غني ودليل على أن هناك أجيالا فنية جديدة خلقت القطيعة مع التصور التقليدي للفن رغم وجود الاستمرارية. فمنذ الستينات من القرن الماضي، لم يشهد الحقل الفني هذه القطيعة النوعية والكمية، لأنه خلال هذه الحقبة كان الفن مرتبطا أساسا بالهوية والخصوصية المغربية. حاليا، نلاحظ تواجد فنانين لا يخوضون بالضرورة في مشاكل مجتمعهم بطريقة مباشرة وتقريرية بل يهتمون بقضايا كونية كأحداث 11 شتنبر والتمييز العِرقي وموجات التطرف التي تجتاح عالم اليوم، فأضحوا ملتزمين بقضايا عابرة للأوطان، خصوصا أن معظم هؤلاء هم من جيل الثورة الرقمية التي أعادت توطين المبادرات الفنية خارج ما هو محلي، فأصبحت بذلك محترفاتهم هي مواقعهم التواصلية عبر الانترنيت، لكن فوق هذا وذاك، تبقى أعمال الرواد مثل بلكاهية والغريب الذي لا يسعى إلى بيع أعماله والفوتوغرافي النَّادْر ولَعْترِيس أول من اهتم بفن التنصيب والمْليحي وربيع هي بداية انطلاق الحداثة الفنية المغربية. وراء هذه الحيوية الظاهرة، نلاحظ بأن الفن المغربي المعاصر يخوض في نقاشات محتدمة مع متناقضاته الذاتية، لأن القيمة الحقيقية لسوق الفن تعاني من نقص كبير من حيث دعم الموارد العمومية، في حين أن النجاح الفعلي لا يشمل إلا قلة قليلة من الفنانين. وعليه، يمكن القول بأن الفن المغربي المعاصر يتميز بهندسة مُتغيرة. بين نيويورك وباريس ولندن والإمارات العربية المتحدة، يظل الوجه الفني المألوف عالميا هو مُنير فاطمي. السبب في ذلك يرجع إلى محدودية بنيات الاستقبال التي من شأنها خلق التواصل مع المحيط الدولي. باستثناء محترف la Source du lion و Culture Interfaces و Appartement 22 التي أسسها عبد الله كروم محافظ متحف الدوحة بالشرق الأوسط وبعض الإقامات الفنية مثل Trankat بتطوان لمُؤسسها Bérénice Saliou والفنان يونس رحمون، كما يمكن القول أن هذه المبادرات الذاتية لأصحابها تبقى ضعيفة التأثير على دينامية السوق الفني وعلى المتلقي بصفة عامة. رغم هذا النقص، يلاحظ تقنينا للسوق الفنية من خلال الشركة المغربية للأعمال والتحف الفنية Moda التي يديرها هشام الداودي، إذ أصبحت تقدر بعض الأعمال بين 500.000 درهم وثلاثة ملايين درهم من أمثال بلكاهية ? المليحي، يامو الخ. يبقى رواق Galerie 21 بالدارالبيضاء الرواق الوحيد الذي يتوفر على مقر بدبي وبفضله دخل في شراكة مع الفنانين الأكثر شيوعا من أمثال محمد الباز وزكريا الرحماني وهشام بنحود وعبد الرحيم يامو الخ. سار على نفس النهج كذلك رواق David Bloch بمراكش من حيث استقطاب الفنانين العالميين بالإضافة إلى رواق للصور الفوتوغرافية Galerie 27 و La Galerie Strat بالدارالبيضاء. نفس الهشاشة تصيب الملتقيات الدولية خاصة بعض النسخة الثانية من Marrakech Art fair الني نظمها هشام الداودي بين سنتي 2010م و2011م، لكن عشق ملك المغرب للفن واهتمامه به دفع فضول بعض البورجوازيين إلى الاقتداء بنهجه في جمع الأعمال الفنية المتميزة. كما أن بعض المعاهد الثقافية الأجنبية (الفرنسية والاسبانية والألمانية) تحتضن بعض الملتقيات الغير التجارية مثل عودة منير فاطمي خريف سنة 2013. هذا، فإن تدريس الفن يعاني بدوره من أزمة حقيقية باستثناء مدرسة الفنون الجميلة بتطوان ومدرسة الفنون بالدارالبيضاء التي تعاني من جراء وصاية الجماعة الحضرية للمدينة. بالمقابل، برزت إلى الوجود ظاهرة احتضان ورعاية الفنون من طرف بعض الأبناك ووكالات التأمين الخاصة وبعض المقاولات العقارية التي ساهمت في إخراج بعض الأعمال والمشاريع إلى حيز الوجود مثل حديقة المنحوتات Le parc des sculptures المعادن أو مشروع متحف الفن الإفريقي بمراكش اللذان تموِّلهما مؤسسة Alliances أو متحف مؤسسة السلاوي و Art Déco بالدارالبيضاء. إن الهدف الأساسي من معرض باريس حول الفن المغربي المعاصر هو إبراز تنوع الروافد الثقافية للفنانين المغاربة وانتسابهم لأجيال متفاوتة وتعابير أسلوبية متباينة من حيث التقنيات والممارسات. من أجل ذلك، افتتح المعرض بأعمال بلكاهية كرائد يجمع بين مواد مختلفة (نحاس وجلد وملونات من الزعفران والحناء والنيلة وقشور الرمان الخ)، أعمال حاول من خلالها بلكاهية أن يزاوج بين ما هو كوني وأمازيغي في تناغم تام مع رهانات هوياتية ومعالم تاريخية خالصة. كما أن عبد الكريم ربيع حاول من خلال لوحاته الضوئية والزاهية بألوانها وتموجاتها أن يتأرجح بين البياض والأسود، بين الفراغ والامتلاء في جدلية دائمة بين الفضاء والحركة، وقد سار في ذلك النهج كل من خليل الغريب والحسين ميلودي وآخرون. ظهر من بعد ذلك جيل جديد بأعمال مثيرة مثل نجية مِهادْجي Najia Mehadji (1950) التي تمتح مادتها من الهندسة المعمارية والتنوع النباتي، بل وحتى من الموروث الصوفي والروحي لتفتح فضاء أعمالها على نوافذ تأملية، مثلها مثل التهامي النادر Touhami Ennadre (1953م) الذي حرَّر عالم الصورة الفوتوغرافية من ضوئها المعتاد ليُدخلها في عتمة المدن الكبرى كنيويورك وطوكيو وبكين. أما محمد زوزفاف (Mohamed Zouzfaf) فيحيل بأعماله إلى مرويات حكائية منتقاة من التراث الأمازيغي، في حين أن الماحي بنبين يعبر من خلال الوجوه المركبة على البعد الكوني للإنسان، إما من خلال الوحدانية أو التزاوج، في إحالة متواترة على وضعية الجسد السالب، كما أن محمد المرابطي من خلال تجربته الأخيرة قداسة الأثذاد، فيسعى بشكل لَهَوي إلى تلوين الشكل في علاقته بالضوء بدوره يسعى السفاج من خلال نثوءات الجسد المستديرة وفاطمة مرموز من خلال جسد الأم في كل تجلياته إلى إعادة طرح علاقة الجسد بالفن. كل هذه المداخيل تحيل على تجارب إنسانية مختلفة، بدءا من أهمية التراث مرورا بأحداث الربيع العربي ونقد المجتمع وإكراهات الحداثة من خلال رسم جداري fresque لمنير فاطمي، فيديو يوثق به الأزمة الحديثة كباروديا parodie لعالم شارلي شابلان انتهاءا بالبعد الروحي من خلال زهرة الزجاج ليونس رحمون وإشادة بالإمام الجزولي للفنان الكاليغرافي ضيف الله وأهمية البيئة من خلال أعمال يامو، بل إن بعض الفنانين استطاعوا تقديم صورة مزدوجة عن المجتمع من خلال استيهامات المغربي وبعض المواقف الساخرة كالصور الفوتوغرافية لهشام بنحود وفؤاد معزوز في صورة السقطة. تعكس هذه التجربة النوعية ازدواجية التمثلات والتصورات عند الفنانين المغاربة من خلال نحت بلاغيات الوجه والذاكرة مثل أعمال الخزّاز والطبّال وسعيد ورْزاز بوشمِهِ المعهود، وهي ازدواجية التشابه والاختلاف من خلال إعادة تركيب اللامرئي في أعمال أنْدْرِي الباز André El Baz. انخرط هذا الفن وبشجاعة في نقد المجتمع ولو بصيغة غير مباشرة، فرغم التميز المغربي، إلا أن هذا الأخير يواجه تحديات وعراقيل مثل الهشاشة الاجتماعية والتطرف الديني والفساد السياسي وتفشي الأمية بنسبة 24%. إنه فن يُسائل المجتمع من منطلق مرئي وليس من منطلق المواجهة الصادمة مع الواقع كما يظهر ذلك من خلال أعمال محمد أرجدال وحقيبته أو محمد لعلو وأمين القطيبي من خلال تنصيب حلبة الملاكمة أو أعمال سمحمد فتاكة. تنضاف إلى هذه الثروة المادية واللامادية، الهندسة المعمارية المعاصرة التي عرفت انطلاقة قوية على ما يقرب من 15 سنة بمبادرة من المهندسين المعماريين طارق ولعلو وجعفر السجلماسي. لنذكر أن طارق ولعلو تميز بعبقريته كقيِّم على الجناح المغربي ببينالي البندقية للهندسة المعمارية المنعقد في يونيه الماضي. تعدُّ الهندسة المعمارية نبراصا للعبقرية المغربية كرأسمال ثقافي يقوم على توظيف مواد تراثية كما أنها تنفتح على المعمار العالمي في كل تجلياته وأساليبه. ولنا خير دليل على ذلك في معلمة مطار مراكش المنارة الذي صَمَّم هندسته كل من عبد الله الغْزاوي و Serge de Pretto و Patrick Payo وهو عبارة عن واجهة مُسطحة مُركبة من الألمنيوم وزجاج عاكس للضوء بالإضافة إلى سقف فلْطائي بأهراماته التي تجمع بين عناصر زخرفية تتناغم مع المحيط البيئي. كما يمكن أن نستدلّ بتصميم متحف الفن الإفريقي المعاصر المعَادن المُنجزْ من طرف عمر العلوي و Nieto Sobejano. وعليه، يمكن أن نلاحظ أن الهندسة المعمارية بالمغرب وريثة لثلاثة توجهات فنية أولها الخصوصية الجمالية والبيئية للمعمار المحلي الأمازيغي من خلال القصبات والتحصينات الُمركبة من التراب المدلوك والتبن بالإضافة إلى التوجه العربي الأندلسي المُقنّن منذ حكم الدولة المرينية ليمتد ويشمل معمار ما بعد الحداثة الفردية والتي تجلت في معلمة مسجد الحسن الثاني. أما التوجه الثالث المؤثر في الثقافة المعمارية هو معمار الحماية التي أثر بشكل جلي في الهندسة المغربية المعاصرة. يمكن أن نعتبر المغرب مُختبرَ تجارب معمارية، بدليل تصنيف مدينة الرباط مؤخرا تراثا عالميا إلى جانب المبادرات الحثيثة لجمعية ذاكرة الدارالبيضاء للحفاظ ورعاية التراث المعماري للمدينة، وذلك لِوَعيها بأهمية الأعمال التي أنجزها ليوطي بمساعدة فريقه الهندسي المُكون من Forestier و Prost و Laparde و Cadet و Brion أو Boyer. بالموازاة، شهد المغرب خصوصا مع الانفتاح السياسي والاقتصادي تحولا في مشهده المعماري، وذلك بالانخراط في أوراش كبرى لبُنى الاستقبال كالمطارات والموانئ والمعالم الثقافية الكبرى كالمتاحف، مما أثر إيجابا في المعمار، وذلك من خلال التعاقد مع مكاتب دراسات عالمية. امتد استثمار الرأسمال الثقافي اللامادي من خلال الخزانة الفيلمية بالمغرب، والتي عرفت قفزة نوعية خصوصا مع سياسة الدعم لإنتاج الأفلام، ليصبح المغرب أول بلد عربي وإفريقي يُنتج أكثر من 24 فيلما في السنة. كان همّ السينما بالمغرب هو إعطاء صورة عن تحولات المجتمع سواء في قالب درامي أو كوميدي منذ أفلام حميد بناني أو محمد التازي ومحمد المسناوي وسهيل بن بركة وعبد العزيز الرمضاني مرورا بجيل الثمانينيات مع فريدة بليزيد صاحبة فيلم "نايضة" ونبيل لحلو ومصطفى الدرقاوي وحسن بنجلون، والذين حافظوا على تشخيص واقع منغلق على نفسه بعاداته ونظامه السلطوي، لتنحى بعد ذلك، سينما نهاية التسعينيات منحى آخر تطبعه غالبا السخرية السوداء والحس الفني المتجدد بمبادرة جيل جديد من السينمائيين أمثل نبيل عيوش واسماعيل فروخي ونور الدين لخماري وفوزي بنسعيدي وحسن لكزولي ومحمد أمين بن عمراوي وابراهيم الشكيري وداوود أولاد السيد ومفتكر الخ. وقد رافقت هذه الطفرة السينمائية خطابات نقدية مواكبة من خلال نشر مجلات مثل Vision و Cinémag والمجلة المغربية للبحوث السينمائية، وإقامات مهرجانات وإنتاجات مشتركة ومعاهد تتخصص في تدريس الصناعة السينمائية، لكن المفارقة هي أنه، أمام هذه الطفرة، تلاشت دور العرض السينمائي التي شكلت ذاكرة مرئية وثقافية في المشهد الثقافي المغربي. واكبت هذه النهضة (نايضة) كما جاء على لسان شباب مهرجان موسيقى البولفار المنظم بالدارالبيضاء من طرف مومو وهشام باحو سنة 1999م، ظهور مجموعات غنائية في الساحة الغنائية من الراب والهيب- هوب والروك- مطال والفِزْيون Fusion والريكي Reggae مع تجربة Bob Maghreb الخ. نجح مهرجان البولفار في إبراز مجموعة Hoba-Hoba Spirit ومازكان و Haoussa و Sisino كما تألق كُتاب كلمات محرقة مثل يونس وديدجيهات مثل Van. هكذا، يُلاحظ أن المغرب لم يعد فقط تحت هيمنة الطرب الشرقي أو العربي الأندلسي، بل أصبح معهدا موسيقيا عالميا يتفاعل مع ألوان وإيقاعات موسيقية، أمازيغية وأندلسية ويهودية وحسانية وعالمية من خلال مهرجان روح فاس الذي يمُد الجسور بين الشرق والمغرب وآسيا والغرب ومن خلال إيقاعات الروك والراب. فتلاقحت الإيقاعات وامتزجت الأهازيج لتُضفي على المشهد الموسيقي غنى وتنوعا كالتجربة المميزة بين جوق المرتلين Kinor David اليهودي السِّفِرادي وجوق عبد الكريم الرايس برئاسة محمد بْرِويل. فكان الهدف هو إحياء الإيقاعات التقليدية ووضعها في قالب عصري، مع أنه يلاحظ شبه غياب للعنصر النسوي باستثناء L?ardin الحساني كتلوين لموسيقى Lakora الإفريقية. نُعاين كذلك اجتهادات موسيقية في ميدان الموسيقى الكلاسيكية من خلال معزوفات وأغاني Rita Saher غيثة الساهر على البيانو والتي تتغنى بأشعار أدبية رفيعة أو ابتهالات الحضرة الشفشاونية ومغنية الملحون ثريا الحضراوي ومغني وعازف الطرب الغرناطي بيَانْ بلعيَّاشي والطالبي بتجديد لتراث الركادة، كرقصة حربية تنتمي لقبائل بني يَزْناسنْ دون أن ننسى اجتهادات الملحن الشاب نبيل عبد الجليل الذي جدَّد الموسيقى العصرية المغربية بمزاوجة أركسترا Chostakovitch وإيقاعات الجاز ل Bernstein، كما أن للرقص دور مؤثر في الإيقاعات الموسيقية من خلال الحركات واللباس والإكسسوارات والألوان. لم يكن يعرف المغرب. من قبل، كورِيغْرافيا Chorégraphie بل رقصات إما فردية أو عبارة عن مجموعات راقصة تنحدر من مواقع جغرافية وقبلية معينة مثل رقصة الكدرة الحسانية أو أحواش الأطلس الصغير أو المتوسط أو رقصات السماع الصوفي داخل الزوايا كالعيساوية والجيلالية واحمادشة الخ، على عكس الفنون الأخرى، تعيش الكوريغرافيا وضعا صعبا فهي مُجبرة على الانخراط فيما هو كوني مع مراعاة الإشكالية التقليدية للرقص دون إفراغها من محتواها الشعائري والديني والتاريخي. لذلك، فهي مُجبرة بالمقابل على تغيير الأمكنة والأزمنة والصفة الرمزية والوظائف المرتبطة بالعرض الكوريغرافي: هل يمكن فقط الاحتفاظ بالحركات وإفراغها من محتواها الرمزي والمقدس؟ حاليا، يمكننا أن نحصي ثلاثين راقصا معاصرا دون احتساب الراقصين الذين يعيشون في المهجر، من بينهم الرائد لحسن زينون وتوفيق Izeddiou وسعيد آيت المومن وبشرى Ouizguen صاحبة العرض الكوريغرافي أربعة أجساد راقصة وخالد بنغريب ولطيفة حجاج، وكلهم يسعون إلى تعميم عروضهم وتقريبها من المتلقي خصوصا عبر بوابة البينَالي on marche، دون أن ننسى طبعا آخرين مثل، سيدي العربي الشرقاوي المغربي البلجيكي ومونى السَّقاط وابراهيم السُّورني ويونس وزهير أتْبَان ومريم الجزولي وهند بنْعلي والفرقة البهلوانية الطنجاوية من خلال عرضهم الأخير والمتميز ثوب تحت إدارة Aurélein Bory. هذا، وقد لعبت المعاهد الثقافية الأجنبية المعتمدة بالمغرب دورا فعالا في التعريف بهذا الجيل الجديد إلى جانب الدعم الذي يُقدمُّه بعض دور العرض الخاصة مثل فيلا الفنون la villa des arts التي تُقيم على المهرجان الدولي Action-Dance. لكن تبقى الكتابة الأدبية بالمغرب الحلقة الأكثر تواصلا مع العالم، وبالضبط من خلال كتابات المغاربة المقيمين بالمهجر وبعض الترجمات للأعمال الرائدة بالمغرب. فكيفما كانت لغة الكتابة، فرنسية أو إسبانية أو إنجليزية أو هولندية، فهناك هاجس وحيد، هو الرغبة لدى كُتاب مغاربة العالم في معالجة قضايا حارقة يعيشونها بدون منازع. بدءا بجيل الرواد كإدريس الشرايبي والطاهر بن جلون وعبد الكبير الخطيبي ومحمد خير الدين وعبد اللطيف اللعبي وادمون عمران المالح ثم وصولا إلى الجيل الجديد من أمثال حفيظ بوعزة ومصطفى ستيتو وعبد القادر بن علي وسعيد حجي وليلى السليماني وكوثر حرْشي ورشيد أو وعبد الله الطايع الخ. إذ نلمس أن إشكالية اللغة لديهم أصبحت متجاوزة، لأنهم مقتنعون بأنهم لا يكتبون بالكلمات، ولكن بالأحاسيس والجروح، فهناك قوة ساحرة لا مرئية هي التي تتحكم في كتاباتهم على حد تعبير الكبير مصطفى عمِّي. فهم ينطلقون من لغة ما ليُعبّروا عن ترسبات لغة أخرى. فاللغة عندهم، لا تتموقع في وضعية ايديولوجية كما يقول Joseph Conrad بل هي لغة الجسم ولغة الضرورة، لغة تساعدهم على تجاوز الألم لتصبح مِلكهم الخاص. يتطرقون لقضايا مجتمعية وسياسية وذاتية، يتحدثون عن حقوق الإنسان ويعالجونها بدون تنازلات مسبقة، لذا فهم يُجبروننا على أن نُصوّب رؤيتنا للعالم. لكن هناك خيط ناظم يربط بين هذا الجيل الجديد وبين النصوص الرحلية لابن بطوطة وخرائط الشريف الإدريسي التي تميل إلى الرغبة في امتلاك العالم. لعل إحداث جائزة الشيخ زايد للكتاب ابتداء من سنة 2007م للتعريف بالثقافة العربية عبر العالم والتي يرأسها علي بن تميم مدير البرامج بالمكتبة الوطنية بأبو ظبي بمعية فريق من المفكرين من أمثال فاروق مَرْدَمْ به مدير منشورات سندباد لدى Actes Sud لخير دليل على الصدى العالمي الذي لقيته هذه الكتابات المهجرية. وقد اغتنى الرِّبِرْتوار Répertoire الأدبي بالأدب اليهودي المغربي كمكوّن أساسي. فمنذ نص Degracia Cohen "Retour sur un monde perdu" المنشور سنة 1971م إلى آخر الإنتاجات مثل Le marcheur de Fès ل Eric Fottorino و Le rocher d?origine ل Haim Shiran أو Le prince de Casablanca ل Ralph Toledano المنشور سنة 2013، كلها كتابات مرهونة بجدلية النفي القصري والحنين إلى الماضي وإلى الوطن الأم رغم جروحه والعمل على إحيائه لأن مؤسسة Ashkénaze حاولت إقباره وطمس معالمه. لهذا ظهرت نصوص قوية لإدمون عمران المالح و Pol Serge Kalbi و Gilles Zenou الفيلسوف صاحب Métamorphose des genres و Bougamin و Jacques Eladan و Isaak Benchetorg و Sami Hatchvel و Marcel Crespi و Paul Darmon و Sapho و Sam levy الخ كتابات* كلها تومئ بالهزّات التي عاشها اليهود المغاربة إثر الهجرة الجماعية القصرية وذلك من خلال نص Du danger de monter sur la terrasse ل Jacob Cohen أو Le retour القصة القصيرة المنشورة ضمن مجموعة Les Faucons de Mogador (1944م) لكاتبها Boboré Abitbal. فبمجرد ما تستوطن الكتابة عالم المنفى، ينبعث الحنين إلى الماضي عبر الذاكرة المحترقة كما يقول Armand Abecasis في نصه Rue des Synagogues (2008م)، فتتوالى الصور العائلية والبحث عن الأصول وعن المدينة وعن أيام الحفلات وعن المأكولات والموسيقى الأندلسية الخ، في هذا السياق يمكن أن ندرج Joseph Chetonit عن رواية ل Marcel Benabou، Jacob Menahem et Mimon. une épopée familiale (1995) ويكتب كذلك Gabriel Bensimhon بالعبرية عن مدينة صفرو و Jacques Eladan عن وزان. خلال زيارتهم بمناسبة احتفالات الهيلولة، يتشبث اليهود المغاربة بمغربيتهم ويعتزون بتراثهم كما يظهر ذلك من خلال Marrakech le départ ل Daniel Sibony و Palais et jardins ل David El Mozmino و Agadir un paradis dérobé ل Jaques Bensimon (2012م) و Tinghir ل Salmon Malka، حتى أن هناك مغاربة غير يهود كتبوا عن هذه القصة مثل عبد الرحيم بحير وأحمد التازي Rachel à l'ombre de Jérusalem (2012م) وسعيد الصبّاغ L?autre Juive (2009م). بل أنجزت أفلام من قبيل فين غادي مُوشي لحسن بنجلون (2007م) وَوَداعا أمّهات لمحمد اسماعيل (2008م) و Aida لإدريس المريني (2014م). فهل هذا الزخم الإنتاجي دليل كافي على أن المغرب يحن لجاليته اليهودية المُوزعة عبر العالم؟ - انظر كتاب محمد الأخضر littérature Judéo marocaine d'expression française et identité, ed. universitaires européennes 2011.