على خلفية حدث مطالبة التنسيقية الوطنية للغة العربية بإحالة القانون الإطار 17-51 على المحكمة الدستورية لعدم دستورية المادتين 2 و31، نود أن نخوض في الإشكالية خوضا دستوريا. لكن، للإحاطة بهذه الإشكالية ينبغي النظر إليها من داخل الوثيقة الدستورية أولا، وذلك من واجهتين مختلفتين، أولها تتعلق بالحق في الدفع بعدم دستورية قانون، ثم ثانيا الحق في إحالة القوانين العادية إلى المحكمة الدستورية؛ لهذا يكون السؤال هو أين تتجلى نقاط الاختلاف بين هاته الواجهة وتلك؟ ذلكم في الواقع ما تميط عنه اللثام بعض الفصول الدستورية، سيما 132 و133، فإذا كان الحق في إحالة القوانين العادية مخول لجهات سياسية محددة على سبيل الحصر، في الملك رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين وخمس أعضاء مجلس النواب وأربعين عضوا من مجلس المستشارين، على أن يكون ذلك قبل إصدار الأمر بالتنفيذ، فإن الدفع بعدم دستورية قانون مخول لكل منازع في شأن القانون على أن يتقيد بالشروط الدستورية بما فيها ما انكب على تفسيره القانون التنظيمي، ما يتبين معه أن الأول شابه تخصيص في شأن الجهات التي لها حق الإحالة، بينما الثاني لئن كان عاما فإنه مقيد بشروط دستورية، والحاصل أن السؤال هو هل يمكن الدفع بعدم دستورية قانون؟ وهل يمكن إدراج القانون الإطار في القوانين التي يجوز إحالتها على المحكمة الدستورية إحالة قبلية؟ هذا ما ينبغي معه تسليط الضوء على الشروط التي ألزم بها الدستور جهات الدفع أو الإحالة، فبالنسبة لحق إحالة القوانين قبل إصدار الأمر بتنفيذها فأول شرط أن الفصل 132 اندرجت فيه كلمة “قوانين” عامة لا تخصيص فيها، لكن المقصد يبدو أنه مخصص في القوانين العادية، أي مجال القانون، بما أن القوانين التنظيمية تخضع للرقابة القبلية الوجوبية، هذا ما من شأنه أن يجعل القارئ أمام إشكالية هل يمكن إدراج القانون الإطار في مجال القانون؟ ذلك في الواقع ما يجبر على العودة للفصل 71 من الدستور، حيث لئن حدد مجال القانون في 30 مجالا بالإضافة لفصول أخرى، فإن الفقرة الأخيرة يبدو أنه أدرج القوانين الإطار ضمن هذا المجال؛ لذلك بإمكاننا القول أن كل من الملك ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين وخمس أعضاء مجلس النواب وأربعين عضوا من مجلس المستشارين بإمكانهم إحالة القانون الإطار للمحكمة الدستورية شريطة استباق مرحلة إصدار الأمر بتنفيذه كما ألزم به الفصل 132 من الدستور. في مقابل ذلك، نتساءل هل يمكن للمواطن أو جمعيات وهيئات المجتمع المدني… الدفع بعدم دستورية قانون إطار؟ هذا ما يلزم بالذهاب إلى الفصل 133 من الدستور حيث، لكن قبل ذلك ينبغي أن نشير إلى أن قانون الإطار يدخل ضمن مجال القانون مبدئيا حسب الفصل 71 لكن هذا الفصل لئن عدد وحصر مجال القانون في 30 مجالا فإنه أعطى فقط، على ما يبدو، للبرلمان صلاحية التصويت على قوانين الإطار بصفتها تضع إطارا للأهداف الأساسية لنشاط الدولة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية، من هنا يتبين إذا أن هذه القوانين تتعلق بسياسات الدولة العامة في المجالات المحددة، من هنا قد يوجد مدخل لسؤالكم، حيث أن الدفع بعدم دستورية هذا القانون قد يمكن إذا ما استحضرنا أن الفصل 133 حينما أعطى هذه الإمكانية إنما لم يحصرها بحيث وردت كلمة “قانون” عامة لا تخصيص فيها اللهم استثناء القوانين التنظيمية لطبيعة مسطرتها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى اشترط نفس الفصل أهم شرط وهو أن يمس القانون بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور هذا ما يفرض العودة إلى الباب الثاني من الدستور، حيث إن أول فصل به وهو الفصل 19 يظهر بجلاء ذلك التقاطع مع القانون الإطار؛ إذ يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في نفس الباب، بل وفي مقتضياته الأخرى، وكذا الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، بحيث كل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها هذا ما يبين التقاطع مع قوانين الإطار، فإذا ما افترضنا أن ثمة قانون يمس بهذه الحقوق فإن هذا يعد مدخلا لتفعيل الفصل 133، لكن الإشكال هو هل بإمكان قانون إطار أن يثار في نزاع؟؟ الحق في الحياة أيضا يضمنه الدستور في الفصل 20، وبما أن القانون الإطار يرسم الإطار أيضا للأهداف الأساسية لنشاط الدولة في الميدان البيئي، فماذا لو تضمن ما يهدد البيئة ما يجعل الأمر تهديدا على الحق في الحياة هذا ما يصدق على الباب الثاني من الدستور جملة، لكن الإشكال هل يمكن لقانون إطار أن يثار في نزاع؟؟؟ وأما مسألة مدى دستورية القانون الإطار رقم 51.17 سيما المادتين 2 و31 فلئن كان الحسم في دستوريتهما من اختصاص القاضي الدستوري، فإنه لا حرج من مناقشة المسألة. لهذا فإنه لا بد أن نضع في الحسبان مقتضيات الدستور، التي تجعلنا نقول وبدون تردد، أن مسألة التناوب اللغوي ينبغي تقييدها على أن لا تعني التوجه نحو ما هو غير دستوري، وإلا فستسقط عبارة “القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة”، وتبعا له، فإن الدستور هو أسمى قانون، وليس من المشروعية أن يخالف النص الأدنى النص الأقصى، فإذا استحضرنا الثوابت الجامعة للأمة وجدنا الفصل الأول متضمنا “الوحدة الوطنية متعددة الروافد” وهي إحدى الثوابت بصريح النص” ليكون السؤال أي موقع للغة في هذه الروافد بل والهوية من جهة؟، ومن جهة أخرى “تظل العربية اللغة الرسمية للدولة” وهذا ما يفصح عنه الفصل الخامس، ومؤداه الاستمرارية في ترسيمها بتعبير “تظل”، حيث اللاتراجع عن ذلك. ليس ذلك فحسب بل يضيف المشرع في الفصل ذاته “وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها”،وبدون أدنى شك أن كلمة “تعمل” تفيد الإلزام والاستمرارية في الفعل بدون توقف، بما يظهر الإصرار، نعم، الإصرار على “الحماية” أولا، وإن الحماية لا تكون إلا بتعزيز المكانة ودرأ التهديدات والتشويهات، والإصرار على “تطويرها” ثانيا. فهل يمكنك تطوير لغة تقبرها في المدارس، بل وتجعلها حبيسة الرفوف بداعي أنها لا تواكب العصر، فلو افترضنا جدلا صحة هذا الطرح، فهذا داعي إدانة للدولة حيث يصح اتهام مؤسساتها بأنها لم تقم بدور الحماية ولا التطوير، لهذا فإن هذا النقاش لا يمكن الإيديولوجية أن تمر إليه وإلا فإن الدستور هو الإيديولوجية التي نتبناها. ويضيف المشرع الاصرار من جهة أخرى على “تنمية استعمالها” وهذا نقاش كان ولا زال مطروحا، فالمواطن يرى لغته الأم خارج مركز القرار، في بعض الوثائق الهامة التي يرتبط بها مصيره، بل وفي كثير من الأحيان يوقع افراد الشعب إلتزامات لا يفهمونها، وهلم جرا مما هو واقع، وكي نوضح مسألة هامة فإننا هنا نتحدث ليس عن لغة وحيدة بل لغتين وطنيتين. وما قيل أيضا يصدق على اللغة الأمازيغية، باعتبارها رصيدا مشتركا بين المغاربة بدون استثناء، فلا أعتقد أن هناك مغربي وطني لا يعتز بهذه اللغة الوطنية إلى جانب اللغة العربية. ليس معنى ما قيل سلفا، عدم الانفتاح على اللغات وضرورة تعلمها، بل إننا نكاد نكون في غنى عن التذكير بعبارات الدستور التالية: “وتسهر على انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية، وعلى تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم ؛ باعتبارها وسائل للتواصل، والانخراط والتفاعل مع مجتمع المعرفة، والانفتاح على مختلف الثقافات، وعلى حضارة العصر.” ولا بأس في التذكير لعله يوقظ من هو غافل، وفي تحليل واجب للعبارات، نجد أول ما تسهر عليه الدولة، انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية، والانسجام لا يكون بتغول لغة غير وطنية على حساب لغات وطنية. أضف إليه السهر على تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم، والسهر إنما هو انكباب دائم، حسب هذا المنطوق، ولعل الممحص للفصل 5 من الدستور سيرى عبارة “كالأكثر تداولا في العالم” ليست بالعبارة الهينة، بل ويضيف المشرع، “والانخراط والتفاعل مع مجتمع المعرفة” كمبرر من المبررات التي استند عليها في إلزام الدولة بالسهر على تعلم وإتقان اللغات الأكثر تداولا بالعالم، إلى جانب اعتبارها وسائل للتواصل من جهة، بل ووسائل للانفتاح على مختلف الثقافات، وعلى حضارة العصر من جهة أخرى. ليبقى السؤال أين يمكن أن نضع الفرنسية؟، لو توافقنا في مسألة إعمالها ممارسة ما دام نص المادة 2 المتعلق بالتناوب اللغوي مفتوح على هذا الاحتمال أيضا حتى لا نحمله ما لا يحتمل، وهو أمر غير مشروع، هل في خانة اللغات الأكثر تداولا؟ وهي اللغة التي تتفوق عليها اللغة الوطنية “العربية” في ذلك، أم في خانة وسائل المعرفة؟ وهي اللغة التي لا تضاهي الإنجليزية ولا الإسبانية في ذلك، اللهم إذا اعتبرناها وسيلة لتقاطع الحضارات والانفتاح على الثقافات وهذا ما لا يجعلها تتبوأ مكانة سامقة، بموجبها تصبح لغة تدريس، بقدر ما يجعلها لغة ينبغي دراستها والانفتاح عليها وإتقانها. خلاصة الأمر، إن البرلمان المغربي بين مطرقة إصلاح منظومة التربية والتكوين، الذي يعد مطلبا طال انتظاره، وهو ما ترجم في القانون الإطار، كتنزيل لمخرجات الرؤية الاستراتيجية 2015-2030، وبين سندان إقبار اللغة العربية وتجميدها، في الممارسة ما دام النص غامضا مفتوح على الاحتمالات، وهذا ما يجعل الأمر شبيها بالعسل الذي يدس فيه السم، والأخير قد يقتل وإن كانت الجرعات قليلة، يكفي أن نقول أنها ستستمر إلى 2030 وربما تطول. هذا في الواقع ما من شأنه أن يكون مدخلا لإحالة هذا القانون قبل إصدار الأمر بتنفيذه للمحكمة الدستورية من قبل الجهات السياسية، الملك ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين وخمس أعضاء مجلس النواب وأربعين عضوا من مجلس المستشارين، حتى يتم التوفيق بين مبدأ الفصل بين السلط وكذا تعاونها وتوازنها، بحيث يجسد هذا التعاون والتوازن في تفعيل الصلاحيات التي يخولها الدستور لكل سلطة، وذلك درء لأي مزايدات مستقبلية.