من الصعب القيام بقراءة نقذية لقرارات مؤسسة دستورية كالمجلس الدستوري، اعتبارا لما لهده المؤسسة من موقع دستوري ووقار قضائي، وذلك بالنظر لبعض الثغرات التي تتخلل دستور 2011 في بنيته القانونية وما يثيره من تجاذبات سياسية حول حقيقة معاني مقتضياته، ولاسيما نتيجة تباين مفهوم الديمقراطية والاختلاف حولها لدى الاطراف السياسية، وهذا ما يضع هذا المجلس في موقع الحكم الحاسم للخلاف السياسي في بعده الدستوري، أي يجعل منه حارسا أمينا لمعبد الدستور، وإن كان المستهدف في العملية السياسية في المغرب ملائمة مؤسساتها للدستور، لذا فمن الطبيعي أن يعرف الخلاف السياسي حدته وينعكس جليا على العملية القانونية. وعليه فقد منح المشرع أطراف العملية التشريعية إمكانية التنازع أمامها حول مدى دستورية نص قانوني لينتهي قرارها بالحسم، ومن تم يكون باتا في منازعة دستورية على شكل طعن قانوني. إن المشرع وفقا للفصل 132 من الدستور حدد الجهة التي لها الحق في ممارس المنازعة القضائية الدستورية أمام المجلس الدستوري، وبذلك لا يمكنه مطلقا أن ينكر العدالة كلما تعلق النزاع بنص تشريعي يثير التساؤل حول مدى دستوريته. إن هذا الاختصاص المطلق الذي منحه المشرع للمجلس الدستوري وفقا لنصوص دستورية ضابطة له سنجعله سندا لنقاشنا للقرار رقم 922/13 م .د، في الملف عدد 1379/13، والذي ضمنه المجلس الدستوري قراره بعدم القبول، والحقيقة أن هذا القرار لم يكن فريدا، بل سبقه قرار في نفس الموضوع تحت عدد 1380/13 قرار رقم 923/13 ونص على نفس الحكم والتعليل. وقبل مناقشة قرار المجلس الدستوري لابد من الاشارة إلى فحوى النزاع، ذلك أنه وفقا للدستور وإعمالا له قام مجلس النواب بإعادة وضع نظام داخلي واستنادا على الفصل 132 من الدستور أحاله على المجلس الدستوري للبت في دستوريته، وعلى إثر ذلك تقدم رؤساء فرق المعارضة بطعن في مواجهة بعض فصول النظام الداخلي، ملتمسين من المجلس التصريح بمخالفتها للمقتضيات الدستورية. وبناء عليه، أصدر المجلس الدستوري قراره بعدم القبول بالاستناد إلى المادة 21 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الدستوري والفصل 132 من الدستور، وهو القرار موضوع تعليقنا. إن أي باحث سيتجه مباشرة إلى تعليلات قرار المجلس الدستوري لكونه "القرار" حينما يكتسب حجيته فإن تلك الحجية تنسحب كذلك على الحيثيات بوصفها السند الأساسي لمنطوق القرار. من هذا المنطلق فإن المجلس الدستوري علل قراره استنادا على الفصل 132 من الدستور، والفصل 21 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الدستوري، حيث بنى النتيجة النهائية على ما استخلصه القرار من هذين الفصلين. ونعتقد أن العقدة تكمن في مدى قدرتنا على إيجاد رابط فكري بين فصلين دستوريين في مجملهما كما تتمثل فيما خلص إليه القرار من حيثية مركزية اعتمدها في منتهاه . والحقيقة أنه من الصعب استخلاص ما وصل إليه المجلس الدستوري من نتيجة فريدة في علاقتها بالفصلين الدستوري والتنظيمي. إن قراء سريعة للفصل 132 من الدستور في فقراته الستة تجعلنا نقف على اختصاصات المحكمة الدستورية والجهة التي لها صفة التنازع، ثم الآجال، وآثار الطعن، ومسطرة البت في الملفات. ثم إن وقفة على مقتضيات المادة 21 من القانون التنظيمي للمجلس الدستوري لا تخرج عن نطاق الفصل الدستوري، أي تهم إحالة النظام الداخلي لمجلس النواب على المجلس الدستوري. وحيث إن المادتين القانونيتين تنصان على تعليق الإحالة الإجبارية على منع أية جهة من القيام بإجراءات الطعن فقد جاءت النتيجة التي آل إليها المجلس الدستوري دون سند واضح في هذين الفصلين، بل ان هذه النتيجة التي انتهى اليها المجلس الدستوري بمنع تقديم طعن لتضاربه مع وجوبية إحالة النظام الداخلي للبرلمان على المجلس الدستوري تتناقض وما ينص عليهما الفصلان 132 و 133 من الدستور، إذ كلاهما "الفصلان" ينحوان نقيض ما آل إليه المجلس الدستوري، ذلك أن الفصل 132 من الدستور يشدد على وجوبية الإحالة على الفقرة التي تليها والتي تنص على من له الحق في الطعن لم تستثني النظام الداخلي لمجلس النواب في الفقرة الثالثة للفصل الدستوري من مسطرة الطعن. وما يؤكد ذلك هو أن الفصل 133 من الدستور ألزم المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون ورغم أن هذا الفصل يهم الطعن بعدم دستورية قانون أثناء النزاع أمام القضاء العادي فإنه لم يخل بمبدأ الاختصاص المطلق للمحكمة الدستورية في البت في دستورية القوانين بجميع أشكاله، خاصة وأن العنصر المشترك بين المادتين 131 و133 هو طبيعة الدعاوى التي تدخل في اختصاص المحكمة الدستورية، باعتبارها دعاوى عينية يكون موضوع النزاع فيها هي النصوص التشريعية المطعون فيها لعيب دستوري. الهدف من ذلك إلغاء قوة نفاذ النص المقضي بعدم دستوريته. وإذا كانت المادة 132 من الدستور جاءت مطلقة بالنسبة لحق الطعن ولم يرد عليها أي استثناء فإن المطلق يجري على إطلاقه، خاصة وأنه لم يرد في الفصل 132 ما يفيد تعليق الإطلاقية نصا، أو دلالة، لكون اجتهاد المجلس الدستوري موضوع النقاش وقع على أمر قطعي، وهو حق النواب في الطعن، ومن تم لا يمكن الاعتداد باجتهاد يخالف نصا قطعيا، خصوصا إذا اتضحت دلالة اللفظ على المعنى بشكل لا يتطرق له احتمال كان ذلك منتهى الدلالة وغايتها كما يقول الفقهاء، ومنطوق المادة 132 تنص على دلالتها في إطلاقية ممارسة حق الطعن ولم يعلق عدم ممارستها على شرط الوجوبية، خاصة أن غاية المشرع في التنصيص على وجوبية إحالة النظام الداخلي لمجلس النواب على المجلس الدستوري يستند على مظنة خرق الدستور من طرف نواب الأمة وحماية لإعمال الدستور بشكل متساو وشرعي بين جميع أطراف العملية السياسية للدولة، وهذا الاحتمال سيطال حتى القوانين التنظيمية، باعتبارها نصوصا مكملة للدستور الدي تتفرع عنه عدة نصوص أخرى جزئية . إن هذا القرار الذي نختلف حول طبيعة الاجتهاد المرتبط به، له نتائج عكسية على عمل المجلس في علاقته بمجلس النواب، وفي إعماله لمقتضيات المادة 132 من الدستور. ذلك أن هذا الفصل الدستوري يقضي بوجوب الإحالة ليس فقط في ما يهم النظامين الداخليين لكل من مجلس النواب والمستشارين ولكنه ينسحب على القوانين التنظيمية. ولأن البعض قد يتجه نحو اعتبار هذا الحكم له من الحجية ما يجعلنا محرومين من الطعن في عدم دستورية مواد تنص عليها القوانين التنظيمية. وهنا قبل الحديث عن حجية هذا الحكم لابد من الاستشارة إلى أن الفصل 132 ينص على حق الطعن في جميع القوانين، وذلك بشكل مطلق دون الإشارة إلى القوانين التنظيمية كاستثناء، وعليه هل هذه القوانين التنظيمية ليست في آخر المطاف قوانين. يبدو أن هذا النقاش أصبح مفروضا علينا، لكون ما هو مطروح الآن هو: هل هذا الحكم القاضي بعدم القبول يمنعنا من الطعن في القوانين التنظيمية لاحقا ما دامت المحكمة الدستورية ربطت مسألة وجوب الإحالة بانعدام إمكانية الطعن والقوانين التنظيمية ترتبط كذلك بوجوبية الإحالة على المجلس الدستوري. إن الجواب عن هذا الإشكال هو الذي سيحدد تعاملنا المستقبلي مع ممارسة حق الطعن في القوانين التنظيمية، خاصة وأن الفقهاء الدستوريين كثيرا ما يؤكدون أنه إذا كان المجلس الدستوري يتمتع بنوع من السلطة في التفسير القضائي الصحيح للقوانين ومدى دستوريتها فإن هذا الاختصاص لا يجوز أن يكون محل جدل أو منازعة، ويظل الحل الفريد أمامنا هو تقييم مدى حجية هذا الحكم في مواجهة حق الطعن في القوانين التنظيمية، ومن تم هل تتسم حجية هذه الأحكام بصفة الإطلاق أو بصفة النسبية . من وجهة رأينا فإن الأحكام بعدم القبول لا تكون مانعا دون البت في دعاوى أخرى إذا توفرت شروط قبولها، سواء بالنسبة لأطراف الدعوى الأولى، أو لغيرهم، لكون أحكام عدم القبول لها حجية نسبية في وحدة الموضوع والخصوم والسبب، أما الأحكام التي تبت في الموضوع بالدستورية من عدمها لا تتقيد بأي شرط لأن لها نوعا من الحجية المطلقة، علما أن هذه الحجية بدورها فقط ترتبط بمنطوق الحكم وما هو متصل به اتصالا حتميا، ومن تم نعتبر أن القرار موضوع النقاش يهم الأنظمة الداخلية للمجلس دون غيره. في حين أن القوانين التنظيمية بغض النظر على أنها موضوع خلاف سياسي يتجسد في صيغ قانونية نسعى من خلالها إلى ادراك غاية المشرع المثلى فإنها لاتهم مجلس النواب في ذاته، أي في سلطاته واختصاصاته،أو في مجال اشتغال مكوناته، بل تهم إدارة الشأن العام والتي تخلق نوعا من المسافة بين المشرع والقانون لكون موضوع إدارة الشأن العام الذي يعود تنفيذه إلى السلطة التنفيذية باستثناء القانون التنظيمي للجن تقصي الحقائق. وعليه، فإننا مقتنعين بأن القوانين التنظيمية سيثريها إضافة إلى النزاع السياسي داخل البرلمان، النزاع الدستوري، الذي سيطرح على المجلس الدستوري باختلاف قدرة الأطراف على إدراك غاية المشرع الدستوري حول دستورية قانون من عدمه، فيكون قرار المجلس بالإضافة إلى الوجوبية قرارا مستندا على منازعة رفع فيها خلاف دستوري إلى المجلس الدستوري. وبذلك ستصبح قرارات المجلس الدستوري لطبيعتها العينية في مواجهة الكافة. إن رغبتنا الملحة في ممارسة المنازعة الدستورية أمام المجلس ليس ترفا فكريا، ولكن هو بالأساس محاولة المساهمة في النقاش الدستوري لبناء دولة القانون، والحقيقة أنه كان لنا نقاش داخلي طويل بين بعض نواب مجلس النواب حول مدى أحقيتنا في الطعن، وكانت عدة اقتراحات منها الادلاء بمذكرة توضيحية تضم إلى محضر جلسة التصويت وإحالته مع النظام الداخلي على المجلس الدستوري، لكن لن تكون طعنا لغياب الاجراءات الشكلية، بل لن يلزم المجلس الدستوري في شيء لكونها ليست طعنا كما ينص عليه القانون. وعليه قررنا الطعن للتعبيرعن تصورنا كنواب حول دستورية بعض المواد، وكنا نأمل أن يضمها المجلس الدستوري إلى ملف الإحالة التي تمت وفقا للقانون من طرف مجلس النواب ويصدر قرارا واحدا لوحدة الموضوع ووحدة الأطراف، إلا أن المجلس الدستوري قرر تغييبنا قسرا، خاصة أن ملاحظاتنا على بعض الفصول الدستورية بت فيها دون التعقيب على تقييمنا الدستوري فقط لتوحيد الرؤية حول غاية المشرع الدستوري. إننا نشعر بتخوف كبير على دور مجلسنا الدستوري ومدى قدرته على مواكبة التحولات التي يعرفها المغرب، لكون النص الدستوري ليس هو الذي يفسر تطور العملية السياسية، بل الواقع السياسي هو الذي يصنع رؤية المشرع الذي وضع الدستور، فهل سينئى المجلس نفسه عن كل هذا النقاش الذي تعرفه بلادنا، أم سيكتفي بالاختباء في تفسير ضيق للألفاظ اللغوية للفصل الدستوري، أم سيعطي لهذا الدستور نوعا من الديناميكية السياسية التي ستساهم في بناء دولة الحق والقانون.