حين اعتبر رئيس الحكومة المغربية السابق عبد الإله بنكيران أن المدافعين عن العلمانية ينبغي لهم إحداث ثورة تقتلع الملكية بحجة إمارة المؤمنين وأن المجتمع قائم على الدين، على الرغم من مغالاته، فإن النصف الآخر من القول فيه كلام واقعي وهو أن المجتمع قائم على الدين، ولا يتعجب المتابع لأراء الرجل وخرجاته، فهو رأي في الحقيقة خدوم لخطه السياسي، لكن هل هذا يعني أن نسيس الدين، ونتحجج حينما نخل بالتزاماتها السياسية مع المواطن بالقدر خيره وشره وما إلى غير ذلك… نرجئ ذلك لما بعد؟ الحقيقة، عندما تطالع علمانيا فإنه يستحضر لك. وابلا ومن الفلاسفة والحجج لتعزيز طرحه، وكثيرا ما تردد على لسان البعض الدكتور الجابري، فهل الجابري يدعم قولهم؟ إن الطرح الذي يطرحه الجابري “رحمه الله”، في الواقع يثير إشكالية هل يمكن تصدير الديمقراطية؟، بحيث يؤكد على ضرورة الإحاطة بمعنى “العلمانية” كمفهوم في مجاله الأصلي، حيث توجد الكنيسة كمؤسسة دينية، ليبين بالتالي أنها تعني إخراج سلطة الشؤون الدنيوية يد الكنيسة إلى الدولة، ليستنتج أن عدم وجود كنيسة في الإسلام رهين بأن لا يدعم طرح “فصل الدين عن الدولة” باعتباره فصلا للسياسة عن المجتمع، لأن سلوك الحاكم يوزن بمقاييس دينية، بما أنه فرد من المجتمع المسلم، لكنه يأتي بطرح أن يؤخذ من العلمانية الغربية ما يحتاج إليه في مجال الحداثة، والديمقراطية والعقلانية… لو تمحص العلماني في هذا الطرح لوجده طرحا أسلم وإلا جاز القول بأن الديمقراطية تصدر وتستنسخ، والواقع بل الأحق، أن هذا قول غير علمي ولا طعم للدقة فيه والتمحيص، حسب ما أقره عدة مفكرين غربيين أنفسهم، فلئن كانت الديمقراطية كما هي بالغرب لها إيجابيات، فأيضا لها بدون غضاضة سلبيات، وذلك أمر جد عادي، فالمفاهيم والمصطلحات والشعارات تنشأ في مجتمعات بشكل معين، وقد تجد نفس اللفظ في مجتمع آخر “العلمانية نموذجا” بشكل يتوافق معه ومع إرهاصات تشكل نظامه التاريخية، فالتاريخ بمثابة الولد المشاغب في بناء الدول ونظامها السياسي كمثال على قدم الفكرة الديمقراطية بالمغرب حتى لا يقال مدعيا، يؤكد الفقيه الدستوري الفرنسي موريس دوفرجيه، وهو أحد المساهمين في وضع دستور 1962 بالمغرب، أن المغرب عرف شكلا قديما من الديمقراطية الأمازيغية، إبان فترة ما قبل العصر البونيقي، ذلك ما ذهب إليه أيضا عبد الكريم غلاب المؤرخ المغربي، بل ويضيف جورج بوردو، مستندا إلى تفسير شيخ الإسلام ابن تيمية للآية 4 من سورة الشورى، أن رئيس الدولة في الإسلام مأمور بأن يشاور الشعب، معتبرا أن هذا دليل على قدم النظام التمثيلي، هذا لا يعني بأننا نعضد فكرة التشابه بين الديمقراطيات لكن هل هذا مؤداه أن ديمقراطية مجتمع ينبغي أن تتشابه وديمقراطية مجتمع آخر من حيث تمثل المفهوم والمصطلح، بالطبع لا، بل فقط ينبغي أن تحترم الأركان الأساسية التي يقوم عليها، وما دامت العلمانية تحتضن هذا المفهوم “الديمقراطية”، ذلك.ما نعده مبررا للتخبط بين مفهومي الديمقراطية والعلمانية، وإلا فإن الدين لا ينفصل أبدا ومطلقا عن السياسة حتى في المجتمع الغربي، بل هناك فصل لمؤسسة دينية عن القرار، خوفا من عودة الماضي الأسود الذي خلفه تدخلها في القرارات، ومن منا لم يطالع بحساسية تفرضها الإنسانية قصة محاكم التفتيش، وقصص الإعدامات التي لطالما وقفت خلفها تلك المؤسسة، في تحالف مع السلط السياسية، كل هذا يعزز طرح أن الغرب لم يتمثل العلمانية كما يتمثلها إخوتنا هنا باعتبارها فصلا للدين عن مؤسسة الدولة، التي هي المجتمع بأركانه المادية والمعنوية ولنفترض أننا نبعد الدين عن الدولة، فإن اللاوعي لاعب أساسي، والتنشئة الاجتماعية، والذاكرة… كلها عوامل تدحض طرح “عدم تأثر المسؤول السياسي بقيم دينية من شأنها أن تؤثر على القرارات التي يتخذها ويدافع عنها”، هذا بعيدا عن النظرية قريبا من الواقعية وما هو عملي، إنما لغة الواقع تفترض الدفاع لا عن فصل الدين عن الدولة، بل عدم تسيس الدين، هكذا تجد العقلانية ممرا للبعض.