منذ أن أكملت عامي الرابع وأنا أدرك أنني مختلف عن باقي الأطفال، وأنني أعيش في عالم غير عالمكم… إسمي ” وحيد ” لم تكن أمي تعرف أن هذا الإسم الذي أطلقته عليّ سيكون فعلا يشبهني في وحدتي، وحدتي التي تعتبرونها أنتم نقصا ومرضا… لكن وحدتي هذه تروقني، فعالمي الصامت الهادئ أجمل بكثير من عالمكم الصاخب المظلم، كل شيء فيه مخطط ومبني عكس عالمي الصغير الذي أرسمه بداخلي كما يريحني، ولا أدخل فيه سوى أمي التي تحبني والقليل ممن أثق بأنهم لن يخدشوا حرمة عالمي … لم أحب يوما الإسم الذي تلقبونني به ولكن أمي كانت دائما تقول أن كلام الآخرين ليس مهما وأنني وحيدها الجميل. لاحقني هذا الطيف الذي تخافون منه وأنا في سنتي الرابعة، وهو ما أثر على كلماتي وعلى تواصلي مع الآخرين، هذا ماكانت أمي تجيب به عن الأسئلة المتكررة التي يطرحها كل من زارنا والتي صرت أحفظها؛ لماذا وحيد لا يتكلم؟ لماذا إبنك عدواني؟ … كانت أمي تتحمل كل الكلمات الجارحة بقلب صلب ولم تكن تظهر ضعفها أبدا، لأنها كانت متأكدة من أنني أتكلم لكن هم من لا يسمعون حديثي… نعم أنا أتحدث لكن يجب أن تفهم عالمي كي تفهم حديثي. كان الجميع يعتقد أنني قليل الفهم وأن عقلي لا يشتغل لكن أمي كانت عكس الجميع فهي كانت تحرص دائما على أن تبعد عني كل ما يخيفني كالأصوات المرتفعة والأضواء الساطعة، وكانت تعلم أيضا أنني لست قليل الأدب حين لا أدع أحدا يلمسني بل إن الإحساس باللمس يؤلمني . كنت أحب أيضا أختي آمنة التي كانت تشعرني بالأمان، تفهم حاجتي للأشياء فقط بالنظر إليها، لم تكن تلح عليَّ لكي أتكلم ولكنها كانت تسمع لغتي الصامتة… لم أحب يوما زيارتنا لمنزل الأقارب وكنت دائما أشعر بالإنزعاج، لأن أولادهم كانوا دائما ينعتونني بالمجنون والغريب لأنني كنت أجلس بمعزل عنهم . كنت أحب تقليد الحركات التي يقوم بها أبي في الصلاة فلم يكن ينزعج من ذلك بل كان يترك لي مساحة صغيرة بجانبه . أمي أبي أختي كلهم كانوا يحبونني ويسمعون صوت الفرح بداخلي وهم يهتمون بي، كانوا الوحيدين الذين يفهمون جوعي وغضبي وخوفي وفرحي ويتحملون نوبات غضبي وصراخي الهستيري من حين لآخر، هم فقط من أحسست أنهم يحبونني بصدق . هل تعلمون لماذا أنتم لا تسمعون صوتي ؟ بكل بساطة لأنكم لا تحبونني بل تشفقون علي. حاولوا أن تدخلوا عالمي بقلب صادق وافتحوا لي قلوبكم لكي أدخلها… أحبوني كي تسمعوا كلماتي الصامتة . 1. وسوم