أمي، أحس بالحرارة في كامل جسدي، رجلاي لاتقويان على الحركة. أنتظر مجيئك منذ الصباح. لا أعرف ما الذي يشغلك عني؟ أحتاج إلى حضنك وإلى أن تقولي لي كلمات يمكنها أن تشفيني. جاءت عمتي هذا الصباح وقالت « هاته البنت ستموت» ما الموت ياأمي؟ هل هو أقبح من الحمى وألم اللوزتين؟ إلى أين يذهب الموتى؟ أعرف، هناك أطفال ماتوا في الصيف الماضي. سمعت جدتي تقول ذلك للجارة التي تأتي وتقول « هاته البنت حية رغم مرضها وقد مات عشرة أطفال خلال الصيف الماضي» ما معنى أن يموت الآخرون وأبقى أنا. أشعر بذنب الحياة فيما هم ميتون. حياة غريبة تدب في جسدي رغم الوهن. أريد أن أعيش أمي، أن أجري ، أن ألعب في أزقة القصر. أمي هل تريدينني أن أعيش؟ قولي لي ذلك لأحيا وأتغلب على المرض. تعالي بقربي وضميني إليك. أريد أن أشم رائحتك. كيف هي رائحتك؟ لم تقتربي يوما لكي أشمها. لماذا لاتقتربين؟ هل أنت خائفة من جسدي السقيم؟ أنا أيضا خائفة من هذا الجسد العليل. أحلم أن أستيقظ في جسد آخر، ربما جسد أختي البيضاء البشرة والتي تلعب وتجري. قولي لي أمي أنني سأشفى وقولي للآخرين أن يتوقفوا عن إزالة الغطاء على وجهي والتصريح أنني سأموت. لا أريد أن أموت الآن. رغم المرض أحلم أنني سأكبر وسأساعدك في كل شيء. في فرشتي أرى أحلاما كبيرة. أراني شجرة يانعة يستظل الناس بظلها. هل سأصير شجرة يا أمي حين سأمضي إلى العالم الآخر؟ هل تموت الأشجار يا أمي؟ عمتي عيشة تقول إن النخل يموت بسبب البايوض. هل سيصيبني البايوض حين أصبح شجرة؟ ماذا يصير الأطفال المرضى حين يكبرون؟ هل يجرون أجسادهم العليلة التي لايريد رؤيتها أحد. أنت لا تأتين إلى فرشتي لكي لاتري جسدي النحيل. هل خيبت ظنك أمي؟ ربما حلمت بطفلة جميلة معافاة ؟ سامحيني يا أمي لأني خنت حلمك الجميل. أمي إني أرى رؤيا، أني أسير بين النجوم، هناك في السماء. أتحول إلى نجمة والقمر يسجد لي. هل سأتحول إلى نجمة حين أمضي أم أنه لاقدر غير التراب؟ أحب رائحة التراب حين ترشين الأرضية بالماء. أحب أن أسمع هسيس الشطابة المصنوعة من سعف النخيل. أمي لولا النخل لمتنا جميعنا في هاته الواحة. في التمر أكلنا وعلف الدواب وسعف الشطابة. تعالي أمي إلى فرشتي، لاتخافي، أنظري إلى عيني. لاتنظري إلى بطني الضامر وسيقاني الفارغة. اكتفي فقط بالنظر إلى عيني. العينان مرآة الروح وروحي سليمة ومليئة بالكثير من القبل والأحلام. هل تحلمين مثلي ياأمي أم تكتفين بقدر الكنس؟ أحلم بعالم شاسع لامرض فيه ولا أدوية مرة. أحلم بكواكب بعيدة وأقضي الأًصياف في بقاع جوها لطيف ليس مثل الواحة حيث يختنق الجميع ويموت الأطفال. حين سأشفى سأحملك أمي كي تري أًصدقائي الكواكب، كي تري القمر والنجوم. النجوم قريبة حين نسهر في السطح. يخيل لي أنني سأمسكها بيدي. تعالي أمي لنمسك بأذيال النجوم ونطير إلى حيث الله يضمني إليه بحنان. إسمي حنان أمي هل أنت التي اخترت إسمي؟ هل تريدين أن أكون حنونة مع الجميع؟ هل هناك شر في العالم أمي؟ لم أر من هذا العالم غير فرشتي والسطح وجزءا من الزقاق حين تفتحين الباب. لا أعرف شيئا عن العالم ولا عنك. ماذا تحبين؟ ماذا تكرهين؟ فيم تفكرين؟ أراك طيلة اليوم مشغولة ومنحنية على غسيل الأسرة والطبيخ. هل ذلك سيكون مآلي حين سأكبر؟ مالذي ينتظر البنات في هاته الواحة حيث يموت النخل ويسافر الرجال من أجل جلب المال؟ هل لابد من المال في الحياة ياأمي؟ هل يحضر أبي المال من سفره الطويل؟ أرسل لي دواءا ذات مرة، دواء مرا لا أحب أن أشربه. لا أريد أن أشرب الأدوية، أريد حليبا لكننا لانتوفر على بقرة هل نحن فقراء ياأمي؟ مامعنى الفقر يا أمي؟ هل هو العجز عن شراء الحليب؟ تعالي أمي أحضري لي حليبا ساخنا مع سكر وتعالي نسافر بين النجوم . أحتاجك في أسفاري فأنا لا أحتمل الوحدة. تعبت من وحدتي تحت الأغطية الخشنة. لماذا تغطينني بأغطية تفتك بجلدي؟ أريد بعض النعومة أمي ، أعرف أن هناك أغطية ناعمة في الدنيا.أتخيلها من ريش الحمام. أمي اصنعي لي غطاء من ريش الحمام أرجوك أمي. تنجداد 1976 عمري خمس سنوات. أتعلم المشي أخيرا بعد أن شفيت من مرض أٌقعدني في الفراش لسنين. حياة هادرة دبت في جسدي. أذرع البيت مرات عديدة . أخرج إلى الزقاق وألعب مع صديقاتي وأختي. الزقاق به تيار هواء منعش. أحب أن أجري باتجاه الضوء المتسلل إلى الزقاق. أجري، أجري وأسابق حبات الخرذل التي تتساقط على شعري، ليست حبات خرذل، إنها نجوم وأنا أطير من نجمة لأخرى. أجري إلى أن أتعب وأجلس على الأرض الندية. رائحة التراب تبعث الطمأنينة في قلبي. لا أحتاج شيئا غير هاته الرائحة. بهاته الرائحة عوضت رائحتك أمي. لماذا لاتقتربين مني؟ انظري لقد شفيت ياأمي تعالي وعانقيني، لن أموت، سأعيش رغم الموت المتناثر في هاته الواحة التي تمضي إلى الخراب. أية رائحة تضعين أمي؟ بماذا تتعطرين؟ هل يهديك أبي عطرا حين يعود من المدينة؟ أبي يعود بدون هدايا. أب راضية أحضر هدايا، ملابس وحلوى لراضية وإخوتها, أبي فقير ، لايملك ثمن الهدايا. أفهم ذلك. تقولين أنه علينا أن نقتصد في كل شيء لكي يكمل دراساته، بعدها سيعم الخير. لابأس أمي سأتخلى عن كل الرغبات، ساؤجل الحياة إلى أن ينتهي أبي من أحلامه. في انتظار ذلك أسافر كل يوم بين الكواكب وأقطف النجوم. لا أحد سيعيقني عن حلمي ببلوغ النجوم وبالسفر في المجرات. لا أرى بوضوح ماهو أمامي. هناك ضباب شديد. لا أتعرف على ملامح الناس جيدا و لا أحييهم. لماذا نظري قصير أمي؟ هل أشبه أبي؟ هل سأضع نظارات أنا أيضا؟ لن أكون جميلة بالنظارات، ما رأيك أمي؟ أريد أن أشبهك ، أن أرى جيدا وأعمل كل شيء في البيت. أعرف أنك لاتعانقيني لأنك مشغولة. أريد أن أحمل عنك قدر السخرة. أعرف أنك تتعبين في البيت في إطعام أبي وأًصدقائه الكثيرين. سأساعدك وسنتكلم قليلا. أدخل المطبخ، أغسل القصبور وأقشر الحمص لكنك لاتتكلمين. هل أخطأت في شيء أمي؟ لماذا أحس أنني مذنبة بمقدار ماتبتعدين؟ أريدك أن تقتربي قليلا كي أشعر بالحياة، أن أحس أنك تريدينني أن أعيش.أعطني موافقة ، موافقتك كي أحيا. قولي أي شيء. هذا الصمت قاتل يا أمي. تظلين صامتة. تتحدثين فقط حين تأتي صديقاتك الكثيرات، القريبات الفقيرات مثلنا. سافر أزواجهن. أجلس بالقرب منكن وأنتن تنصتن لحادة اوعكي تحكي عن الحياة وعن انتظار الزوج. أنا أيضا أنتظر عودة أبي وانتظار الأب أقسى من انتظار الزوج. ليتك أمي تسألينني عن هذا الإنتظار، عن الألم وعن الخوف في هذا البيت الطيني المظلم. لماذا لاتدعينني للإستماع إلى حادة أوعكي. أحب الغناء يا أمي. نحن متشابهتان في هذا فلماذا لانلتقي؟ هل تسعين إلى اللقاء مثلي؟ هل تحترقين من أجل عناق مثلي؟ أفضل أن أموت على هذا الصمت القاتل الذي بيننا. لاأعرف كيف هن الأمهات الأخريات لكني أحس أنهن يعانقن بناتهن ويلعبن معهن. ليس لديك وقت للعب أمي ، أعرف أن اب يأخذ كل طاقتك. يجب أن أساعدك، أن أحمل عنك همك. سأفعل كل شيء لكي ترتاحي. أحبك ياأمي ولا أقبل أن تأتي جدتي تلك الشمطاء وتسبك. أسبها وأطردها من البيت وأقذفها بالحجر من أجلك، تنصرف وتنهريني لماذا ياأمي أنا لاأفعل سوى الدفاع عنك. هل تحبين إهانات تلك المرأة التي تأتي وتأخذ نصف مؤونتنا تاركة إيانا للجوع. أريد أن تقفي أمامها وتردي عليها، أرجوك أمي افعلي، انتفضي من أجل كرامتك