جئت تونفيت قبل أن أتمم عقدي الأول، كانت تلك القرية بالنسبة لنا أبناء القرى الصغيرة جدا، عالما كبيرا ، اعتقدت قبل أن ألجها صباح يوم سبت بداية التسعينيات أنها مدينة كبيرة لا وجود فيها للفقراء، ومن الطرائف التي علقت في ذهني، أنني وعدت أصدقائي في القرية الأم، أن أرسل لهم كرة القدم التي سأجدها في مطرح النفايات، لأننا كنا نلعب الكرة بالجزء السلفي من قنينة بلاستيكية، وكانت لنا قوانين خاصة في اللعب تختلف عن القوانين التي سأكتشفها في ما بعد. دخلت تونفيت وعشت بين دروبها وأزقتها،و مع سكانها البسطاء المتضامنين والمتعاونين فيما بينهم وفاء لقيمهم الأمازيغية الأصيلة، واكتشفت أنها لا تختلف عن قريتنا الصغيرة في أعالي واد زيز، إلا في بعض التفاصيل الصغيرة، كبرت هناك وكبرت أحلامي، وصرت أبحث عن سبل المساهمة في تغيير ذلك البؤس، وإنارة شمعة وسط ظلامها الحالك، من خلال المشاركة في أنشطة رياضية، وثقافية، منذ أن كنت تلميذا في الابتدائي، وفي الأسبوع الأخير من شهر يناير 2019، لنا لقاء هناك مع شباب تونفيت لمناقشة قضية ثقافية تهم السينما والشباب و الأمازيغية. لكن ما بال هذه القرية لا تطل علينا في الإعلام إلا وهي مقرونة بمآسيها ؟ قبل أيام عادت قرية تونفيت المنسية وسط جبال الأطلس الكبير الشرقي، لتصبح مادة دسمة للتناول الإعلامي في مناسبتين، لهما علاقة في العمق بجذور الفقر والمآسي التي تعيشها الساكنة منذ زمن، فبعدما مرت عشر سنوات تقريبا على الكارثة التي عرفتها قرية أنفكو، والتي تحولت إلى مرجع للتعرف على تونفيت، فكلما التقينا أحدا في المناطق البعيدة عن تونفيت وأخبرناه عنها إلا وجاء على لسانه ذكر أنفكو. كانت تونفيت وجهة وسائل إعلام دولية منها قناة الجزيرة القطرية، التي كانت تهيمن أنذاك على باقي القنوات الفضائية الناطقة بالعربية لامتلاكها شبكة قوية من المراسلين، وتناولها للقضايا الساخنة والمحرجة في بعض البلدان ومنها المغرب وتونس. كان القطاع الصحي المتأزم بقرية أنفكو وباقي القرى المجاورة سبب تلك الضجة سنة 2007، التي استدعت زيارتين ملكتين للمنطقة، عرفتا تدشين مشاريع مختلفة بعضها لم يظهر له أثر كالمسجد الكبير بتونفيت، وبعضها أقبر قبل الأوان . أصيب أطفال قرية أنفكو بمرض غريب جراء الانخفاض الحاد في درجات الحرارة، ومات منهم سبعة وثلاثون، فدق المجتمع المدني ناقوس الخطر، فهبت وسائل الإعلام لتناول الحدث، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت المنطقة تستفيد من إقامة مستشفى عسكري مؤقت خلال أشهر الشتاء الباردة، للحيلولة دون تكرار كارثة 2007 . ظهرت تونفيت من جديد على ألسنة الصحفيين وفي فيديوهاتهم وقصاصاتهم الإخبارية مؤخرا، بعد اعتقال طالب مجاز في الحقوق، يعاني من مشاكل نفسية ، تثبتها شواهد طبية توجد في حوزة أسرته، بعد تدوينة طائشة حول قضية السائحتين السكندنافيتين، ضحيتا منطقة إمليل نواحي مدينة مراكش، هذه الجريمة لها علاقة بأشخاص لهم توجهات متطرفة. هذه مأساة أخرى يعيشها الطالب المعتقل، وأسرته و عائلته، وتعشيها البلدة ككل، فلو كانت المنطقة مؤهلة ببنيات صحية وطبية متطورة، لوجدنا الشاب في قاعة للعلاج بعيدا عن وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت أخطارها أكثر من محاسنها، والمستقبل سيكشف عما هو أخطر مما نعيشه اليوم. القضية الثانية تخص اعتقال شخص يعتقد أنه وراء جريمة القتل الشنيعة التي عرفتها منطقة لحد واد إفران قرب مدينة مريرت، والتابعة إدرايا لإقليم إفران، هذا الاعتقال جعل الصحافة تتناول تونفيت، ولو بطريقة غير مهنية، فبعض الصحف سمعت تونفيت والجبل، ومع كثرة الإشاعات حول مطاردة أمنية للمتهم وسط الغابات والجبال، نشرت أنه اعتقل بكهف في تونفيت، وقد كشف ذلك عن تمثل بعض صحفيي المركز لهذه المناطق النائية، وهو تمثل الكثير من السياسيين لها، فلا يعرفون الطريق إلى تلك البقاع إلا زمن الانتخابات بحثا عن أصوات تضمن لهم مقاعد مريحة في المجالس المنتخبة. قدر تونفيت أن تعرف بمآسيها، وهي التي عرفت أراضيها معارك ضارية ضد الاستعمار في أمالو ن أيت علي وبراهيم و تازيزاوت، وسيدي يحيى أيوسف، كما أنها منطقة غنية بمؤهلات سياحية طبيعية وبشرية، وثروتها الغابوية التي لم تستثمر للأسف إلا في ملء جيوب مافيات التهريب والمتعاونين معها، وتزيين قصور وفيلات كبار المسؤولين في المركز.