بعد خمسة سنوات من الترقّب والبحث عن وسائل مشروعة برلمانيّا لوَضع اليَد في ماعون التّجّار، تَعُود المادّة 145 مكرّر من قانون ماليّة 2014 في حُلّة جديدة، حاملةً الشّوكة والسّكين لإقتطاع أنصِبَة الدّولة من أرباح مّالين الحوانت. تعودُ مُعَدّلة ومُحَيّنة في قانون الماليّة 2019 تحت نَفس الرّقم، ولكن بمضامين متطوّرة تكنولوجيّا مقارنة بسابقتها التّقليديّة، وينُصّ فَحواها على وُجوب التّعامل بالفواتير المُرقّمة والمَسحوبة من سلسلة متّصلة، عكس السّالفة التي كانت تنصّ على وجوب مَسك سِجلّ تُدَوّن فيه المعاملات التّجاريّة اليوميّة!! مشكلة الحكومة أنّها عندما تُشرّع القوانين، لا تكون غالبا بناءً على دراسات ميدانيّة عميقة، بل تكتفي بما يُبرّر قراراتها من قناعات، يَطغى عليها هاجس توفير الميزانيّات، متجاوزةً بذلك مهامّ التّمثيليّات، التي إذا ما وُجدت شكلا!! فإنّما تكون لأجل مَلء فراغات، يَفرضُها طابع السّير العادي للإجراءات المتّبعة، بغرض إخراج القوانين إلى حيّز التّطبيق بشكل صُوري لا أكثر!! حالة التّنويم التي تشهدها التّمثيليّات في قطاع التّجارة، ونحن نلاحظ الوثيرة المتسارعة التي تسير بها باقي القطاعات، أمرٌ مُبهم وغير مفهوم، سيّما وأنّ العَصرنة فرضٌ باتَ يُلاحقنا شيّابا وشبابا في كلّ مناحي الحياة، ولم يعُد حكرا على فئة دون سواها، وهنا تكمن مسبّبات الإحباط السّائدة بشكل غريب في قطاع تجارة القُرب، بحيث نرى كيف تنتعش الأسواق العصريّة على حساب الموت البطيء، الذي يتغلغل في جسد قطاع البقالة التّقليديّة أو تجارة القُرب بشكلها “المُحافظ” إن صَحّ التّوصيف. كلّ هذا والغُرف والتّنظيمات المهنيّة خارج التغطيّة، غائبة أكثر ممّا هيّ مُغيّبَة، لا تواكب المستجدات التي تشهدها السّاحة، ولا تتفاعل معها بالجديّة المطلوبة أو حتّى بالفطرة الطّبيعيّة، بل لا تُلقي بالاً للزّمن الثّمين، الذي يُهدر في أمور ثانويّة لا علاقة لها بهواجس المُنتسبين، الذين هُمْ أيضاً مُنشغلون بالدّفاع عن “مكتسباتهم” بطرق تَخلو من أيّ تأطير في مستوى المَرحلة. الأكيد أن أعراض الفُجائيّة التي يُعاني منها قطاع التّجارة، لا ينبغي أن نُحَمّل تداعيّاتها مائة بالمائة للغُرف والمنظمّات المهنيّة فقط، بل يتحَمّل جزءً من أوزارها أيضا مهنيّون، رَكّزوا كلّ إهتمامهم على مسألة الرّبح الآني والأناني، مُعتقدين أن التّمثيليّات إنّما هيّ موجودة لحماية المصالح الشخصيّة، وما التّقربُ منها أو وُلوجها أو الإنخراط فيها سوى ضمانة مؤقّتة لتفادي المحتمل الوقوع فيه من المشاكل، التي غالبا ما يظنّونها عابرة، وهذا ما يُفسّر التّشوّهات التّشكيليّة لأغلب التّمثيليّات، إن لم نقل جميعها، وكذا الأعطاب التي تظهر في تركيباتها وأشغالها ومُخرجاتها، ومن هُنا دَبّ الوَهن في جسد القطاع، وسادت الضبابيّة. وبعد أن كان قطاع تجارة القُرب رائدا وقويّا بحُماة الأمن الغذائي وخُدّام السّلم الإجتماعي، أصبح صفقة تلهثُ وراء الظّفر بها لوبيّات، تُتقن كلّ شيء، ما عدا العرفان بجميل مول الحانوت، ولو إقتضى الحال تدويبه في دكّانه بنار القوانين، ما قَصّرت في ذلك قَدر المُتاح! ما دام هوّ أصلا يرى النّار تُحيط به من كلّ جانب، ومع ذلك يُصرّ على أن لا يتطوّر نظريّا وتطبيقيّا، يَقرأ البلاغات الإستنكاريّة بلا طائل، ويَسمع التّصريحات الدّونكيشوتيّة تَمويها لكلّ مُجادل. خُلاصة القَول أنّنا مُستمرّون في تبرير عجزنا عن مسايَرة الرّكب، بما تمليه الظّروف الرّاهنة، ولو كانت الغُرف والتّنظيمات المهنيّة تُطوّر من أدائها، وتَعكس مجريات السّوق وتطلّعات من في السّوق، لَمَا كانت مجرّد فاتورةٍ مسحوبة من حاسوبٍ، هيّ سَبب شقاء جمهور عريض من حَملة هَمّ القدرة الشرائيّة في مغرب القرن الواحد والعشرين، ولكن التّشكيلات أثناء إختيار أعضائها، لا تقوم على قاعدة الأفضل فالأفضل، بل على مَن له الفضل وبه الفضل والقائمة تَطول إلى آخر مستفيدٍ من “ريعٍ” مثل هكذا فَضل!! * رئيس لجنة الإعلام والتواصل – غرفة التجارة والصناعة والخدمات بجهة الرباطسلا القنيطرة