في سياق الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى يخلد العالم في هذه الأيام الذكرى المئوية الأولى لنهاية الحرب العالمية الأولى، وذلك بعد أربع سنوات على ذكرى مرور قرن كامل على انطلاقتها. وقد شهدت فرنسا قبل أيام احتفالات ضخة بمناسبة المائوية الأولى لنهاية الحرب حضرها عدد كبير من قادة ورؤساء وملوك الدول، خاصة تلك التي شاركت في هذه الحرب. وأثارت هذه الذكرى الكثير من النقاشات حول موقع هذه الحرب والكثير من الفاعلين خلالها في الذاكرة الجماعية. بيد أنه يلاحظ أن علاقة المنطقة المغاربية بهذه الحرب وتمثلات أهلها لها وتأثيرها عليها وتأثرها بها ظلت من المواضيع التي طالها الإهمال والنسيان من طرف الذاكرة الجماعية والكتابة التاريخية الغربيتين على حد سواء منذ نهاية الحرب إلى اليوم. وفي هذا السياق المتميز بكثافة حضور ذكرى الحرب وتداعياتها على الدول والمجتمعات والعقول، أصدرت المجلة الأكاديمية هيسبيريس تامودا، التي تصدر عن كلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط، عددا خاصا بهذا الموضوع تحت عنوان “المغارب: منطقة منسية من الحرب العالمية الأولى”. واعتبر العدد، الذي يحمل رقم LIII المجلد الأول لسنة 2018، أن المسافة الزمنية بين الحاضر وبين زمن الحرب قد أصبحت واسعة بما يكفي لفتح ورش جديد لدراسة تاريخ هذه الحرب، باعتماد مقاربات لهذا التاريخ تعيد الاعتبار للمهمشين وللمواضيع والمجالات المنسية فيه، وذلك في إطار نظرة شمولية لهذه الحرب تأخذ بعين الاعتبار دراسة مساهمة مختلف المجالات وتمثلات كل الأطراف المتحاربة خلال ذلك الزمن. كما يهدف هذا العدد إلى رفع النسيان والتهميش عن المشاركة المغاربية في الحرب وتخليصها من المقاربة الاستعمارية، وتجاوز التاريخ العسكري بالاستثمار في التاريخ الاجتماعي والثقافي لفهم وتوضيح التحولات التي أحدثتها الحرب في هذه المنطقة وتجلياتها. وقد جاء العدد غنيا بمقالات علمية رصينة لمتخصصين مغاربة وأجانب ينتمون لتخصصات معرفية متنوعة، وكتبت بالعربية والفرنسية والإنجليزية. وتتمثل أهم المواضيع التي تناولها فيما يلي: – مختلف أشكال الدعايات والدعايات المضادة التي كانت المنطقة المغاربية مجالا لها خلال زمن الحرب، سواء الدعايات القادمة من أوربا أو المنطلقة من داخل هذه المنطقة المغاربية نفسها. واستهدفت كل الأطراف المتحاربة من هذه الدعايات كسب عقول المغاربيين وقواتهم العسكرية ومشاركاتهم في الحرب، وقد وظفت عدة وسائل متنوعة لتحقيق ذلك من بينها وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، والرسائل، والصور، والطرق والزوايا، والفتاوى الدينية. – دور الدين في هذه الحرب، حيث تم اللجوء إلى استعمال الورقة الدينية والدعوة إلى الجهاد كسلاح في المعركة، ومن ذلك الدفع نحو نوع من المنافسة حول الشرعية والزعامة الدينية والخلافة في العالم الإسلامي بين السلطان العثماني الذي أيد الألمان وبين سلطان المغرب الذي كان إلى جانب فرنسا، ودور ومواقف مختلف الهيئات الدينية، وخاصة الزوايا والطرق الدينية في التعبئة للحرب. – إعادة تشكيل الهويات: شكلت فترة الحرب لحظة فارقة في بناء وإعادة بناء الهويات في المنطقة المغاربية، سواء تعلق الأمر بالهويات السياسية والدينية والثقافية أو بالذاكرات والتمثلات الجماعية. – المساهمة المغاربية في الحرب سواء من حيث العنصر البشري المحارب أو من ناحية الإمداد بالحاجيات الاستهلاكية والاقتصادية. فقد قام المجندون المغاربيون المشاركون في الحرب، الذين بلغ عددهم حوالي 300 ألف مجند مشكلين بذلك أكبر عدد من المجندين في مختلف القوات العسكرية، بأدوار عسكرية أساسية، بل وحاسمة، في كثير من المعارك وفي تحرير عدة مناطق. كما أن المساهمة الاقتصادية والمالية المغاربية في المجهود الحربي الفرنسي كانت كبيرة وكان من نتائجها نقص الإنتاج الاقتصادي في هذه المنطقة وبالتالي ارتفاع الأسعار الأمر الذي كانت له انعكاسات سلبية على الأوضاع الاجتماعية، وفي هذا السياق ارتفعت حدة المقاومات، خاصة المسلحة، ضد الاحتلال الفرنسي في المنطقة. وقد ضم العدد أيضا قراءات في مجموعة من الإصدارات الجديدة. وتجدر الإشارة إلى أن هسبيريس تامودا مجلة أكاديمية متعددة التخصصات تهتم بدراسة المغرب ونشر المعرفة المتعلقة بمجتمعه وتاريخه ومجاله وثقافته… وذلك في سياقه المغاربي والمتوسطي. وهي تصدر عن كلية الآداب، بجامعة محمد الخامس بالرباط. وتعد أقدم مجلة في المغرب مازالت تصدر إلى اليوم، ففي سنة 1921 أسست سلطات الحماية الفرنسية مجلة تحت اسم هيسبيريس، كما قامت سلطات الاحتلال الإسباني بإصدار مجلة آخرى لنفس الهدف هي تامودا. وبعد الاستقلال وتأسيس كلية الآداب بالرباط تم إدماج المجلتين تحت اسم هيسبيريس تامودا. * أستاذ التاريخ / كلية الآداب بالرباط