صدر للداعية السعودي سفر الحوالي كتابا موسوما ب "المسلمون والحضارة الغربية". وقد أثار هذا المؤلف ضجة كبيرة وسط المهتمين بالشأن السياسي والدعوي. فمؤلف الكتاب لا يفكر فقط ويكتب انطلاقا من مجاله الدعوي؛ ولكن المؤلف هو واحد من رموز الصحوة الإسلامية ومعارض شرس لطريقة تسيير الحكم في المملكة السعودية والوهابية؛ فالشيخ لم تسؤ علاقته بالنظام اليوم فقط، ولكنها قديمة يوم ذاق مرارة السجن في بداية تسعينيات القرن الماضي رفقة صديقه سلمان العودة؛ في محاولة متقدمة لتدجين الفكر السلفي وتخليصه من كل نزعاته الجهادية والصحوية والانزياح به نحو تقديس الحاكم. ومعلوم أن الشيخ سفر الحوالي هو فقط واحد من الذين نظروا وآمنوا بالجمع بين تنظيرات السيد قطب الصحوية ومقولات المذهب الوهابي، والذي أعطانا في ما سمي بعد بالفكر السلفي الجهادي الذي يجعل من توحيد الحاكمية فرعا ثالثا من فروع التوحيد عند الوهابية؛ والذي بسببه ساءت علاقة الحوالي بالشيخ ابن عثيمين الذي صنفه من الخوارج وجعل زيادته في توحيد الحاكمية بدعة لا أصل لها. فالشيخ الحوالي هو قطبي حتى النخاع، بل إنه واحد من الذين حافظوا على قطبيتهم وفاء لها؛ فهو من جهة الأسلوب والطرح قطبي تشتبه عباراته بعبارات السيد قطب؛ وهو أيضا قطب الشواهد والإجازات حيث استكمل شواهده الجامعية تحت إشراف عراب وشارح فكر السيد قطب أخيه محمد قطب. عندما صدر الكتاب في ما يقرب من ثلاثة آلاف وستين صفحة، فهم من هذا الكم والعدد الكبير أن الشيخ قضى ليال في تسطير هذا المؤلف، ويفهم منه أيضا أن غرض الكاتب بهذا العدد هو محاولة إعادة تجميع كل الأفكار التي أنتجتها الحركة الإسلامية الصحوية منذ بدايتها إلى اليوم؛ حيث يظهر لقارئ الكتاب أن ما يقوله الحوالي ولو من غير مصدر ولا مرجع؛ هو كتابات خالصة وأفكار متناثرة غالبها متجاوز اليوم ومسطور في تأليفات منظري الحركة الإسلامية الصحوية. فالكتاب هو تجميع من الكاتب في محاولة لخلق ميثاق جديد تجتمع عليه الحركة الإسلامية الصحوية جمعا بين السلفية والصحوة وليس جمعا بين الصحوة والأشعرية التي ميزت كتابات سيد قطب والحركة الإسلامية. في مقدمة الكتاب حاول الشيخ فتح باب النقد على مصراعيه، وهو ما يعطي للقارئ انطباعا أوليا أننا أمام نظر جديد وخطاب جديد فارق في تأليفات الشيخ الحوالي وخاصة في نزعتها القطبية، لكن ما هي إلا الصفحة والصفحتان والثلاث حتى ينكشف التطبع ويعود الشيخ إلى طبعه وفاء للمدرسة السلفية والقطبية في النظر للمجتمعات الإسلامية والمخالفين، فالغرب منذ البداية هو الغرب المتفوق الذي بنى أمجاده على الحضارة الإسلامية والذي يشحذ كل سيوفه ويستجمع كل قواه على تشتيت بلاد المسلمين. فالواو العاطفة في العنوان المسلمون والحضارة الغربية؛ قد يفهم منها دون قراءة الكتاب أن المؤلف رام البحث عن المشترك والممكن، أي العلاقة بين المسلم والكافر؛ لكن الذي ينتهي من الكتاب يفهم أن النظرة التي استمرت من بداية الكتاب إلى نهايته كلها دالة على القطيعة المطلقة والصراع على طريقة القاعدة وتنظيم الدولة؛ فهي صراع لا أمل فيه للحوار والمسالمة، وأن باب الجهاد يجب أن يبقى مفتوحا لغزو الغرب والاستيلاء عليه. فهي واحد عطف مقابلة وليست عطف اشتراك ومفاهمة. يظهر من بداية الكتاب أن المؤلف يحافظ على أصالة نظرية المؤامرة في وجدان الصحوة الإسلامية، فتركيا بالنسبة للشيخ هي دولة إسلامية ناجحة يتربص بها الغرب لإسقاطها كما في محاولة الانقلاب الأخيرة. ففتح الله غولن هو عميل للغرب وأن طيب رجب أردوغان قائد فوق العادة. لقد أعجب الشيخ بالدولة التركية وأثنى على ماضيها العثماني والإثني حد التقديس. ثم بعد هذا ما يلبث الشيخ ليناقض نفسه وفاء لنظرته الوهابية الجهادية؛ فالديمقراطية كفر والعلمانية والليبرالية وكل الفكر التحرري ملعون وشرك في نظر الكاتب، بل إنه لا ينسى أن يعلق على خطوات ابن سلمان الذي يريد حسب الكاتب تحويل بلاد الحرمين إلى مرتع للفسوق والفجور والانحلال والعري. لقد ساءت علاقة الشيخ بآل سعود يوم اعترض بداية التسعينيات على وجود القوات الأمريكية في بلاد العرب، فبلاد العرب حسب الشيخ لا يجوز أن يدخلها أي إنسان لا يدين بالإسلام وأن إقامة قواعد أو معابد لغير المسلمين في الكويت والإمارات؛ هو مخالف للشرع وما أمر به النبي. وقد كانت هذه النظرة هي السبب في انقسام السلفية إلى وهابية وأخرى سلطانية؛ بل إنها هي النظرة التي بسببها دخل الشيخ الحوالي إلى السجن في بداية التسعينيات. وربما هي السبب في أن الشيخ شغل حيزا كبيرا من كتابه للعن الولاياتالمتحدةالأمريكية بل إنها جعلها النقطة الوحيدة التي علق عليها كل فشل أو نجاح الأمة الإسلامية. ربما تكون هذه النظرة المبالغ فيها والتي تقزم كل الحضارة الغربية في الولاياتالمتحدةالأمريكية وسياساتها الداخلية والخارجية التي لا يعرف الكاتب غيرها؛ ربما يكون لها قدم ممكنة في العقل الإسلامي اليوم، لكن ما يميز الشيخ عن غيره هو محافظته على خطاب ربما تعدم أن تجده عند غيره؛ فالقارئ لمؤلف الشيخ ربما تصيبه الصدمة من عدد المغالطات وطريقة النظر المتجاوزة التي ملأ بها الشيخ كتابه في استخفاف بعقول أبناء الصحوة الإسلامية. فما حشا به الشيخ كتابه كان ممكنا تقبله في زمن الحجر وقلة المعلومة وضيق السبل المعرفية قبل بداية الألفية الثالثة، لكن خطابا مثل ما يردده الشيخ على طول مؤلفه لا أظن أن خطاب الحركة الإسلامية اليوم بما وصلت إليه بعض مخاض عسير سيقبل به. فالفلسفة في نظر الشيخ يتم النظر إليها بما يقرره ابن تيمية والعلوم وسائر المعارف إنما الأسبقية فيها لما يقرره الشيخ ابن تيمية وابن عبد الوهاب، بل إن الشيخ يتجنب حتى أن يستدل بغير الحنابلة إلا لماما يسيرا لا يكاد يلاحظ. لقد أعاد الشيخ خطاب الحركة الإسلامية لما قبل الثمانينيات بنفحة جامعة بين أفكار السيد قطب ودفاعات ابن عبد الوهاب وابن تيمية. لقد أعلى الشيخ من شأن الإعجاز العلمي وبخس العلوم والمعارف على طريقة الشيخ الزنداني، ونسب الدراسات التي قال عنها إنها علمية لمجهولين على صيغ التمريض. فالقرآن والأثر وأقوال الحنابلة هم الهدى واليقين؛ ذلك أن عيب الحضارة الغربية هو أنها حضارة ظنية بينما حضارة المسلمين هي حضارة يقينية. ولا يكتفي الشيخ بقول هذا بل إنها يجعل كل مصادر المعارف في العالم للمسلمين وفلاسفتهم؛ الذين يكفرهم ويضللهم في باب العقائد ومقولات الفرقة الناجية ثم يعلي من شأنهم في باب فضل علوم المسلمين وفاء لمذهب ابن عبد الوهاب. فالحضارة مصدرها الإسلام والفكر الإنساني مصدره كتب الشيخ ابن تيمية. إن أمريكا توشك أن تسقط. وأوروبا التي تتخبط في الفساد والعشوائة والقذارة والضنك توشك أن يغطيها الجليد وبه تتحول بلاد العرب إلى مروج وأنهار. فالغرب بلادهم طبيعتها قاسية ووجوههم قبيحة وأجسامهم قذرة ومنطقهم بائس، بينما يوجد العرب في أفضل المواقع وبلادهم أفضل البلدان تمرا ومناخا، ووجوهم وقاماتهم تفضل كل الكفار، وقريش أفضل الخلق. لقد ملأ الكاتب مؤلفه باستدلالات تنقض الحضارة من نسق الحضارة فجعلها حجة يدعم بها مواقفه البئيسة جدا. لا يكف الشيخ عن مغالطاته وفنطازياته التي غمت على الكتاب كله، حتى يعود للحديث عن تكفير الأحكام الوضعية والمتحاكمين إليها والدعوة للجهاد بغرض الكسب. فالغرب حسب الكاتب يبني ويعمر والمسلمون عادتهم الكسب والغنيمة بالغزو والجهاد. فالشيخ مدافع شرس عن كل ما تنادي به التنظيمات الجهادية من التشدد في تطبيق الشريعة بما يمليه المذهب الوهابي بعيدا عن كل ما يشوب العقائد من المذاهب الأخرى خاصة في شقها الأشعري. فالشيخ كما قلت آنفا لا يخرج عن ما يقرره مذهب ابن عبد الوهاب حتى في قصر الاستدلال بهم وقوفا عند الشيخ ابن باز ناقما على الشيخ ابن عثيمين والشيخ الألباني الذين خالفاه في قضية الحاكمية والجهاد وبطلان العمليات الانتحارية التي يعشقها الشيخ الحوالي. والشيخ لا يخرج عن ما يقرره المذهب في النظر للمخالفين في العقائد، فالشيعة مجرمون وجب إحياء الجهاد فيهم في العراق وسوريا، وأن الحرب على اليمن ليست أولوية مقارنة بوجوب الجهاد في الغرب.أما التصوف فهو بدعة إلا بما يقره المذهب. لقد خصص الكاتب حيزا كبيرا من كتابه للحديث عن العلوم والمعارف مثل الفلك والهندسة والجيولوجيا والأدب والفن وبعض من القضايا مثل قضية المرأة والجهاد. فالذي يقرأ الكتاب يدرك أن الكاتب ما يزال واقفا في خطاب الحركة الإسلامية في سبعينيات القرن الماضي الذي يغلب عليه الوعظي والاسترجاعي والانتقائي في ترديد الانتصارات العلمية والمعرفية للعصور الوسطى والقول بأفضلية القرون الأولى. فالغرب وعلومه، حسب الكاتب، هي كلها من أصول إسلامية وأن ما تقوم عليه اليوم كله فاشل لا يؤول إلى شيء مقارنة بما يبشر به الكاتب. فالتعليم عند الغرب فاشل وعلم الفلك نحن السباقون إليه بما يقره الشيخ ابن تيمية وابن القيم، وعلم النفس حدوده المعارف الإسلامية كل العلوم يجب أن يكون مبدؤها ومنتهاها ما يقره القرآن والأثر بما لا يتجاوز فهم أهل الحديث، بل إن الشيخ ما فتئ يردد أن حاجة الأمة للدعاء والتضرع والإيمان وأنه بالدعاء والتضرع تستطيع أن تفند وتبطل كل الحسابات العلمية والرياضية. فالذي أختم به هو أن الكاتب عوض أن يأتي بالجديد بما يحيي الخطاب الإسلامي وينعشه، بدلا من ذلك أعاد الصحوة الإسلامية إلى خطابات متجاوزة هي اليوم السبب في خروج ونقم كثير من الشباب على الإسلام. فالمسلم الذي يستطيع اليوم أن يتبحر في العلوم ويلج الجامعات والمعاهد ويفاضل ويقارن بين الشرق والغرب أنى له أن يقتنع أن العربي ساكن الصحراء العالة على غيره هو صاحب العلم والفضل والمختار خلقا وخلقا بين سائر الأمم. أظن أنه حتى الإنسان الخليجي سيقول ويردد: كان أولى أن يسكت ولا يؤلف مثل هذا الكتاب. * كاتب وباحث مغربي