لا يخفى على كل منا أن الجامعة تعتبر سبيلا إلى تحقيق الذات لدى الغالبية من الأفراد من خلال سنوات التعليم والآفاق التي تفتحها أمام الطلبة الذين يفضلون ارتيادها عوضا عن ولوج المدارس والمعاهد العليا كل حسب اختياراته و أسبابه، كما لا يخفى أيضا وهيج النور الذي كان يشع من جامعاتنا فيما مضى… لكن ما الذي تغير اليوم؟ وما هذا الذي يتخبط فيه هذا الفضاء التعليمي الشاسع؟ وهل هانت مكانة الطالب المغربي إلى درجة استيلاب أبسط حقوقه في الجامعة ؟ حتما لا ننسب هذا الأمر لجميع الجامعات لكن جامعة ابن زهر بأكادير على سبيل المثال تطالها خروقات عديدة، فحسب أقوال طلبة شعبة السوسيولوجيا فإن الدراسة لا تبدأ بصفة فعلية إلى حدود شهر نونبر وقد يستمر الأمر مع طلبة الدراسات الإنجليزية حتى شهر دجنبر فإذا حضر الطالب غاب الأستاذ وإن حضر هذا الأخير غاب الطلبة لفرط ما انتظروه، ثم إن الدراسة تستمر فقط شهرا ونصفا من الزمن لتبدأ بعدها الإمتحانات التي يجب أن تتساوى في مواعيدها مع الشعب الأخرى حتى وإن لم تستأنف الدراسة في وقتها الأصلي،وبعد عطلة قصيرة يدخل الطلبة في الدورة الثانية من نفس السنة وجلهم متبوع بامتحانات الدورة الاستدراكية الفارطة التي غالبا ما تتزامن مع مواعيد الحصص التي لا يستطيع الطالب حضورها بغية الاستعداد للامتحانات أو اجتيازها فيغدو تائها غير مدرك هل هو في الدورة الأولى أم محسوب على الثانية وكثير منهم من يحضر الدروس أو يقوم بتعويضها ويجتاز الامتحانات في الآن ذاته، هؤلاء غالبا ما يختلط لديهم الحابل بالنابل! وفوق كل هذا قد تجتاز امتحانا فتجد أنك لم تجتزه، أي أنك غائب والغريب في الأمر أن هذا الخطأ قد لا يطال القلة القليلة من الطلبة فقط بل عددا لا يستهان به منهم، فيكون لزاما على هؤلاء الخوض في معركة جديدة يعتبر فيها الوصول إلى الأستاذ المعني بالأمر والتواصل معه نصرا في حد ذاته خاصة إن تعلق الأمر بامتحانات نهاية السنة. أليس الأحق بشعبة السوسيولوجيا أن تعكس نفسية الطالب في صورة جميلة لكنها على العكس تكشف المخفي وتعكسه طالبا تائها أقصى ما يتمناه أن تتم المصادقة على طلبه إذا ما أراد الاطلاع على ورقة امتحانه او واجهته الشكوك حول النقطة التي حصل عليها … كلها أمور لا تزال تبدو لنا في هذه الجامعة صعبة المنال كتلك التي حملت بطفل وجاهدت كي يأتي إلى الدنيا في أحسن الظروف ثم يأتي على غير ما تتمنى، الفرق هو أن الأمر هنا قد يكون قضاء وقدرا أما في ابن زهر فإنه قلة اهتمام ونقول هذا إن أتى الطفل إلى الدنيا أصلا ، أما الطلبة فإنهم منذ أن سلموا ورقة الامتحان يودعونها مع آخر توقيع مدركين أنه الوداع ومهما ساورتك الشكوك ما عليك إلا القبول وشحذ الأمل والرجاء في أوراق أخرى… لكن المؤسف هو أن الحياة لا تعطي دائما أوراق أخرى! إلى جانب كل هذه الأمور هناك مسألة أخرى تتشارك فيها جامعة ابن زهر مع جامعات أخرى وهي تعدد الفصائل الطلابية التي تملك من الصلاحيات ما يكفي لمقاطعة حصة ما وإلقاء خطاباتها على الطلبة داخل الفصل والتي قد تكون أحيانا غير ذي علاقة بالدراسة أو الجامعة،بل إن الأمر في الآونة الأخيرة تجاوز حد المعقول، إذ يحدث أن تقع مشادات بين الفصائل لكن ليس لدرجة القتل كما حدث مؤخرا في جامعة أكادير والسنة الفارطة بنظيرتها في مراكش ، لقد بات الأمر عاديا ومستباحا باسم النضال الزائف،لتغدو الجامعة بذلك مركز خوف وتهديد سواء للطلبة المنتمين لهذه الفصائل أو غيرهم أحيانا لمجرد أنهم ناطقون للهجة معينة أو منتمون لمنطقة معينة، وقد يحدث أن يجد الطالب نفسه وسط رشق بالحجارة فيغدو الهروب المنفذ الوحيد قبل أن تنهال عليه قوات المخزن بعصيها… هذا ناهيك عن السرقات التي تحدث إثر اندلاع عمليات الشغب هاته. عموما لم تعد الجامعة ذلك الحصن المنيع للطالب والذي يحس فيه بالأمان، لم تعد فضاء لتحصيل العلم فقط،بل اخترقتها اعتبارات سياسية وعرقية وغيرها ، لم يعد الأمر مقتصرا على جامعة دون غيرها فقد يقتل طالب هنا ويثأر له هناك، لم تعد حيزا يشمل أناسا مختلفي الأعراق والأعراف بل غدا كل جزء منها يخص هذا الفصيل أو ذاك … أمور كهذه من شأنها أن تلهي الطالب المغربي عن الهدف الأسمى ألا وهو تحصيل العلم والنضال من أجل ذلك لا لشيء آخر، وقد تلهيه أيضا عن المطالبة بحقوقه المشروعة كالتي تمت الإشارة إليها آنفا، فإذا انعدم الأمن والأمان انعدم معه التفكير في أي مطلب آخر، وقد يحدث أن تكون المطالبة بهذه الحقوق أيضا مشبوهة إذا ما اعترتها مسألة الانتماءات والفصائل… فلابد إذن للنضال كي يتحقق بصورة فعلية أن يكون سلميا مترفعا عن هذه التوجهات ويصب في إطار تحسين وضعية الطالب، حينئذ من الممكن الجلوس إلى طاولة مفتوحة مع المسؤولين، هذه الطاولة ستسفر حتما عن زخم من الوعود التي ستقودنا بدورها إلى معركة أكبر من أجل تحقيقها،معرمكة مفتاحها الصبر إذا ما أردنا النصر فيها.