في رثاء الوعي الطلابي و الفعل السياسي النضالي تتضارب المصالح و تتنازع الإيديولوجيات ، تلك هي حالة الجامعة المغربية التي أضحت بين الفينة و الأخرى معقل للمنافسة الشرسة ، هذه الكلمة – المنافسة – التي إفتقدت في كثير من الأحايين لصرامتها الواثقة ، إنها بهذا الم عنى كلمة تم إفراغها من محتواها الفعال و من جديتها حتى أصبحت تأخذ في بعدها العام داخل أسوار الجامعة المغربية منطقا للمشدات العفوية المغالطة للفعل السياسي و النضالي من داخل الساحة . إن المبتدئ يلاحظ عند دخوله الجامعة المغربية أنها تكتظ بمجموعة من التيارات الإيديولوجية التي تشكل في غالب الأحيان غموضا له و عقبة يمكن أن تخلط له الأوراق ، سيما و أنه لا يزال فتيا على العمل السياسي و على منطق النضال داخلها ، هذا الغموض الذي يكتسب من الفعل المادي و المعنوي لهذه التيارات التي تحاول ما أمكن أن تستدرجه ، إما للإنخراط في أحدها أو أن يفر بجلده فيصبح من الطلبة المستقلين . إن الحلقية و هي تشكل شكلا زخر فيا من العمل السياسي المنظم داخل الساحة الجامعية ، كانت توحد الآراء أكثر ما تفرق ، إن هذا الشكل هو ذلك البعد المقدس إن صح التعبير-- بهكذا عبارة -- الذي يمنح للمناضل أو للفاعل السياسي سواء كان مستقلا أو منتميا لإديولوجيا معينة مجالا للمناقشة و التعبير الجاد و حلبة للإستقرار الفكري و التثقيفي ، لكن و الحالة هذه ، فإن الوضع في الساحة الجامعية تغير و أصابه الخمول ، تغير لأن هيبة الطالب المسؤول بإعتباره يشكل عصارة النخبة الثقافية تبدل ، و أصابه الخمول يعني أن ذلك الطالب المثقف لم يعد ينتقد و ينتج ، لذلك فنحن حينما نقول بأنه يشكل عصارة النخبة الثقافية فإنما نعني أنه كان ينتقد و يستحكم العقل فيما هو سياسي أو إجتماعي أو ثقافي حتى ، إن الموضوع هنا متسلسل و يتشابك على إعتبار أن النخبة المثقفة لم تعد هي المسيطرة في الساحة السياسية ، ولو كان أن عدنا إلى فترة السبعينات و مطلع الثمانينات سنجد بأن النخبة الثقافية كانت تتسم بنوع من المصداقية و الشمولية ، بحيث كانت تمثل نخبة النخب ، إن الفاعل السياسي آنذاك سواء في الساحة الجامعية أو في الدولة كان يستنجد الناخب المثقف على إعتبار أن منطلق المثاقفة إن صح التعبير هو منطق التخطيط ووضع الإستراتيجيات ، إلا أن ذلك الوضع تغير مع نهاية التسعينات إلى الآن ، حيث انقلبت الموازين و أصبح السياسي يمثل الصفوة أو النخبة . نحن هنا لا نحاول بتاتا أن نسفه الفعل السياسي و النضالي من داخل الجامعة – مع كل إحترامي للزملاء و الأصدقاء – بل نحاول بمجموعة من الأدوات النقدية التي نمتلكها أن نتطاول على ثغراتها التي أصبحت مرضا يهتك عرض الجسد الطلابي و يؤثر على وعيه الجاد و الهادف . فلماذا الساحة الجامعية بالضبط ؟ يمكن أن نجيب على هذا التساؤل من منطلق بسيط جدا وهو أن هذه الساحة كانت دائما و لاتزال موطن الفاعل السياسي و مولد الفعل النضالي و أصل الوعي الطلابي ، فالجامعة خلقت لتربي الفاعلين سواء في النضال أو في السياسة أو في الفكر ، لكن أتساءل هنا هل لا تزال الجامعة تقوم بأدوارها الرئيسية المذكورة سلفا ؟ . ولماذا كلمة رثاء ؟ إن هذه الكلمة تستعمل في غالب الأحيان لدى الشاعر حيث يخلق بها مجموعة من الإستعارات التي تنبني عليها قصيدته ، لكن الرثاء هنا ، يأخذ بعد أخر ، يتمثل في إضمحلال الوعي مع التضخم الإعلامي الكاسح للعقول و الذوات المستنيرة ، إن الطالب المجد ذو الفكر المستنير و ذو الثقافة العالية سرعان ما سيختفي بفعل التقنية و التكنولوجيات من تلفزة و إذاعة و إنترنت و غيرها ، إلا أن ما قلناه لا يشكل المرتكز الرئيس الذي سوف يغير الفاعل السياسي و الفعل النضالي و الطالب بصفة عامة ، ذلك أن السوسيولوجيا بأدواتها تستدعي للمقاربة العودة إلى الأصول ، وبالضبط في سنة 1956. في يوم 26 دجنبر من سنة 1956 سوف تتأسس منظمة طلابية لتأطير الطالب الجامعي ، بحيث سوف تسند رئاستها الشرفية إلى الأمير الحسن ، من هذه النقطة سادت علاقة متينة بين الحركة الطلابية و النظام / بين المثقف و الدولة ، إلا أن هذه العلاقة لم تعمر طويلا نظرا للمخاض التي كان يعرفه المغرب آنذاك وهو مقبل على بناء الدولة الحديثة بعد الإستقلال ، الدولة التي تركها الإستعمار محطمة لا من حيث الموارد الطبيعة و لا من حيث القدرة البشرية ، سوف تتغير الأمور و سوف يتغير معها الطالب المغربي لا بفكره ولا بتوجهه . ومع مرور 6 سنوات على التأسيس و على إثر إنعقاد المؤتمر السادس للإتحاد الوطني لطلبة المغرب المنعقد بالصخيرات سنة 1961 تم على غراره إبعاد الأمير الحسن عن رئاسة الإتحاد ومن هنا ستنطلق الشرارة الأولى للمواجهة بين النظام و الإتحاد الذي كان حينئذ قطاعا موازيا للإتحاد الوطني للقوات الشعبية . نقطة صراع أخرى ستظهر لتزيد الطين بله ، هو حينما سينعقد المؤتمر الخامس عشر في 28 يوليوز 1972 و الإكتساح التاريخي للطلبة الجبهويون نسبة إلى الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين ، هذه الفترة تميزت بإنفجار أخر كان نقطة أكثر حساسية وهي المحاولة الإنقلابية الفاشلة في 16 غشت من نفس السنة و بعد أيام معدودة على نهاية أشغال المؤتمر و الذي جاء فيه ما يلي : " ... وأنتم في معتقلات نظام قهر الحريات و الإستغلال الطبقي و الطغيان السياسي ، لتمثلون خير وجه و أخلده الوريث الحقيقي و المتمم و المخلص لكل تراث شعبنا النضالي ، و الذي لم يتوقف مطلقا عن المعركة من أجل إقامة نظامه الشعبي و الثوري منذ أوائل القرن إلى اليوم و أن قضية الشعب الخالدة التي ناضلتم و تناضلون من أجل تحقيقها ، و التي تقدمون اليوم حريتكم كثمن و أداء لا يمكن أن تنتهي أو تتوقف بإعتقالكم ... إن الإتحاد الوطني لطلبة المغرب يعتبر أن حدث 16 غشت 1972 ( محاولة الإنقلاب على الحسن الثاني ) لن يغير من شعارات الجماهير المغربية ولن يغير مواقف الجماهير الطلابية بخصوص هدفها بإقامة نظام وطني ديمقراطي شعبي ينتفي فيه إستغلال الإنسان لأخيه الإنسان و في إحدات تعليم عربي ديمقراطي مغربي موحد ... " . و بعد مرور ساعات ، أو لنقل على وجه التقريب أيام ، سوف يتم حظر هذه المنظمة ، حظر الإطار الوحيد للطلبة المغاربة الجامعيين و هو الإتحاد الوطني لطلبة المغرب و سوف يتم على إثرها محاكمة قيادييها و إعتقال مجموعة كبيرة من نشطائها ، هذا التحول و هذه النقطة سوف تفرز هي الأخرى إندلاع مراهنات نضالية على مستوى الساحة الجامعية حيث ستؤدي هذه التجربة ، تجربة حظر المنظمة ، إلى تحول أخر أكثر إجرائية في تاريخ الفعل السياسي و المنطق النضالي وهو ظهور قوى جديدة في الساحة الجامعية مهنا فصيل الطلبة التقدميين الذين هم إمتداد للطلبة الجبهويون المنتمين في الأصل إلى منظمتي 23 مارس و إلى الأمام الماركسيتين . إلا أنه و بفعل الدفاع المستميت للطلبة الجامعيين و إلتفافهم حول إطارهم الوحيد و الأوحد " أوطم " سوف يتم رفع الحظر القانوني عنه سنة 1979 و سيتمكن بعد ذلك الأوطاميون من عقد مؤتمرهم السادس عشر و الذي سوف يشهد مجموعة من الأحداث التي سوف تؤدي إلى إقتراب موعد الحظر العملي لهذه المنظمة مرة أخرى ، فآلة القمع ستستمر و سيستمر معها الفعل السياسي و النضالي بطريقة أكثر توجيها ، كان ذلك الموعد هو تمكن الطلبة من عقد مؤتمرهم السابع عشر للإتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي إنعقد سنة 1981 ، فبعد فشل هذا المؤتمر سيدخل الطلبة في مخاضات عنيفة مع النظام و الدولة من جهة و مع فصائل اليسار و التيارات الإسلامية و الحركة الثقافية الأمازيغية من جهة أخرى . لكن الجدير بالذكر هو أنه هناك فرق ما بين التاريخ الرسمي و التاريخ الحقيقي ، فإذا كانت السوسيولوجيا تبعدنا أكثر فأكثر عن الذاتية ، فإنه يمكن القول بهذا الصدد أن المؤتمر السابع عشر للإتحاد لم يفشل و إنما تم إفشاله من طرف عناصر معينة في ذلك الوقت ، هذه النقطة كذلك و هذا الحظر سوف يكون الشعلة الحاسمة ، فعلى مستوى موقع تطوان سوف يتم إفتتاح جامعة عبد الملك السعدي كلية الآداب و العلوم الإنسانية بتطوان-مرتيل في بداية العقد الثامن من القرن الماضي ، من هنا سينخرط الطالب في الجو السياسي العام الذي كان يسود البلاد بإعتبارهم جزء لا يتجزأ من الحركة الطلابية ، فإفشال المؤتمر كما سلف الذكر سوف يؤدي إلى إندلاع إنتفاضة 1984 و التي كانت تطوان من المدن و المواقع التي شهدت أحداتها الدامية مع السلطة خصوصا في كلية الآداب ، هذه الإنتفاضة سوف تأجج بظهور صراعات دموية هي الأخرى بين الفصائل الطلابية من داخل الجامعية ، تحول أخر سوف يغير الفعل السياسي من على مستوى الخارج إلى الداخل ، من صراع مع السلطة و الدولة إلى صراع بين هذه الفصائل ، أي الإنتقال التراجيدي على مستوى الصراع من نظرة خارجية تهدف إلى الدفاع عن مصالح الطالب ، إلى نظرة داخلية تهدف إلى الدفاع عن الإديولوجيا و الإنتماء الشخصي ، إنها النقطة التي سوف تعجل بموت الفعل السياسي و سوف تقلل من الفعل النضالي من طرف الطلبة الأوطاميون المستقلين و الذين لا ينتمون إلى أي فصيل يذكر ، سوف يكتفي الطالب بالنظر إلى الساحة بنوع من اللامبالاة ، ستظل قدرته التوعوية و سينقص مستواه الثقافي على إعتبار أنه سيهجر الحلقية التي كانت هي المجال الوحيد للتثقيف و وضع الخطط . ليس هذا و فقط ، معارك نضالية أخرى ستكتب بقلم من ذهب في التاريخ النضالي للحركة الطلابية على المستوى الوطني بشكل عام وبالخصوص على مستوى كلية الآداب بتطوان-مرتيل ، ففي سنة 1989 و هو العام الذي تمت فيه المقاطعة الوطنية و الشاملة للإمتحانات التي قادها بكل موضوعية الطلبة القاعديون ، وهو العام كذلك الذي سوف يتم فيه بناء الحي الجامعي للطلبة بتطوان ، سوف تحصل تاني مواجهة و أول إقتحام مخزني لكلية الآداب و العلوم الإنسانية بتطوان-مرتيل ، كان ذلك في 19 يناير من تلك السنة ( 1989 ) لتحصل مواجهات أخرى أكثر خطورة ، كان ذلك اليوم الأسود عبارة عن مجزرة بالنسبة للطلبة حيث ستحصل مواجهات مع القوى الخارجية التي سرعان ما ستتمكن من الدخول إلى الكلية لتحصل مناوشات على إثرها بين الفصائل الداخلية ، لتزداد الأمور بشكل مروع بينها ، نقطة أخرى سيراها الطالب المستقل عبارة عن تخريب ستجعله ينظر نظرة المراقب لا المناضل . تحول أخر سينقل الفعل السياسي على غراره من الخارج إلى الداخل هو حينما سيتم تعديل الميثاق الوطني للتربية و التكوين ، نقطة أخرى لحركية جديدة سوف تعرفها الجامعات الوطنية في مختلف المواقع للتصدي له و الإلتفاف من جديد حول الإطار العتيد " الإتحاد الوطني لطلبة المغرب " ، حيث سيعتبر الطلاب أن هذا الميثاق ما هو إلا تكريس لسياسة الدولة المتماطلة مع المطالب الشعبية الجماهيرية في رفض الحظر أولا و في الحصول على تعليم جيد و هادف . ضربة أخرى ستعرفها الساحة الجامعية مع بداية التسعينات ، سوف تظهر بعض التيارات التابعة للعدل و الإحسان و الإصلاح و التوحيد ، هذا الظهور سوف يكرس النظرة الإديولوجية للفعل النضالي و السياسي من داخل أسوار الجامعة ، سيؤدي ذلك إلى مواجهات عنيفة بين الفصائل الجامعية حيث ستستعمل لأول مرة مجموعة من الأشياء من بينها حمل السلاح الأبيض ... ، سوف يتمكن على إثرها فصيل التجديد الطلابي من السيطرة على الجامعة التطوانية بشكل خاص ، و الذي سوف يتهم بأنه صنيع النظام و السلطة لتظل الصراعات الإيديولوجية قائمة في الزمان و المكان . تحول أخر سوف نختاره ، لأنه في نظرنا يعكس البعد الإيديولوجي على مستوى الفعل السياسي و المنطق النضالي في الجامعة المغربية ، سنة 2011 التي ستنطلق فيها مجموعة من الملفات المطلبية التي سطرها الطلبة ، سيكون أول تحرك من جامعة فاس تم مكناس فالقنيطرة لتنطلق الشرارة إلى باقي المواقع الجامعية التاريخية ، منها جامعة عبد الملك السعدي كلية الآداب و العلوم الإنسانية بتطوان-مرتيل التي ستعرف أحداثا منقطعة النظير ، سينسحب فصيل التجديد الطلابي بدون سابق إنذار من المعركة ليتكسر الفعل السياسي و النضالي ، بعد إذن ستحصل مواجهة وصفت بالخطيرة جدا بين الطلبة الأوطاميون و المخزن في يوم الأربعاء الأسود 28 دجنبر 2011 على إثر قطع الطريق الرئيسية بين تطوان و مرتيل . إن هذا الموجز التاريخي يعكس في نظرنا الإنتقال الفعلي للفعل السياسي و تحوله على المستوى الوطني من فعل سياسي خارجي إلى فعل سياسي داخلي سيفقد من خلاله الطالب المستقل الثقة فيه و في الفصائل الجامعية التي لم تعد مع كل أسف تنظر إلى السياسة من جانب موضوعي ، سوف يقطع الطالب كل صلته بالسياسة ، وعلى إثر هذه القطيعة سوف تفقد الحلقية وزنها التنظيمي وسوف يفقد الطالب معها بعده النقدي و الإنتاجي كمثقف وسيحصل ما يحصل . الطالب الباحث في علم الإجتماع محمد قروق كركيش في : 1/1/2012 تطوان