يبدو أن حزب الجرار بصدد تكريس عرف سياسي جديد في المغرب، وهو اكتشاف أو تصالح أمينه العام،مباشرة بعد تنصيبه، مع الكتابة والتفضل بكتابة مقالات رأي. وفي الحقيقة سيكون هذا عرفا مهما لو تنافس فيه جميع أمناء الأحزاب السياسية. ذلك أن الانتاجات الأدبية المتوقعة لهؤلاء الزعماء من شأنها تسليط المزيد من الضوء على حقيقة النخبة الحزبية، وعلى ما يمكن أن يكون من عتمة في الفكر السياسي لتلك الأحزاب. وفي سياق تكريس عرف "مقالات الرأي"، التي أنتج منها العمري العديد من "الأعمال" التي أثارت العديد من الأسئلة أيضا شملت حتى صدقية نسبة تلك المقالات لسائق التراكتور، فنحن اليوم مع باكورة مقالات السائق الجديد للجرار، والتي توثق لأول حادثة سير سياسية على طريق "مقالات الرأي" في الحلقة الثانية من سلسلة "نقطة نظام" لزعيم البام. وبالطبع لا نناقش السيد بنشماسفي الاكتشاف الذي أعلنه في مقاله، فهو يقدم توصيفالقوة سماها"السلطة الخامسة"، وهي ليست سوى قوة شبكات التواصل الاجتماعي!ولإضفاء شيء من المصداقية على ذلك الاكتشاف، تحدث عن الخصاص الكبير في دراسات "انبثاق" تلك القوة !وإذ نهنئه على هذا الاكتشاف غير المسبوق نتوقف معه عند فقرتين مهمتين في مقاله، متجاوزين حديثه عن "حملة المقاطعة" وعجز الحكومة عن الإجابة عن الأسئلة الخمس التي طرحها "الكاتب" باسم تلك المقاطعة. في الفقرة الأولى، يقول السيد بنشماس (خلاصة القول، فإذا كان المكون الأغلبي للحكومة، بعد أن استنفد كافة مبررات فشله وسقوط المشجب الذي اعتاد على أن يعلق عليه عجزه المزمن، غير قادر على بلوغ سقف المسؤولية الدستورية وحجمها ومداها المخولة له، فمن حق الأصوات المجتمعية المعارضة وكذا المعارضة المؤسساتية كامتداد لتلك الأصوات المعبرة عن نفسها في صيغة "سلطة خامسة"، أقول من حقها تجريب الإمكانات الدستورية المتاحة. كما من حقها بل ومن واجبها أن تطرح على أجندة الحوار الوطني مسألة معالجة "الكوابح" الموجودة في الوثيقة الدستورية نفسها) نسجل ثلاث ملاحظات حول تلك الفقرة، الأولى هي أنه في أول مقال للسائق الجديد للجرار، يثير مسألة "الحوار الوطني"، تماما كما كان موضوع أول مقال للسائق السابق، والذي أثار جدلا داخل حزبه وتبرأت منه عدة قيادات. وهو ما يعني رهانا كبيرا لأول حزب معارض لا يكاد يسمع له صوت، على مسمى الحوار الوطني. لكن إذا كان إلياس العمري قد "فصل" في مقاله حول الحوار الوطني، فإن بنشماس يستعملمفرداته في مقاله الأول، حيث دعا الحكومة إلى تنظيمه، والثاني الذي نناقشه اليوم، فقط كبهارات. إذ كيف لحوار وطني لا مناسبة له أن يعالج "الكوابح" الموجودة في الدستور دون توضيح تلك الكوابح أولا، ودون التوافق على أنها "كوابح" ثانيا، ودون تعديل دستوري لها ثالثا. فلماذا لا يسمي بنشماس الأمور بأسمائها؟نعم يعلم الجميع رهانات "البام" على التعديل الدستوري مند فشله المدوي في الظفر بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، لفتح الباب أمام إمكانية السطو على إرادة الناخبين وتحويل اتجاهها، فالسلطوية غاظها النص الدستوري في هذا الشأن، وهي تعظ أصابعا من الغيظ مع كل استحقاق تشريعي. لذلك يراهن بنشماس، كما راهن العمري من قبل، على الحوار الوطني، ليعدل الدستور وفق هوى "البام"! والملاحظة الثانية في هذه الفقرة تتعلق باعتبار "المعارضة المؤسساتية"، التي يتزعمها "حزب البام"، امتدادا لتلك "السلطة الخامسة" التي ليست سوى قوة شبكات التواصل الاجتماعي! وهنا ينبغي التوقف مليا، لأن تلك "السلطة الخامسة" إن كانت تهزأ أكثر من شيء فإنها تهزأ من المعارضة، وزعيمها "البام" بالخصوص، ولزعيم البام الجديد حصة مقدرة في عمل "القوة الخامسة" والتي اهتمت بالأسئلة العالقة حول مصدر ثروته التي أثارها رفاقه في الحزب قبل غيرهم. لذلك فزعم انتساب "البام" إلى "القوة الخامسة" ليس مجرد شطحات سياسية، مع العلم أن "البام" يصنف كحزب سلطوي بامتياز، ويعاني اليوم من تحويل السلطوية رهاناتها إلى حزب "الحمامة" الحكومي، وهذا ليس اكتشافا جديدا بل مجرد تذكير بحقيقة يعلمها الجميع. في حين أن "القوة الخامسة"، التي تحدث عنها بنشماس، هي تعبير مجتمعي منحاز إلى المواطنين ضد السلطوية وصنائعها، وليست خادما لها. والملاحظة الثالثة، هي أنه بعد الاطمئنان إلى نسب "البام" إلى "القوة الخامسة"، يحاول بنشماس أكل الثوم بفم تلك القوة، لذلك فهو يسارع إلى الحديث عن الحق في ٍ"تجريب الإمكانات الدستورية المتاحة" لمعالجة "العجز الحكومي"، ولا ندري ما الذي يمنع حزبا يتزعم المعارضة من تجريب كل الخيارات التي تتيحهاله الوثيقة الدستورية؟ كما لا ندري لماذا يخجل بنشماس من التعبير الواضح عن تلك "الامكانات" بصراحة، وما إذا كانت تعني ملتمس الرقابة ضد الحكومة الذي روج له حزبه؟ فمثل هذه الأمور لا يتم الاشارة إليها من بعيد في مقال رأي مادامت مشاريع بديلة وكبيرة، بل تقتحم على أرض الواقع ودون تردد ما دامت سوف تحرر إمكانات الوطن من معتقل الحكومة، كما تم التعبير عن ذلك.أم ينتظر بنشماس من "القوة الخامسة" أن تمهد له الطريق؟ في الفقرة الثانية التي نود التوقف معها بعجالة،والتي ختم بها بنشماسمقاله الذي اختار له عنوان " بعد ورقة المظلومية .. المقاطعة تسقط أقنعة الحكومة"، يقول زعيم البام:(إن حزب الأصالة والمعاصرة، المسكون بهواجس المساهمة في البناء، لا يجد حرجا في طرح السؤال الذي يتحاشاه كثيرون: هل يستقيم كبح ورهن إمكانات التطور الوطني باسم "شرعية انتخابية" هي في الواقع ليست شيئا آخر غير "شرعية" قاعدة انتخابية لا تمثل إلا نسبة ضئيلة جدا لمجتمع يريد أن يتقدم إلى الأمام؟) ودون مبالغة فهذه فقرة تحمل الكثير من الرسائل الملتبسة والخطيرة في الآن نفسه. وتتطلب من السيد بنشماس توضيح البديل الذي يراه للانتخابات والشرعية التي تنتج عنها، وخاصة حين لا تمثل تلك القاعدة الانتخابية "المجتمع الذي يريد أن يتقدم". ونريد أن نعرف كيف يمكنخدمة ذلك المجتمع الذي يريد أن يتقدم؟ هل عبر انقلاب؟ أم عبر حكومة يتم تعيين أعضائها دون أية مرجعية انتخابية؟ أم عن طريق التعديل الدستوري الموجه؟ أم فقط بتقديم الحكومةفي طابق من ذهب لحزب السلطوية؟… وما هي الإمكانات الدستورية المتاحة كبديل للشرعية الانتخابية والخيار الديموقراطي الذي اعتبره الدستور من الثوابت الجامعة التي تجتمع عليها الأمة؟ وفي الأخير لماذا تحاشى بنشماس الوضوح في كل هذه الجوانب؟ إن عدم الوضوح الذي طبع مقالة بنشماسالثانية كزعيم للمعارضة المؤسساتية، ومحاولته أكل الثوم بفم "القوة الخامسة" بعد اعتبار حزبه امتدادا لها، يكشف التيه الذي تعيش عليه المعارضة وعلى رأسها حزب السلطوية، من جهة، والاستعداد المغامراتي المراهن على "الحملات الافتراضية" سواء كانت صادقة في التعبير عن إرادة المواطنين، أم كانت مصطنعة من خلال استثمار "الامكانات" التي تتيحها شبكات التواصل الاجتماعي لفبركة "الحملات الوهمية"، من جهة ثانية.