إسهاما في النقاش حول تفعيل تنزيل الجهوية المتقدمة وبشكل عام حول تطبيقا للتصور المتضمن في الدستور حول الجماعات الترابية تأتي هذه المحاولة المتواضعة والتي سنركز فيها على تناول موضوع التدبير الحر للجماعات الترابية وممارسة السلطة التنظيمية من طرف الحكومة. – بالعودة لنص الدستور نجد أنه مقسم لأبواب منفصلة، حيث السلطة التنفيذية مفصلة في باب والجماعات الترابية في باب آخر – نص الفصل 136من الدستور على ارتكاز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر، والذي يعني تمتعها باستقلالية تامة عن السلطة التنفيذية وتوفرها على كل الصلاحيات والهياكل التي تمكنها من تدبير شؤونها بشكل مستقل. – نص الفصل 71 من الدستور على أن نظام الجماعات الترابية ومبادئ تحديد دوائرها الترابية يدخل في إطار اختصاص التشريع. وجاءت الإشارة لنظام الجماعات الترابية عامة. – بالمقابل فقد نص الفصل 72 على أن المجال التنظيمي يختص بالمواد التي لا يشملها اختصاص القانون. – وحدد الفصل 89 اختصاص الحكومة في ممارسة السلطة التنفيذية، مع تدقيق أن الحكومة تعمل، تحت سلطة رئيسها، على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين. والإدارة موضوعة تحت تصرفها، كما تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية. ولم يتم إدراج الجماعات الترابية نهائيا في هذا الباب، مما يجعلها خارج السلطة التنظيمية للحكومة، وبالتبع فحدود تدخل الحكومة بنصوص تنظيمية وجب أن يقتصر على المقتضيات ذات العلاقة بتدخل الحكومة في علاقتها بالجماعات الترابية، دون التوسع لتنظيم ما يتعلق بالجماعات الترابية، الذي يبقى حصريا من اختصاص التشريع، مع مراعاة أن هذه الجماعات على سلطة تنظيمية لممارسة صلاحياتها طبقا لمقتضيات الفصل 140 من الدستور في مجالات اختصاصاتها، وداخل دائرتها الترابية. – كما أن الفصل 90 من الدستور قد حدد أن رئيس الحكومة يمارس السلطة التنظيمية، ويمكن أن يفوض بعض سلطه إلى الوزراء. وأن المقررات التنظيمية الصادرة عن رئيس الحكومة تحمل التوقيع بالعطف من لدن الوزراء المكلفين بتنفيذها. ومن البديهي أن كل ما يتعلق بالجماعات الترابية سلطة التنفيذ فيه هي اختصاص للجماعات الترابية بمقتضى نص المادة 140 من الدستور وفق ما هو مشار إليه في الفقرة السابقة. – كما أن الدستور حدد بوضوح في فصله 93 اختصاصات الوزراء على الشكل التالي: الوزراء مسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به، وفي إطار التضامن الحكومي. يقوم الوزراء بأداء المهام المسندة إليهم من قبل رئيس الحكومة، ويطلعون مجلس الحكومة على ذلك. وهو ما يؤكد أنهم مسؤولون عن تنفيذ ما يهم قطاعاتهم وبالتبع ليس من اختصاصهم تنظيم أو وضع قواعد تنظيم عمل الجماعات الترابية التي توجد خارج سلطتهم وتتمتع بالتدبير الحر. – وقد حدد الدستور بوضوح الجهة المخول لها ممارسة المراقبة الإدارية في الولاة والعمال في الفصل 145، وحددت القوانين التنظيمية قواعد تطبيقها. – كما أن الفصل 146 حدد بوضوح أن قانونا تنظيميا سيحدد بصفة خاصة: شروط تدبير الجهات والجماعات الترابية الأخرى لشؤونها بكيفية ديمقراطية، وعدد أعضاء مجالسها، والقواعد المتعلقة بأهلية الترشيح، وحالات التنافي، وحالات منع الجمع بين الانتدابات، وكذا النظام الانتخابي، وأحكام تحسين تمثيلية النساء داخل المجالس المذكورة؛ شروط تنفيذ رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس الجماعات الترابية الأخرى لمداولات هذه المجالس ومقرراتها، طبقا للفصل 138؛ شروط تقديم العرائض المنصوص عليها في الفصل 139، من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات؛ الاختصاصات الذاتية لفائدة الجهات والجماعات الترابية الأخرى، والاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة والاختصاصات المنقولة إليها من هذه الأخيرة طبقا للفصل 140؛ النظام المالي للجهات والجماعات الترابية الأخرى؛ مصدر الموارد المالية للجهات وللجماعات الترابية الأخرى، المنصوص عليها في الفصل 141؛ موارد وكيفيات تسيير كل من صندوق التأهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات المنصوص عليها في الفصل 142؛ شروط وكيفيات تأسيس المجموعات المشار إليها في الفصل 144؛ المقتضيات الهادفة إلى تشجيع تنمية التعاون بين الجماعات، وكذا الآليات الرامية إلى ضمان تكييف تطور التنظيم الترابي في هذا الاتجاه؛ قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدإ التدبير الحر، وكذا مراقبة تدبير الصناديق والبرامج وتقييم الأعمال وإجراءات المحاسبة. انطلاقا مما سلف يتبين أن اعتماد مبدإ التدبير الحر في الدستور وباقي المقتضيات، تفيد إلغاء منطق الوصاية وتعويضه بمنطق المراقبة الإدارية، التي تقتصر على مراقبة مشروعية القرارات، بحيث أنه حتى بالنسبة للمقررات الخاضعة لنوع من المراقبة تم التنصيص على التأشير عليها وليس المصادقة عليها، من هنا لم تعد لأي قطاع حكومي صلاحية تحديد قواعد اشتغال الجماعات الترابية، وأصبح ذلك من اختصاص القانون. وعليه فلجوء الحكومة لاستعمال سلطتها التنظيمية وجب أن يراعي مبادئ الدستور وفصوله وأن ينحصر في القضايا المتعلقة بعلاقة السلطة التنفيذية بالجماعات الترابية. والأكيد أن الإحالة على قرارات للوزراء في المراسيم التطبيقية في كل ما يتعلق بالجماعات الترابية لا سند قانوني له بحكم تحديد الدستور اختصاص الوزراء في تنفيذ السياسات العمومية المكلفين بها وما يكلفهم به رئيس الحكومة في حدود اختصاصه. وهو ما تؤكده المراسيم المحددة لاختصاصات الوزراء حيث تنص بوضوح على أن سلطتهم التنظيمية تبقى محصورة في الاختصاصات المخولة لهم بمقتضى المراسيم المنظمة للقطاعات الحكومية التي يشرفون عليها أو بمقتضى القوانين التي تحيل على قرارات تنظيمية يصدرونها في إطار تنفيذها. من هنا الحاجة لمراعاة مبدأ التدبير الحر واعتبار مقتضيات الدستور التي خولت لرؤساء الجماعات الترابية سلطة تنظيمية في مجال اختصاصهم، بحيث يتم العمل على استكمال القوانين التنظيمية عند الاقتضاء أو إصدار قوانين تكميلية لضبط قواعد تدبير الجماعات الترابية، مع تدقيق الحالات الممكن إصدار مراسيم بشأنها، والتي لا يمكن إلا أن تكون محدودة ومرتبطة بالأساس بالمجالات المشتركة بين الحكومة والجماعات الترابية. وحتى في هذه الحالة وجب الانتباه إلى ضرورة الاحترام التام لمبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية واختصاصات باقي الهيئات كما هي مؤطرة في الدستور ومحددة في القوانين التنظيمية، حتى لا يتم إفراغ هذه الأخيرة من مضمونها وفرض اشكال من التدخل أو الرقابة خارج ما هو محدد في الدستور والقوانين التنظيمية. أما اللجوء لقرارات وزارية في موضوع تدبير الجماعات الترابية فلا نعتقد أن له سندا دستوريا أو قانونيا. بالمقابل سيكون من المفيد أن يقع التنسيق التام بين القطاعات الحكومية المعنية وجمعيات رؤساء الجماعات الترابية للتوافق على الاختيارات في مجال تدبير هذه الجماعات خارج ما تنص عليه القوانين والمراسيم التطبيقية لها، ليتم اعتمادها على شكل قرارات تنظيمية لرؤساء الجماعات الترابية.