هم أناس يشدهم إصرارهم، عمى بصائرهم، على المضي نحو الأنفاق النفسية والعاطفية المظلمة، بعدما ألغوا بإرادتهم دور العقل في تحديد مصائرهم؛ متبعين سلطان الهوى الجبار، المخادع، رغبة منهم في تمثيل دور البطولة ضمن حلقات مسلسل اسمه المتاهة ! يعيشون بأجساد تتمايل كالسكارى وما هم بسكارى، أنيقين،مهذبين؛ يتصنعون سعادة البورجوازي الراقي ثم يدخلون سجون أعماقهم؛ يطلبون نجدة رب عصوه أمهلهم ولم يهملهم ! لا يخطب عنهم راعٍ ولا مسؤول ولا نفاقهم الإجتماعي يستأثر باهتمام المجتمع، مجتمع متخلف مختلف عما كان، لذلك، يتحدون الجميع؛ أشخاصا وقيما وأعرافا، متمردين ،يخترعون الأكاذيب ويقتاتون بأعينهم من لحوم نساء حرموا من المتعة معهن ؛هن يبعن أجسادهن لمن يدفع أكثر وهم المحرومون يقبلون عليه، هناك يكون اللحم البشري أمام المزاد العلني، يظفر به المعطوب ليوافق شن طبقة؛ كلاهما معطوب يسمم بأوهامه حياة شخص آخر، استنزفت الأحلام والعنجهية رصيده من القيم. إنه واقع المعطوبين الذين يتاجرون في سوق الأوهام ! المعطوبون هم جيلٌ من الأبناء ذكورا وإناثا، خرج إلى دنيا الله، متمردا على الصراع المفتعل بين حيوان منوي وبويضة بمسرح الرحم المغلق؛ لذا فهو لا يعرف له وجهة ولا غاية؛ سيعيش متمردا وتائها، إلى أن يهتدي بدوره إلى نقل عدواه إلى سيدة، تضمن له استمرار نسله المعطوب، ليباهي به الأمم المعطوبة من قبله ! غيرهم ،موظف لا يجد في عمل يزواله راحة تذكر، غير خوفه المزمن، من زيارة مفاجئة لرئيسه في العمل، أو اقتطاع من أجرته الشهرية، إن هو أضرب عن العمل، متحججا بحقوق العمال؛ يقضي حياته متقلبا بين نيران سخطه ومَلَلِه المتعاظم، لذا فما أكثر أمراض الموظفين وما أسعد الصيادلة والعشابين والدجالين بزبنائهم المتكاثرين الكرام ! وما أتعس هؤلاء الموظفين الذين يفرُّون من جحيم بيوتٍ موحشةٍ، باردة من العواطف، مستعرة من "النڭير"؛ إلى ملاجئ، تكون في غالبها مقاهيَ مكتظة بذوي الآلام النفسية والإجتماعية المستعصية، ممن يدارون أوهانهم الدفينة باستحضار إنجازات "الأنا المغصوبة" أمام مشلولي "الأنا والأنا الأعلى"، أو محلات للبحث عن حظ عاثر مع فرس يصبح أخاً في لحظة لا شعورية. وبعضٌ من لحظات "التطهير الذاتي" الممارسة على الذات، يمكن لأي منا سرقة مشاهدها، المضحكة المبكية، ليلا، بالحانات التي تعرض المشروبات الروحية، لترى مقدار أوجاعنا، ومقدار تغلغل الأعطاب فينا؛ فما تعجز عنه حصص التشريح النفسي، بعيادات الأطباء، تُفلحُ في استخراجه بمفعولها القوي، الفعال، المشروبات المهداة لأبطال "الصفر القيمي" رجالا ونساء ! المعطوبون أيضا، هم، من النخبة المتعلمة(المثقفة) : طلبةً جامعيين وباحثين ؛فلم يعد يخفى على ذي بصر حديد، أن خيار الإلتحاق بالجامعات، أصبح الخيار الأخير، المُرَّ بنظر من أُغلقت المعاهد والمدارس العليا في وجوهِهم، فلا عجب إذن، أن تتحول أروقتها ومدرجاتها، من أماكن مقدسة لتخريج حملة مشعل العلوم، المنخرطة في تقدم البلاد ورقي العباد، إلى مزاراتٍ مؤقتة أو معابرَ إجبارية، تتوج بالحصول على شهادة، تعقبها أسئلة معنى الزمن المهدور فيها وإكراهات المصير.(وجَبَ هنا شكر جميع الأساتذة بمختلف جامعات المملكة على مجهوداتهم الجبارة في التكوين، فهم برغم التغيرات المتسارعة، يظلون منارات الوطن، نظرا للدور المنوط بهم. شكرنا موصول لكل الطلبة المنخرطين في مسارهم العلمي بشغف وجدية وتفان، لأنهم سيكونون خير خلف لخير سلف). جل هؤلاء، استوطنهم "اللامعنى"، كما تستوطن الأورام الخبيثة نسيجا عضويا ما، أو جسدا مصابا بفقدان المناعة المكتسب؛ أفلم يان لنا أن نعي جيدا أن فقدان الثقة المكتسب وفقدان الإحترام الذاتي المكتسب، وفقدان المناعة النفسية المكتسب هِيَ أَشَدُّ فتكا بالإنسان؛ لأنها، وهيَ تجتاح حواجز الوقاية النفسية الفردية، تُحدث خلخلة على مستوى البنيات النفسية، المعرَّضة لجميع صنوف الإضطرابات. ولنا أن نتخيل نتائجها السلوكية والمعرفية على الذات منفردة وعلى مجتمعٍ بالكاد بدأ يُفرضُ عليه مؤخرا مسلسل "التطبيع" مع "العِلل النفسية" المتفشية بسبب تغير أنماط العيش، بعد انفتاح الحدود الوطنية والإقليمية على العالم الغربي، الذي صدَّر إلينا أعطابه ونفاياته النفسية والعضوية ! تنضاف للفئات السابقة جحافلُ المتعاطفين مع هذا التيار السياسي أو ذاك فيخوضون حروبا بالوكالة عن القيادات الحزبية الساعية جميعها لخدمة الوطن (كما يقول قاداتها و وثائقها الرسمية؛ لأنه مادام هدفنا واحد، فلماذا يتم تجييش الأنصار، ولما يقبل جزءٌ من هؤلاء، أن يكونوا بيادق بأيدي زعمائهم المفترضين، لنشر الحقد والنزول إلى الميادين، للتعارك بالأيادي، بدل الأفكار الخلاقة، فمنذ متى أصبح الوطن يبنى بالجدال السياسي العقيم ومن أفتى لجحافل متعاطفي ذا التيار أو ذاك بجوازِ اللجوء لحروب الكلام أو المنازلة بالأيادي في الميدان لإقناع ناخبٍ أو كسب ود مواطن؟! فهذا لعمري، ليس من شيم المغاربة المتسامحين ولا يستسيغ عاقل تفهمه بكونه، مثلا، وجها من جوه التدافع السياسي المحمود . أما عن أعداد الأسر المغربية المهددة بانعدام السلم والأمن الداخليين، نتيجة زيجات غير مفكر فيها، أو نتيجة ضوائق مالية؛ فرضها عليها كرها أحيانا إقبالها على القروض الربوية، الإستهلاكية؛ فإحصائياتها مما لا يسع المجال لذكره، إذ يكفي الإطلاع على تقارير المندوبية السامية للتخطيط، لنعرف أي مستقبل نصنع لأجيال ستخرج من أصلابنا وأرحامهن، ولا مستقبل لجيل أهدر حاضره سعيا وراء سرابٍ بقيعة يحسبه الظمآن ماء . إنها نتيجة مباشرة أن ينتقم من الوطن مواطن لا يكاد يميز بين زجاجة نبيذ حرام وأخرى للماء الصالح للشرب،بل يعتقد أن التبرز في الفضاءات الخضراء واجب مادام البعض يملك أموال قارون بينما هو لا يميز حرف الألف من عصا شرطي ! أليس هؤلاء بالمعطوبين حقا؟ أليس هذا زمن الأعطاب ؟! فهل تعلم حكوماتنا المنتخبة ديموقراطيا هذه الحقائق،وما هي الإجراءات العملية التي ستخذها الحكومة المقبلة لفائدة تلكم الفئات الإجتماعية ؟! وهل يدرك سياسيونا المحترمين،ممثلو الشعب، أن إهدار الزمن السياسي في ما لا يعود بالنفع على الوطن والمواطنين، أخطاء لا تغتفر، آن الوقت للتعامل معها بحزم، لنبني معا المواطن الصالح الذي يفدي بدمائه الوطنية وطنه ومقدساته وثوابته ! تحكى عن الصينيين القدامى طرفة فحواها أنهم أرادوا أن يعيشوا في أمان،فبنوا سور الصين العظيم لاعتقادهم بأن لا أحد سيستطيع تسلُّق علوه الشاهق.لكن خلال المئة سنة الأولى التي أعقبت بناء السور تعرّضت الصين للغزو ثلاث مرات، دون حاجة لتسلُّق أو اختراق السور، إذ كان الغزاة يكتفون بدفع الرشوة للحرّاس الذين كانوا يفتحون لهم الأبواب فيدخلون ! حكمة الطُّرفة أن الصينيين انشغلوا ببناء السور العظيم، ونسوا بناء الحارس؛ لأن الإنسان المتعلم قيم الحق والواجب، هو المؤهل للذوذ عن وطنه وحمايته، ليس العكس. إننا من خلال هاته المقالة المتواضعة، لا نرمي إلى جلد ذواتنا ولا نهدف إلى إبراز مساوئها وأعطابها، دونما التفاف إلى الجوانب المشرقة، الإيجابية لدى الإنسان المغربي؛ كلا، لسنا بالعدميين، لكننا، ملزمون، بين الفينة والأخرى، برؤية وجوهنا و وجه الوطن، دون مساحيق لعلنا نكثف الجهود ونغلب المصلحة العامة حتى نرى وجه الوطن و وجوهنا جميلة، لكي نرتقي بسلالم التنمية العالمية ونبني الإنسان فينا أو نرممه لنعيده من جديد إلى الإنخراط في نهضة وطنه الحبيب،مغربنا الجميل.. فهيا بنا يا أبناء وطني، نبرهن، بألا شيء يعظم في أعيننا وأمام إراداتنا، كما قال أبو الطيب المتنبي: عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ***وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ. وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها***وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ.