طلع علينا المجلس الجماعي قبل أشهر قليلة ببيان موجه الى الرأي العام المراكشي، يؤكد من خلاله بشرى تهم المراكشيين والمغاربة عموما، بل تهم وتسر كل مهتم بالتراث التاريخي الإنساني، مفادها أن سور مراكش التاريخي قد خضع لأضخم وأكبر عملية ترميم وإصلاح وتقوية، عرفها العصر الحديث ، هذا الخبر جعلنا نفرح قليلا، ونصفق لشيء قد يشفع لهذا المجلس المتآكل سلسلة الفشل المتواصلة والمتساوقة والمتلاحقة، التي طبعت اداءه الذي يكاد يكون منعدما خلال كل مدة ولايته ، خصوصا وأن المبلغ المصرح به والذي انفقه المجلس على ترميم السور وصل الى 28 مليون درهم ، أي ما يقارب ثلاثة ملايير من السنتيمات ، الشيء الذي جعلنا في رسالة الأمة مكتب مراكش نقوم بجولة قصيرة على جنبات السور التاريخي للمدينة والذي ظل صامدا امام الزمن بكل كلكله لمدة تقارب الالف سنة، لننقل لقرائنا الأعزاء جوانب هذا الترميم والإصلاح الذي قام به المجلس الجماعي للمدينة الحمراء. الصدمة الكبرى لم نكد نخطو أول خطوة بجانب السور من جهة باب دكالة ، حتى بدأت آثار الصدمة تعلو وجوهنا ، والاستغراب يلفنا ، و الحزن الممتزج بالغضب يعتصرنا ، من هول ما رأينا ، ومن جراء ما التقطت عدسة مصورنا ، حيث إن واقع السور جد مترد ، وأقل ما يمكن أن يقال في واقعه ، هو أنه يحتضر ويستغيث في صمت كبير ، وتطال أجزاؤه حالات كبيرة من الاهمال ، الذي تسبب في أشياء لا يمكن السكوت عنها ، ولا تغاضيها ، وما سننقله في هذا الربورتاج من صور وتعليقات غني عن البيان ، فلسان حال السور يتحدث عن حالته الكئيبة ، وما يتهدده من خطر محدق وماحق، يوجب على الكل التحرك ، من اجل انقاذ ما يمكن إنقاذه ، لأن ثروة المدينة الحمراء التاريخية والحضارية بدأت في التلاشي ، صحبة هذا المجلس الذي ثبت ايضا فشله على هذا الصعيد. الفضلات البشرية والحيوانية تنتهك حرمة السور إن أول ما يمكن أن تراه بعينك المجردة وبدون تمحيص ولا تدقيق ، هو كم الفضلات البشرية والحيوانية التي تنتهك بشكل سافر حرمة سور ظل لردح من الزمن حصنا منيعا للمدينة ، يوقف جحافل الغزاة والطامعين ، ويقف في وجه منجنيقاتهم ودباباتهم التاريخية ، السور الذي كان لمدة غير يسيرة مفخرة للمغاربة قاطبة ، كونه أطول سور مدينة في العالم، ولكونه كذلك سور المدينة الوحيد الذي يحيط بها احاطة السوار بالمعصم ، ليغدو الان مأوى للسكارى والمتشردين والمدمنين ، يحولونه إلى مراحيض عمومية غير مرخصة ، حتى لم يعد المار بجانب السور يستطيع تحمل الرائحة الكريهة والغريبة التي تزكم الانفس، وتقلق راحة السياح وكذا أصحاب المدينة وأهلها . بل إن السور الذي تآكلت اجزاؤه بشكل غريب من جهة الأساسات، بفعل تبول جحافل من المشردين والمعربدين ومدمنين وذوو العاهات النفسية ، لينادي بلسان حال القهر والألم والذلة التي بات علها من ظل بشموخ يدافع عن المدينة وكرامتها وحوزتها وحياضها، وكيف آلت الامور ليغدو هذا السور مأوى لكل الموبقات التي تنقص من قدره ومن قيمته التاريخية. تغيير صارخ لمعالم السور وهدم اجزاء منه على مرأى من المجلس الجماعي لمراكش آفة اخرى تنضم الى كم الآفات الكبرى التي تطال هذا السور وتقتله في صمت مريب على مرأى ومسمع من هذا المجلس الجماعي الذي حول المدينة الى انتكاسات متتالية ، أصابتها بالشلل التام ، هي عمليات الهدم التي أصبح يتعرض لها هذا السور بشكل شبه يومي ، حيث يعمد العديد من ساكنة المدينة المجاورين للسور اما الى ادخاله ضمن جدران البيت وتحويله الى واجهة من واجهات المنزل ، وتثبيت الشبابيك على السور ، بشكل يفقد الصواب ، والبعض الاخر يعمد الى هدم الجزء المحاذي لمنزله من السور ، فيعمد الى بناء جدار اسمنتي آخر بدل السور ويفتح نوافذ وشبابيك ، وادخنة للمطابخ ، وتثبيت هوائيات التلفاز ، عليه والبعض الاخر قام بتثبيت قنوات بلاستيكية "قادوس"لصرف مياه اسطح منازلهم الشيء الذي أضر كثيرا بواجهته، بل البعضمنهم قام ببناء جدار فوق السور ليضيف طابقا آخر في منزله على حساب هذا السور ، وهنا يبرز السؤال من قام بالترخيص لهذه الابنية التي تتخذ طابعا عشوائيا ، وتقوم بالإساءة الى تاريخ المدينة ، بل من قام بغض البصر عن هاته الانتهاكات الجسيمة والاغتصابات المتتالية للسور على مرأى ومسمع من العالم أجمع ، وبشكل يوحي بأن هناك مؤامرة تحاك ضد تاريخ المدينة ، وتراثها الحضاري وإرثها التاريخي؟ مستودعات عشوائية على جنبات السور مما فاجأنا أو زاد من وقع المفاجأة علينا، أننا وجدنا الى جانب السور سورا من رفوف القصب وضعه بالمحاذاة مع سور مراكش التاريخي ، بعد تثبيته بواسطة حفر تم احداثها على السور ، لتتحول جنبات السور من جهة باب الدباغ الى مستودع بلدي لإيداع مجموعة من معدات الحفر والقطر والبناء والشحن ، الشيء الذي اضر بواجهته بشكل كبير ، وحوله الى مكان للبناء العشوائي مما يهدده بالانهيار في أية لحظة ، خصوصا ان سور المدينة الحمراء عرف خلال السنوات الثلاث الاخيرة ، عدة انهيارات في اماكن متفرقة من السور ، بلغت مئات الامتار. وما يحز في النفس أيضا أن جنبات السور تم تحويلها الى مراكن للسيارات "باركينغ" ، بشكل غريب الأمر الذي لا يجب السكوت عنه نظرا للتشويه الذي قد يطاله، نظرا ايضا لكم الاخطار التي تتهدد بسبب هاته المراكن. حرق الازبال على جنبات السور أدى الى تفحم اجزاء كبيرة من واجته أبدع القائمون على المجلس الجماعي لمدينة مراكش طريقة جديدة في التعامل مع النفايات المنزلية والازبال ، فبدل جمعها ووضعها في مطارحها المخصصة لذلك ، عمد هؤلاء الى تكويمها بجانب السور واضرام النار فيها ، بشكل يخنق الانفاس ، ويضر بالصحة ، لكن المخجل أيضا والمزعج أيضا في هاته العملية الغريبة التي تشي بحجم العجز والفشل الذي يطال المجلس ، هو ان النيران التي تشتعل في الازبال وبفعل محاذاتها للسور فإنها أيضا التهمت واجهة السور لتحولها الى بقع متفحمة سوداء اللون ، تثير الذهول لأنها حولت واجهة السور الحمراء الى سوداء ، حتى أضحى اسم مراكش السوداء اليق بواقع الحال الذي باتت عليه المدينة ، وسورها التاريخي. شقوق وانهيارات واعترافات لا يحتاج الامر الى كبير عناء أو تدقيق لنخلص ونرى ونلاحظ حدم الشقوق والانهيارات التي باتت جزءا من قصة السور في عهد هذا المجلس الذي اتقن الفشل ، وتفنن فيه الى حد أضحى يفقد الصواب ، ويثير الاستغراب ، فمن خلال الصور التي نستعرضها ستلاحظ ايها القارئ العزيز حال السور بدءا من تحويله الى مستودعات واماكن لبيع الآجر والرمال ثم مرورا بتغيير المعالم ، وانتهاء بالتشققات والانهيارات التي نسمع عنها او نعيشها بين الفينة والاخرى . غير أن ما يجعلنا نفغر أفواهنا أيضا هو اعترافات احد نواب العمدة بالانهيارات التي تقع للسور ، فقد تناقلت وسائل الاعلام أن نائب العمدة قد اعترف مؤخرا بانهيار مائتي متر من سور المدينة ، وأن اربعمائة متر مهددة بالانهيار ، لكن أمام هذا الوعي من المجلس الجماعي بخطورة الامر ، ماذا فعل لوقف هذا النزيف ، وما هي التحركات التي تبناها أو قام بها لرأب الصدع، ليبقى الجواب بالنفي هو أنسب جواب عن هذا السؤال. أين ذهبت ثلاثة ملايير من السنتيمات لكن يبقى السؤال الابرز وامام الخالة الكئيبة التي قمنا بعرضها وتوثيقها بالصور النطاقة عن نفسها ، هو أين ذهبت ما يقارب الثلاثة ملايير من السنتيمات ؟ اين ذهبت اموال المراكشيين ، والتي يقال انها دفعت لشركة من اجل ترميم سور المدينة الذي لم يرمم ، عملية الترميم التي قيل بشأنها الكثير ، وانها اكبر عملية ترميم للسور في العصر الحديث ، في حين ان واقع الحال يؤكد أن السور تعرض لأكبر عملية اغتصاب في العصر الحديث، الشيء الذي يمكن عده جريمة بشعة وشنيعة في حق تاريخ المدينة وتراثها الشامخ ، في عملية اذلال تعد الاول من نوعها لتاريخنا العظيم، فهل ستتحرك الجهات المختصة للتحقيق في مآل أموال المدينة والتي انفقت على عملية ترميم لم تسفر الا مزيدا من الدمار لهذا السور ؟.