إعتاد الناس كل عام مع بداية شهر رمضان، على سماع مغالطات تنتشر في الغرب حول طبيعة الشهر الكريم، وأسباب صوم المسلمين، وتحاول بعض وسائل الإعلام الغربية الأخرى تنوير شعوبها والإجابة على الأسئلة، كفضل الصوم في تهذيب النفس وتدريبها على الصبر والتحمل.. والصوم كعلاج للعديد من أمراض العصر المزمنة، كما كشفت ذلك دراسة يابانية حديثة، غاية في الأهمية، أن جسد الإنسان عندما يجوع يأكل نفسه، أو يقوم بعملية تنظيف لنفسه بإزالة كل الخلايا السرطانية وخلايا الشيخوخة والزهايمر ويحافظ على شبابه ويحارب أمراض السكر والضغط والقلب، عن طريق تكوين بروتينات خاصة لا تتكون إلا تحت ظروف معينة وعندما يصنعها الجسم تتجمع بشكل انتقائي حول الخلايا الميتة والسرطانية والمريضة وتحللها وتعيدها إلى صورة يستفيد منها الجسم، وتتمثل هذه الظروف في امتناع الإنسان عن الطعام والشراب لمدة لا تقل عن 8 ساعات ولا تزيد عن 16 ساعة، وسمي ذلك علميا ب "عملية الالتهام الذاتي" وهو موضوع جائزة "نوبل" للفسيولوجيا والطب لعام 2016 للطبيب العالم اليابانى بورشينورى أوسومي. لكن إلى جانب هذه الحقائق العلمية والطبية المفيدة تبرز مجموعة أخبار وشائعات حول شهر رمضان لا علاقة لها بحقيقة الشهر الفضيل، وقد تتداول هذه الأخطاء حتى من بعض المؤسسات التربوية والدينية الغربية التي تدعي أنها"مختصة"، منها على سبيل المثال، لا الحصر، أن المسلم مجبر على الصوم شهراً كاملاً بلا توقّف عن الأكل والشرب، لمدة 30 يوماً متتالياً من دون أن يفطر ولا مرّة إلا عند حلول عيد الفطر وهو طبعاً أمر مستحيل علمياً، وخاطئ دينياً. كما يروج أيضا أنه يمكن للمسلم شرب المياه خلال فترة الصيام، أي الصيام على الطريقة "اللاهوتية" تصوم عن بعض المأكولات كاللحوم وغيرها، مع إباحة شرب الماء والسوائل في أي وقت من النهار. ومن الاشاعات أو المغالطات المنسوبة أيضا للمسلمين منع تنظيف الاسنان، لأنها تفسد الصوم، في نظرهم!! ومن الأقلام الغربية من كَتَب أن الصيام إلزامي على المسلم مهما كانت ظروفه وصحته، متناسيا قول الله تعالى "فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ"، وفيهم من لم يكلف نفسه عناء البحث والتحري، وكتب أن رمضان "يأتي في موعد ثابت كل عام"وهي أيضا معلومة خاطئة، إذ يأتي رمضان في كل الفصول، هذا بالنسبة لما يقال عن الصيام في بلاد الغرب!! أما الطامة الكبرى، فهي في عقر دارنا و ما يقوم به أبناء جلدتنا، أي ما يمكن الاصطلاح عليه ب"عملية الالتهام الذاتي" للصف الإسلامي، بنقل و تفشي الاشاعات الداخلية بين المسلمين حول بداية و نهاية رمضان، وأنواع القذف المتبادل بين الدعاة و الائمة و علماء الفلك من وصف الاخر بالجهل وعدم الدراية والتهكم من بعضهم البعض التي تروج خاصة مع بداية الشهر الفضيل، و ذلك ما رصدناه في السنوات الأخيرة في أوروبا. إذ صدم الجميع بهذا السلوك و ذاك التفرق بين طبقة واسعة من الائمة و الدعاة ونحن في عصر الحساب والتكنولوجيا، إذ لاحظنا انه من المسلمين في أوروبا من بدأ صومه يوم الثلاثاء، نعم يوم الثلاثاء، وفيهم من بدأ يوم الأربعاء، وفيهم من بدأ يوم الخميس مع أغلبية دول العالم الإسلامي التي اعتمدت الرؤية الشرعية لهذه السنة بأن فاتح رمضان سيكون يوم الخميس 17 ماي 2018، إلا أن فريق "صيام يوم الأربعاء" في بعض الدول الاوروبية، أو الذين يتبنون اعتماد التقويم الأحادي على أقليتهم، إذ حاول بعض رموزه التحريض وحتى الضغط ببيانات شفوية وكتابية ارتجالية، في وسائل التواصل الاجتماعي خاصة، وحتى ببعض الاشاعات والمغالطات قصد "كسب الأنصار واستمالة الكفة إلى جهتهم"الساعات الطوال دون تثبت، بل قل حتى إلى ساعات متأخرة من ليلة الأربعاء، على حد تعبير بعض الائمة المتابعين للقضية، بحيث أردف يقول "لاحظنا أن معظم الذين يدافعون عن الحساب الفلكي منفردا يصرون على تكرار نشر جملة: (غدا الاربعاء 16 ماي 2018، هو أول أيام رمضان ان شاء الله، في ألمانياوسويسرا حسب الحسابات الفلكية "الدقيقة")، وأردف محدثي بقوله: " لماذا الاصرار على كتابة كلمة: "الدقيقة"؟ هل لتغليط الرأي العام ؟ أم لأن القوم ليسوا مقتنعين تماما بالرأي الذي اعتمدوه؟ أم أنهم تورطوا في تغليط أتباعهم ولا يملكون الجرأة الفقهية للتراجع؟، كما لاحظ محدثي ومن على شاكلته، هجوما شرسا على بعض المشايخ، إلى حد التسفيه والتنقيص والتحريش، بل والتشكيك في صحة صومهم، متناسين أن الخلاف لا يفسد للود قضية، معللا بقوله، إن مذاهب الصحابة رضوان الله عليهم في هذه المسألة ثلاثة، لا رابع لها : مذهب الصوم مع أول من رأى -1 2- مذهب لكل قطر هلال. وعليه قول ابن عباس، القول المشهور: "أنتم رأيتم ونحن لم نر" 3- مذهب صوم الاحتياط تورعا للزهاد مضيفا بقوله "فلماذا التغليط وتوهيم الناس أنهم إن لم يصوموا بالحساب يكونون عصاة!! لأن هذا ما فهمته العامة من بياناتهم!! على تعبيره. رغم كل هذا الهرج و المرج و الحقائق الدامغة أحيانا، وحتى بعد توقف الزوبعة في يومها الأول والثاني، خرج بعض القوم للتشفي بقولهم، إن حجم الهلال كبير جدا يوم الخميس، وهو دليل قاطع على أن بداية الشهر كانت يوم الأربعاء و ليس الخميس؟ فرد عليهم الفريق الثاني بشهادة موثقة حول حجم الهلال من الشيخ عبدالله الزبير عبدالرحمن ؛ نائب رئيس مجمع الفقه السوداني، يطمئن بها المسلمين بالسودان بصحة الصوم يوم الخميس، إذ كتب يقول: "انا الذي اعلنت نتيجة تحري هلال رمضان وكنت رئيس اللجنة التي درست التقارير الفلكية ووقفت على الحسابات الفلكية القطعية المؤثرة في اثبات هلال رمضان. و باتفاق علماء الفلك حسب التقارير الفلكية المختلفة من جمعياتهم ومراكز الرصد الفلكي وغيرها، الرؤية كانت مستحيلة في كل آسيا وغير ممكنة عندنا، وكذلك باتفاق الفقهاء.."، ليجزم بقوله "أن كل ادعاء للرؤية يوم الثلاثاء يكذبه الحساب القطعي وترده القاعدة الفقهية.. وعليه اعلنا بعد التدقيق العلمي والفقهي ان يوم الأربعاء هو المكمل للثلاثين من شعبان وان الخميس هو أول رمضان".. "اما ظهور الهلال كبيرا فسببه امران: الامر الأول، انه مولود من ظهر يوم الاربعاء فعند مغرب الخميس سيكون عمر الهلال اكثر من 28 ساعة وبالتالي من البديهي والمنطق الفلكي ان يظهر جرم الهلال كبيرا !! والامر الثاني، ان من نبوءات نبينا عليه الصلاة والسلام كبر الهلال في آخر الزمان في اكثر من حديث"، مع إضافات أخرى في البيان يطول شرحها. ورغم التخوف من هذه الظاهرة بين المسلمين في ديار الغرب و التي سهل شيوعها وسائل التواصل الاجتماعي كانتشار النار في الهشيم، ونفخت في رماده أبواق غربية وشرقية مغرضة، إلا ان بعض دعاة الخير في أمتنا يرون أن مظاهر الشهر الفضيل في الدول الغربية أصبحت مع مرور الأعوام أكثر قوة وحضورا، على حد قول المثل"يا جبل ما يهزك ريح "!! وما دور الهيئات والمراكز الإسلامية في الغرب في تثقيف الأجيال وتنويرهم إلا مؤشر خير رغم صعوبة الابحار في خضم أمواج مجريات وتوقعات لعواصف مخيفة قادمة من المشرق هذه الأيام في سماء متقلب من لحظة لأخرى خاصة ما تقوم به بعض الدوائر في دول الخليج باسم السعي للتنسيق بين المسلمين في الغرب في شهر الصيام والمغفرة كهذا !! ورغم اجتهاد الهيئات الإسلامية والمؤسسات التربوية في أداء دورها الفعال في المجتمعات الغربية التي تتعايش فيها على مستويات عدة، ان كان على الصعيد الاجتماعي، الثقافي، السياسي والخيري. فهي تعتبر نفسها جزءا من هذا المجتمع وحريصة على ازدهاره وتقديم الصورة الصحيحة عن الإسلام والمسلمين بعيدا عن التشويه المتعمد من قبل بعض وسائل الإعلام العنصري واليمين المتطرف، إذ بات يشعر المواطن الغربي ان ما يشاع عن الدين الإسلامي من تشويه ما هو إلا أكاذيب لا تمت للحقيقة بصلة، لكن المخيف والمخجل هو سياسة التنافر والتصادم بين المسلمين، التي اصطلحت على تسميتها ب "عملية الالتهام الذاتي"، في بداية مقالي هذا، أو ما وسمته ب"الملاكمة تحت الحزام بين دعاة القبلة الواحدة"، في مقال مستقل سابق، إذ كتبت على لسان بعض رموز العمل الإسلامي، أنه يتوجب علينا كمسلمين وكمؤسسات إسلامية ان نوصل الصورة الإيجابية الحقيقية عن هذا الدين العظيم من خلال الاندماج والتفاعل الإيجابي مع المجتمع الذي نعيش فيه ومع أهله، دون التنازل عن الالتزام بتعاليم ديننا الحنيف !! إذ يعد العمل الدعوي و الخيري في شهر رمضان المبارك فرصة للمؤسسات الإسلامية للتفاعل مع الجالية المسلمة والمجتمع الغربي بصفة عامة رغم صعوبة المرحلة وشراسة الأعداء، إذ التحضير للشهر الفضيل يتطلب جهودا وتضحيات مضنية مسبقة، من خلال تنسيق وتنشيط فعاليات تبدأ بالمساجد ومن المساجد، أبرزها مآدب الرحمن ومشاريع إفطار الصائم للمسلمين وغير المسلمين، وحض الجالية للتبرع لقضايا الأمة وكذلك للمساهمة بزكاة أموالهم في بعض المشاريع التي تقوم عليها المؤسسات الخيرية في عالمنا الإسلامي، أو كإطعام المشردين واللاجئين للتخفيف من معاناتهم. كما عودت بعض الهيئات والمراكز الجالية المسلمة كل سنة على نشاطات واعدة، كمسابقات حفظ القرآن الكريم أو أجزاء منه للناشئة من الفتيان والفتيات حيث توزع الجوائز في ليلة القدر من كل سنة، وهو إعداد لأجيال قادمة تحمل مشعل الخير للناس كافة.. وكذلك برمجة ندوات أسبوعية ودروس يومية في عدد من المساجد المنتشرة في المدن المختلفة وخاصة الكبرى، كما سعى بعضهم منذ سنوات، لتوحيد مواقيت الصلاة وأيام الأعياد، و السعي للاشتراك في عمل توعوي لتوحيد يوم بداية رمضان ونهايته إلا أن هذا الامر لا تزال تتقاذفه أمواج الفرقة و العصبية المقيتة كما يعلمها العام و الخاص.. أخيرا ندعوا الله بالمناسبة في أعز أيام السنة أن يبصر الجميع بما فيه خيري الدنيا و الاخرة، إنه قدير و بالإجابة جدير، والله يقول الحق و هو يهدب السبيل.