أيام معدودات، ويحل شهر رمضان المبارك لهذا العام على أمتنا الإسلامية وفي امس الحاجة للوحدة و التآزر، و كعادة شعوبنا مع اقتراب شهر الصوم تتفاوت اهتمامات المسلمين على امتداد المعمورة، لكنها تبدو مختلفة نسبيا لدى مسلمي الغرب، إذ تتجدد معاناة المسلمين في أوروبا كباقي مسلمي الغرب، إذ تطفو على السطح مشكلة تحديد بدء شهر الصيام وانتهائه؛ بسبب غياب التوافق بين المرجعيات الفقهية والمراكز الإسلامية حول وضع آلية واضحة لتحديد بداية الأشهر الهجرية، وخاصة أشهر رمضان وشوال وذي الحجة، في عدد من البلدان الأوروبية. و تتسبّب تلك المشاكل في انقسام المسلمين في القارة العجوز بين مقدّم ومؤخّر في الإعلان عن بداية شهر رمضان المبارك، وفق الرؤية الفقهية التي تتبعها هيئاتهم ومراكزهم الإسلامية. مجهودات محتشمة قصد توحيد بداية الصيام ونهايته ومع تصاعد الجدل في المدة الاخيرة، حول اعتماد الحسابات الفلكية في تحديد بداية شهر رمضان المبارك من عدمها، وخروج بعض الآراء التي لا تستند إلى رأي فقهي واضح حول المسألة، عقدت العديد من الندوات المحلية والدولية في المساجد الأوروبية وحتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي قصد الوصول لتوافقات بين الهيئات والمراكز الاسلامية في البلد الواحد أو المقاطعة الواحدة قصد توحيد بداية الصيام ونهايته، علما أن هذه السنة تحديدا الوضع السياسي الدولي مهتز جدا و متشنج للغاية، خاصة في دول الخليج بحيث عكر الوضع الأمني هناك على المسلمين في الغرب صفو رؤية واضحة يطمئن إليها القوم على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم، هذا من جهة، و من جهة اخرى هناك دول إسلامية أخرى عزمت منذ سنين على حزم نهائي لمواقيت الصلاة واعياد مواطنيها في اوروبا، بالعمل وفق الحساب الفلكي لا غير كتركيا وبعض دول البلقان، التي يمثل مواطنوها أكبر جالية في أوروبا الغربية، خاصة في المانيا والنمسا وسويسرا وغيرها. إعلان الحساب الفلكي وحده لدخول الشهر غير كاف فيما ينتظر مسلمون أخرون، من جهات أخرى، تحرى هلال شهر رمضان بداية من يوم الثلاثاء 15 مايو، الذي سيغيب فيه القمر قبل أو مع الشمس في معظم الدول الإسلامية، حسب بعض المراصد الفلكية، مما يجعل رؤية هلال رمضان في ذلك اليوم مستحيلة في هذه المناطق، وعليه بالنسبة للدول التي تشترط رؤية الهلال لبداية الشهر فإنه من المفترض أن يكون يوم الأربعاء 16 مايو هو المكمل لشهر شعبان، ويكون يوم الخميس 17 مايو أول أيام شهر رمضان المبارك، إذ يجزم بعض الفلكيون أن رؤية الهلال يوم الثلاثاء 15 مايو مستحيلة من جميع المناطق الشمالية من العالم وبعض المناطق الوسطى، وهذا يشمل قارة أوروبا وأستراليا وآسيا ومن الدول العربية يشمل العراق وبلاد الشام والجزيرة العربية، وذلك بسبب غروب القمر قبل أو مع غروب الشمس، أما ما تبقى من مناطق العالم الإسلامي فإن رؤية هلال شهر رمضان منها يوم الثلاثاء غير ممكنة إطلاقا بسبب غروب القمر بعد الشمس بدقائق معدودة لا تسمح برؤية الهلال حتى باستخدام أكبر التلسكوبات الفلكية، على حد تعبير أحد المراصد الإسلامية الدولية. هذا وتجدر الإشارة إلى أن العديد من الفقهاء والفلكيين يرون أنه لا داعي لتحري الهلال بعد غروب شمس يوم الثلاثاء من المناطق التي يغيب فيها القمر قبل الشمس، لأن القمر غير موجود أصلا في السماء وقتئذ، وعليه فإن رؤية الهلال مستحيلة في ذلك اليوم استحالة قاطعة من تلك المناطق، وهذا معروف مسبقا من خلال الحسابات العلمية القطعية، وقد كانت إحدى توصيات مؤتمر فلكي حضره فقهاء ومتخذو قرار من العديد من الدول الإسلامية ما نصه: "إذا قرر علم الفلك أن الاقتران لا يحدث قبل غروب الشمس أو أن القمر يغرب قبل الشمس في اليوم التاسع والعشرين من الشهر فلا يدعا لتحري الهلال." وقد أقرّ الفقهاء ألا تعارض بين هذه التوصية وبين سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بتحري الهلال، إذ أن هذه التوصية متعلقة فقط بالحالات التي نعلم فيها مسبقاً أن القمر غير موجود في السماء بناء على معطيات قطعية. صوموا لرؤيتهِ وأفطروا لرؤيتهِ : من جهة أخرى ترفض بعض الهيئات الإسلامية في الدول الاسكندنافية القبول المطلق بإعلان الحساب الفلكي وحده لدخول الشهر، مبررة بقولها "أن الحساب يجب أن يكون خادما للرؤية لا حكما عليها وأن لا يُتخذ الحساب الفلكي بديلا للرؤية في إثبات دخول الشهر" لما في ذلك من مخالفة واضحة للسنة وإجماع الصحابة، على حد تعبير بعض الائمة، معللا ذلك بقوله ": أن رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – بين طريقةَ شُهُودِ الشَّهْرِ، ومعْرِفَتَهُ فقال: (لا تصوموا حتى تروا الهلالَ، ولا تُفْطِروا حتى تروهُ. فإنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فاقدروا لَهُ)، و في رواية (صوموا لرؤيتهِ وأفطروا لرؤيتهِ. فإن غُبِّيَ عليكم فأكْمِلُوا عدةَ شعبانَ ثلاثين). امام هذا الجدل الجديد المتجدد، وقصد الخروج ولو مرحليا من عنق الزجاجة، يرى بعض الائمة في كل من سويسراوالمانيا، إتباع أغلبية المسلمين ، أي الاتراك والالبان، التي تمثل أزيد من 80 في المائة، حتى ولو كانت حساباتهم غير دقيقة في عمومها، إلا أنهم يعملون بالحساب مسبقا، فهم ، مثلا، يعلمون تحديدا متى يبدأ رمضان و متى يكون يوم العيد خاصة بالنسبة للترتيبات مع السلطات لأخذ يوم عطلة أو حجز قاعات الصلاة الجماعية والاعياد و غيرها.. وبالتالي تكون ترتيباتهم معلومة مسبقا للجميع، لأننا أقلية في دول غير إسلامية، وهذا طبعا حفاظا على وحدة الصفوف ولو مرحليا ، على حد تعبير بعض الأئمة. الفرق بين الصوم والصيام: أما هيئات أخرى، تفاديا لكل تصادم بين المسلمين، فقد تركت الحرية للمراكز، كل مركز يجتهد وفق ما يراه أصحابه صوابا، و أكتفت هذه الهيئات بارسال منشورات، للتعريف بالصيام وقيمه و فضله، وفيهم من أرسل برنامجه للاستفادة ردا على استمارة ترسل تقريبا كل سنة، تشتمل على أسئلة معتادة منها مثلا: ما هو البرنامج الدعوي الذي وضعته لجنة المسجد لإحياء أيام رمضان مع طول نهاره وقصر ليله؟ وكم هي مدة القراءة في التراويح، و يختم القران كاملا أم لا، وهل من المناسب جعل موعظة قصيرة قبل العشاء أو بين كل اربع ركعات؟ وماهي محاور ندواتهم الأسبوعية؟ الخ .. مع توصية تربوية ختامية مهمة جداً للشباب خاصة لكي يميز المسلم بين الصوم والصيام، حسب المطوية الموزعة، فهناك فرق مهم بينهما، لان المقصود بالصيام هو الابتعاد عن تناول الطعام والشراب من بداية اليوم لنهايته فقط، حيث لا يدخل في معناه شيء آخر، ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى في سورة مريم: " فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا (26)"، والمتمعن في الآية يلاحظ ان الخطاب في بداية الآية بدأ ب"كلي واشربي"، ثم في نهاية الآية أمرها أن تصوم لكن ليس عن الأكل وإنما عن الكلام. أما مفهوم الصوم فهو الابتعاد عن المحرّمات التي يمكن أن يقع فيها المسلم، والتي يمكن أن تفسد صيامه، كأن يغتاب أحداً أو يكذب أو يسرق أو يترك الصلاة، فكل هذه الأمور من شأنها أن تفسد الصيام و تضيعه، حيث إن الابتعاد عن المحرمات هو الذي تهذّب الإنسان ويحسّن من أخلاقه، حيث يصبح إنساناً متزناً وقويّاً وقريباً من الله تعالى. وقد استطرد أصحاب المطوية بقولهم "من السهل على الإنسان أن يمتنع عن الطعام والشراب، ولكن من الصعب عليه أن يبتعد عن ممارسة بعض الأعمال المحرمة، فالصوم يحمي الإنسان لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:" الصوم جنّة"، أي وقاية وحماية، وبالتالي فهو أوسع من الصيام، سائلينَ اللهَ أنْ يعين الجميع على صِيامِهِ وقيامهِ وأنْ يُهِلَّهُ على الجميع بالنِّصْر، والأمنِ، والإيمانِ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.