بعد أخذ ورد وطول انتظار وجرجرة المواعيد بمبررات لا تعد ولا تحصى ، أعطت الدولة المغربية أخيرا الضوء الأخضر لانطلاق البنوك الإسلامية وأصدر بنك المغرب بلاغاحول تفاصيل الأبناك التشاركية أو المعاملات البديلة.لكن طلعة المولود الجديد تبدو غير مبشرة بالمرة، لأن وجهه يحمل تشوهات خلقية عديدة ، وتنذر بأنه سيعاني كثيرا من عمليات التعديل ( أو التشويه بالأحرى) التي خضع لها خلال فترة الحمل العجيب الذي امتد لسنوات طويلة !! ومصدر خيبة الأمل في هذا المنتوج الجديد أنه – ومراعاة لمصالح الساهرين عليه المادية والإيديولوجية- جاء بتوليفة متنافرة لا يمكن أن تجتمع إلا في أذهان واضعيه وفي " أجمل بلد في العالم ". فهذه المعاملات البديلة أو التشاركية ( حتى لا نقول إسلامية فنثير حساسية القوم المفرطة الذين وضعوا من بين شروط هذه المعاملات الصارمة أن لا تتم الإشارة مطلقا من قريب أو بعيد إلى البعد الديني فيها ، على شاكلة التربية الإسلامية التي حاولوا تغيير اسمها إلى التربية الدينية...) تتم داخل بنك مغربي تقليدي ( ربوي) يمتلك 51 في المائة من رأسمال " البنك الإسلامي". يعني أن البنك التقليدي الذي لا يتعامل إلا بالربا المحرم، سينشئ بداخله شباكا يتعامل على الطريقة الإسلامية ....فكيف ستتم معاملة شرعية داخل بنك ربوي وبأمواله وتحت إشراف أطره ...؟؟ وكيف سيفصل البنك الربوي بين أمواله " الربوية " ورأسمال المعاملات الشرعية الإسلامية ؟ خلاصة ما حدث أن القوم راهنوا على أمرين اثنين بخصوص هذه المنتجات : - أولا : تأخير موعد انطلاقتها بمبررات وذرائع متجددة وواهية كل مرة في انتظار انقضاء ولاية بنكيران الحكومية حتى لا يسجل هذا الإنجاز باسمه ولا باسم حزبه. - ثانيا : إفراغ هذه البنوك من مضمونها وربطها بشكل مباشر بالبنوك الربوية ، وجعلها تحت رقابة بنك المغرب وليس الهيئة الشرعية – كما هو معمول به في هذا النوع من البنوك على المستوى العالمي – وذلك خوفا على بنوكهم التقليدية من البوار بسبب المنافسة الجادة التي يرجح أن تشكلها الابناك اللإسلامية الحقيقية عليها. وحرصا من جانب آخر على تجنب إرساء مؤسسات تعمل بالشريعة وترسخ القيم الإسلامية التي يعاني القوم من حساسية مفرطة منها... فما الداعي إذن لكل هذا التخبط والتضارب ؟ ولماذا إقرار هذه المنتجات إن كان المسؤولون يكرهونها لهذه الدرجة..؟ فقد كان بإمكانهم إعادة التأكيد على التصريح الذي أدلى به وزير المالية السابق " فتح الله ولعلو " بأن النظام الاقتصادي المغربي لا يسمح بوجود أبناك إسلامية ، وكفى الله المسؤولين شر النفاق والالتفاف.؟ !.. يبدو أن ما دفع هؤلاء للبحث عن هذه الصيغة العجيبة لإخراج هذه البنوك إلى الوجود ليس الحرص على مصالح المواطنين وتيسير التعامل البنكي أمام المترددين في التعامل مع المؤسسات الربوية ( لأنهم أجبروا الجميع تقريبا على التعامل معها..) ،بل ضغط الكثير من الشركات ورجال الأعمال الخليجيين الذين يشترطون وجود أبناك إسلامية لكي يستثمروا أموالهم بالمغرب، مما اضطر هذا الأخير إلى فتحها – مكرها لا بطلا – تتجاذبه بقوة وعنف الرساميل الخليجية المغرية من جهة ، ومن جهة أخرى حساسيته الشديدة من المعاملات الشرعية الإسلامية التي ستعيد من الباب البعد الديني الذي تعمل أطراف في الدولة جاهدة على إخراجه من النافذة... وفي الختام لا بد من التذكير بأن الأبناك الإسلامية تنتشر باستمرار عبر العالم وليس فقط داخل الدول الإسلامية (هناك 22 بنكا إسلاميا في بريطانيا التي تعتبر عاصمة الصرافة الإسلامية،و3 في فرنسا، و4 في سويسرا، وبنكان في ألمانيا، بالإضافة إلى اللوكسمبورغ وروسيا وإيرلندا، وغيرها..) ، ويزيد إشعاعها وتتأكد نجاعتها خصوصا وأنها أثبتت قوتها وصلابتها أمام الأزمات الاقتصادية التي ضربت العالم مؤخرا ، مما حذا بمعظم دول العالم لفتح اقتصادها أمام هذا النوع من البنوك.وبالتالي سيجد المغرب نفسه عاجلا أم آجلا مضطرا للانفتاح عليها بشكل حقيقي ، وليس بهذا الشكل المشوه الذي يجمع الحلال بالحرام والربا بالتعاملات الشرعية كمن يبني مسجدا داخل حانة أو يشيد صومعة لدار دعارة...ولا شك أن مآلها الفشل الذريع كما سبق وحدث مع تجربة " دار الصفا " سابقا... وحسنا فعل من سماها " معاملات بديلة أو تشاركية " وليس " إسلامية " ، لأن الحق لا يمكن أن يجتمع مع الباطل كما لا تجتمع النار بالماء ولا الظلمة بالضياء... !!