ظل موضوع المعاملات الربوية الذي تنهجه البنوك التقليدية في معاملتها يشكل حرجا بالنسبة للمغاربة، نظرا لوجود نص قرآني قطعي يحرم الربا، الشيء الذي كان يجعل المغاربة يعيشون نوعا من الحيرة بين ما يأمر به دينهم، وبين ما تمارسه الأبناك الربوية على أرض الواقع. وسبق لموضوع كهذا أن أثار ردة فعل قوية من طرف المجلس العلمي الأعلى على خلفية إفتاء الدكتور يوسف القرضاوي بجواز تعامل المغاربة مع الأبناك الربوية للضرورة . فهل وضع قانون الأبناك التشاركية حدا للمعاملات الربوية ؟ لعل من بين أهم المستجدات التي جاء بها قانون الأبناك الإسلامية بالمغربية هو تنصيصه الصريح على ألا تؤدي أنشطة الأبناك التشاركية وعملياتها إلى تحصيل فائدة أو دفع فائدة أو هما معا. إلى ذلك، نص القانون الجديد خصوصا في المادة 58 منه على مجموعة من العقود الجديدة التي لم تكن تتعامل بها الأبناك التقليدية . الأستاذ الباحث في الاقتصاد الإسلامي زهير لخيار أوضح في حديث مع الرأي أن مميزات هاته العقود تكمن في كونها عقود شرعية غير ربوية وتنضبط لقاعدة الغنم بالغرم، وقاعدة المخاطرة، مضيفا أن هاته العقود ستحرك الاستثمار والانتاج لا محالة وهو ما لم تحققه الأبناك التقليدية. القانون الجديد المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها جاء بستة عقود جديدة غير مسبوقة في تاريخ الأبناك بالمغرب وهو ما من شأنه أن يشكل إضافة نوعية للمعاملات المصرفية بالمغرب . هكذا نص القانون الجديد على عقد المرابحة وهو كل عقد يبيع بموجبه بنك تشاركي منقولا أو عقارا محددا وفي ملكيته، لعميله بتكلفة إقتنائه مضاف إليها هامش ربح متفق عليهما مسبقا. أهمية هذا العقد تكمن في كونه غير ربوي بحسب الأستاذ زهير لخيار الذي أوضح أن هذه العملية وإن كانت مكلفة إلا أنها خالية من الربا، فضلا عن كون البنك ينضبط لقاعدة المخاطرة والغنم بالغرم وهو ما ليس موجودا في الأبناك الربوية، فعلى سبيل المثال لو أراد مواطن شراء سيارة، فإن البنك يتفق معه مسبقا على نوعية السيارة ويبيعها إليه مع حساب تكلفة المصاريف والأرباح، وهو ما لا يتوفر في الأبناك التقليدية التي لا تخاطر، إذ تقوم ببيع الأموال فقط، ونفس الأمر ينطبق على إقتناء دار أو شقة مثلا، فإن المواطنين ما عليهم سوى التوجه نحو المؤسسة المعنية والاتفاق معها على الدار أو الشقة ومميزاتها ثم يقوم البنك بشرائها وإعادة بيعها له، وهنا تنتفي عملية الربا . العقد الثاني هو عقد الإجار وهو كل عقد يضع بموجبه بنك تشاركي، عن طريق الإيجار، منقولا أو عقارا محددا وفي ملكية هذا البنك تحت تصرف عميل قصد استعمال مسموح به قانونا. أهمية هذا العقد تكمن في كونه قد يؤدي إلى التمليك تبعا للكيفيات المتفق عليها، فكراء دار من طرف مواطن ما قد تصبح في ملكيته بعد عشر سنوات من أداء أجور الكراء مثلا، وبذلك يتخلص من أعباء تسديد أقساط الكراء، فلنفترض جدلا أن أحد المواطنين اكثرى سيارة أجرة من بنك تشاركي فإنه بإمكانه أن يصبح مالكا للسيارة بعد مرور المدة المحددة في العقد أي بعد يستخلص البنك ثمن الشراء . ونص القانون كذلك في المادة 58 منه على عقد المشاركة وهي كل عقد يكون الغرض منه مشاركة بنك تشاركي في مشروع قصد تحقيق ربح. أهمية هذا العقد بحسب الأستاذ زهير لخيار أنه عقد غير ربوي ويعتبر البنك فيه شريكا في الربح والخسارة، أي أنه منضبط لقاعدة الغنم بالغرم . القانون أوضح أيضا أن عقد المشاركة يكون إما عن طريق المشاركة الثابتة، ويبقى الأطراف في هذه الحالة شركاء إلى حين انقضاء العقد، أو تكون عن طريق المشاركة المتناقصة، أي أن البنك ينسحب تدريجيا من المشروع وفق بنود العقد . تقدم بموجبه رأس المال نقدا أو عينا أو هما معا.ومقاول أو عدة مقاولين يقدمون عملهم قصد إنجاز المشروع.ويتم اقتسام الأرباح المحققة بين الأطراف وبتحمل رب العمل وحده الخسائر، إلا في حالات الإهمال وسوء التدبير أو الغش أو مخالفة بنود العقد من طرف المضارب. هذا العقد فضلا عن كونه عقد شرعي ولا أُثر للربا فيه، فهو سيفتح الباب أمام حاملي المشاريع من الكفاءات التي تنقصها الموارد المالية للقيام لتحقيق مشاريعها على أرض الواقع، فلنفترض مثلا أن مهندسا يحمل مشروعا ما وتقدم به نحو البنك وأقنعه فإنه بإمكان البنك تمويل مشروعه واقتسام الأرباح معه،مما يوفر عنه قطعا مهمة البحث عن الموارد المالية الضرورية لتمويل المشروع. فضلا عن ذلك، نص القانون الجديد كذلك على عقدين مهمين يمكن للمواطنين الاستفادة منهما وهما عقد الاستصناع وعقد السلم . وعقد الاستصناع بحسب ما جاء في القانون هو كل عقد يشترى به شيء مما يصنع يلتزم بموجبه أحد المتعاقدين.البنك التشاركي أو العميل، بتسليم مصنوع من بمواد من عنده، بأوصاف معينة يتفق عليها بثمن محدد يدفع من طرف المستصنع حسب الكيفية المتفق عليه، فضلا عن كون هذا العمل شرعي وغير ربوي فهو سيعفي العملاء من التوجه نحو الأبناك التقليدية للاقتراض بنسبة فوائد مرتفعة لشراء مواد ما، فالبنك هنا يتكلف بشراء واستصناع المواد المتفق عليها ثم يتم الأداء بدون ربا.فمثلا إذا كان مواطن ما في حاجة إلى أفرشة أو أدوات منزلية فإن البنك يوفر له هذه الأدوات على أن يؤدي ثمنها على دفعات . أما عقد السلم حسب القانون الجديد فهو كل عقد بمقتضاه يعجل أحد المتعاقدين البنك التشاركي أو العميل، مبلغا محددا للمتعاقد الآخر الذي يلتزم بتسليم مقدار معين من بضاعة مضبوطة بصفة محددة في أجل. وسجل الباحث وأستاذ الاقتصاد القياسي بجامعة الحسن الأول بسطات أن المعاملات الجديدة ستنعش مناخ الاستثمار وتساعد المغاربة على وضع أموالهم ومدخراتهم في بنوك غير ربوية . الأستاذ الباحث أكد أيضا أن الأصح في التسمية هو بنوك المشاركة وليس الأبناك التشاركية لأن التشارك يقتضي إشراك المعنيين، أما هذه الأبناك فتعتمد الشراكة فقط وليس الإشراك .