يبدو أن الاستراتيجية التي يسير فيها المغرب سواء تعلق الأمر بتدبير ملف الصحراء، أو تعلق بالانفتاح على عمقه الإفريقي، الذي يزيد من تضييق الخناق على جبهة البوليزاريو، يبدو أنه يدفع الجبهة الانفصالية إلى التخبط وخروج قادتها عن صوابهم، تارة بالتلويح بالحرب، وأخرى بالتهديد بتحويل مدن مغربية داخلية كمراكش إلى ساحة فوضى، ومرة باختطاف مواطنين مغاربة، أو احتجاز سائقي شاحنات أو مشجعين رياضيين، ومرة أخرى بالتموقع في الأراضي العازلة، التي تشرف عليها الأممالمتحدة، والترويج على أنها أراض تم تحريرها. في السنة الأخيرة حقق المغرب انتصارات سياسية واستراتيجية وديبلوماسية، عديدة سواء على مستوى إعادة العلاقة مع دول كان قد قاطعها، أو على مستوى سحب بعضالدول لاعترافها بدولة تنظيم البوليزاريو. ففي أبريل الماضي أعاد المغرب علاقته مع كوبا بعد قطيعة دامت أزيد من أربعين سنة. وكان أنطونيو غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، شدد في تقرير إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حول الصحراء، في أبريل الماضي، على ضرورة الانسحاب الكامل والفوري للبوليساريو من المنطقة العازلة الكركرات، التقرير أيضا يؤكد بوضوح مسؤولية الجزائر في هذا النزاع. وفي ماي الماضي سحبت مالاوي اعترافها بدولة البوليزاريو، بتدخل شخصي من الملك، وكانت مالاوي بذلك، البلد الإفريقي الخامس والثلاثين الذي يسحب اعترافه. هذه الانتصارات والإحراجات المتكررة وغيرها، دفعت تنظيم البوليزاريو، وبعض الدول الداعمة له كالجزائروموريتانيا، إلى القيام باستفزازات أو التلويح بالحرب، ففي غشت 2016، خرج محمد خداد٬ أحد قيادات جبهة البوليساريو، بعد لقائه بالرئيس الموريتاني، ليقول إن " الكويرة أرضا صحراوية"، جاء ذلك بعد رفع العلم الموريتاني على أرض الكويرة، ما دفع المغرب إلى إرسال قوات عسكرية، إلى المنطقة الحدودية الفاصلة بين المغرب وموريتانيا٬ وتحديدا منطقتي "قندهار" و"الكركارات". وقامت موريتانيا بإلغاء جميع النقاط الأمنية شمال انواذيبو مباشرة بعد إعلان المغرب انسحابه من منطقة الكركرات، وهو القرار الذي وصفته وسائل إعلام موريتانية بالقرار الغامض. وفي الوقت الذي نقلت مصادر موريتانية أن الجيش الموريتاني سيرد على أي تحرك مغربي نحو الكويرة، نشرت منابر تابعة للبوليساريو بأن حركة عسكرية غير عادية في صفوف البوليزاريو٬ بدت معالمها٬ بعد التحركات المغرب العسكرية٬ باتجاه الحدود الموريتانية. وكانت وحدات مسلحة تابعة لجبهةالبوليزاريو، تدخلت صباح يوم الأحد 28 أغسطس 2016 من أجل إيقاف أشغال الترميم التي تقوم بها المملكة المغربية بمنطقة الكركرات، حسب وكالة الأخبار الموريتانية (مستقلة). وفي اكتوبر 2016، صرح به عبد القادر الطالب عمار عضو الأمانة الوطنية لجبهة البوليساريو الانفصالية ووزيرها الأول، في حديثه مع المجلة الإلكترونية الإسبانية بوبليكو ، قائلا: "جيشنا على استعداد ميدانيا، والتحذير موجّه إلى المغرب، وفي حالة التجاوز تندلع الحرب، وهذا دليل على أن الصحراويين قادرون على الانتقال إلى الفعل".وأضاف :"ولا بدّ أن يحدث شيء". وفي فبراير الماضي أكد وزير الداخلية في جبهة البوليساريو مصطفى البشير، في مقابلة له مع وكالة "سبوتنيك"،استعداد الجبهة للتفاوض مع المغرب حول سبل حل القضية الصحراوية، وقال: "إن تمادي الرباط في عرقلة الشرعية الدولية سيؤدي لا محالة إلى حرب جديدة". عبارات من قبيل: الحرب الجديدة، وقادرون على الانتقال من القول إلى الفعل، ولابد أن يحدث شيء، وجيشنا على استعداد…، هي ما أسميته مطلع هذا المقال، بالتخبط والخروج عن الصواب. وهكذا أمام الموقف السلبي للأمم المتحدة ولمجلس الأمن، تمادى تنظيم البوليزاريو، في فرض الأمر الواقع عن طريق السيطرة على أراض عازلة المفروض أنها تحت إشراف الأممالمتحدة من أجل إزالة الألغام، واعتبر التنظيم أنه حرر تلك الأراضي وسيطر عليها، وبدأ في تغيير الخريطة على مرآى ومسمع وصمت وتواطؤ العالم، في تحد صارخ للقوانين والاتفاقيات والأعراف والأخلاق. ما دفع السلطات المغربية يوم الأحد 1 أبريل 2018، لإبلاغ الأمن الدولي بالتوغلات الخطيرة لجبهة البوليساريو في المنطقة العازلة، في رسالة سلمها الممثل الدائم للمغرب لدى الأممالمتحدة "عمر هلال" إلى رئيس مجلس الأمن الدولي "غوستافوميازاكوادرا". وقال الوزير ناصر بوريطة في اجتماع لجنتي الشؤون الخارجية بالبرلمان بحضور قادة الأحزاب السياسية "هناك استفزازات ومناورات.. الجزائر تشجع البوليساريو على تغيير وضع هذه المنطقة العازلة التي وضعت منذ أوائل التسعينيات تحت مسؤولية الأممالمتحدة". وأضاف وزير الخارجية "إذا لم تكن الأممالمتحدة مستعدة لوضع حد لهذه الاستفزازات، فإن المغرب سيتحمل مسؤولياته ولن يتسامح مع أي تغيير يمكن أن يحدث بهذه المنطقة". وقال وزير الداخلية عبد الواحد الفتيت في الاجتماع نفسه إن المغرب تعامل دائما بمسؤولية، ولكن هذا لا يعني أنه سيبقى مكتوف الأيدي أمام اعتداءات تستهدف تغيير وضع أراضيه. وفي كلمة ألقاها مساء يوم أمس الاثنين 2 أبريل 2018، أبلغ رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، القياديين الحزبيين والنقابيين، بالموقف الرسمي للمغرب قائلا: "المغرب لن يسمح بأي تغيير فوق أرض المنطقة، ولن يسمح بالاعتداء أو بخرق قرار وقف إطلاق النار، وأنه يحتفظ بحقه في الرد واتخاذ كافة الإجراءات المناسبة في هذا الاتجاه". وأضاف العثماني، أن الملك محمد السادس، أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة رفضه لما وصفه باستفزازات جبهة البوليساريو، وأنه سيبلغ كافة رؤساء الدول الصديقة بآخر التطورات التي تعرفها المنطقة. وإذا لم يتم التفاعل مع طلبات وشكاوى المغرب، فلن يبق أمامه إلا أن يجرب آخر الدواء كما يقال، مضطرا مرغما، متمثلا قول الشاعر العربي الحر الأصيل، الذي كان يتجنب الحرب ما وسعه، طافئا نارها وشرورها وأسبابها، وفي نفس الوقت مضطرا لخوضها دفاعا عن الحياض والكرامة والأنفس، وردا للظلم والعدوان: وإني لأطفي الحرب بعد شبوبها **** وقد أُوقدتْ للغي في كلَّ موقد فأوقدتها للظالم المصطلي بها **** إذا لَم يزعه رأيه عن تردد وبحسب مصادر مطلعة، فإن مجموعة من الطائرات المقاتلة المغربية، من نوع "ف16" حلقت هذا الصباح، بالقرب من المناطق العازلة، للقيام بجولات استطلاعية تراقب من خلالها الأوضاع عن كثب بالقرب من الحزام الأمني، الذي يعرف توترا حادا. هكذا تفاعلت القضية طيلة الأشهر الماضية، لكن بعيدا عن هذه التطورات والأحداث التاريخية المتسلسلة وهذه التصريحات، وبعيدا عن مواقف لهيئات وأحزاب، لايسع المقام استعراضها. ماهي احتمالية نشوب حرب ضد جبهة البوليزاريو؟ وهل بإمكان المغرب بدأ الحرب فجأة متى رأى ذلك؟ وماذا سيربح المغرب وماذا سيخسر، بل ماذا ستربح المنطقة بكاملها وماذا ستخسر؟ أسئلة وغيرها نقلتها للدكتور محمد بنحمو رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية فكانت أجوبته (ننشرها لاحقا كاملة): أن احتمال الدخول في الحرب وارد بشكل كبير، ويبقى أحد الخيارات إذا وصلنا للطريق المسدود، خاصة مع التهديدات الكبيرة المحتملة جراء تصرفات ميلشيا البوليزاريو، المغرب في حالة دفاعية، وهو لن يعلن الحرب، بل سيكون مضطرا لصد العدوان، وهذا لايتطلب إجراءات معقدة، بالنسبة للأرباح والخسائر، لاشك أن العمل العسكري عنده ثمنه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ولاستقرار والأمن، ليس على المغرب فقط، بل على المنطقة برمتها. يصعب صراحة تقرير ما الصواب، هل الدخول في حرب؟ أم تهدئة الأوضاع؟ نتابع حروبا بدأت ولم تنته بعد، نتابع حروبا بدأت صغيرة وانتهت متشعبة ومعقدة، نتابع انفلاتات بسيطة كانت سببا في ولادة بؤر للإرهاب والقطع الرؤوس وترويع الآمنين، لكن بالمقابل نتابع دولا دخلت في حروب لأقل من هذا الذي نتعرض له، نتابع دولا تخوض حروبا دفاعا عن أمنها القومي، داخل أراض دول أخرى مجاورة، وأحيانا بعيدة بآلاف الأميال. نتابع أردوغان يتعقب الميليشيات والتنظيمات التي تهدد أمن بلاده، داخل سوريا والعراق غير مبال بأحد. لكن الذي أستطيع الجزم به، مهما كان الخيار، فإن تقوية الجبهة الداخلية، بنزع فتيل التقاطب بين فئات وشرائح ومكونات المجتمع، وإطفاء الفتن ورد الحقوق ورفع المظالم وتوحيد الرؤية وتوحيد القيادة ونسيان الخلافات، كلها أمور ضرورية لإنجاح خيار الحرب أو خيار السلام، وعلى الدولة أن تقوم بكل ما يمكن أن يعزز الثقة، بينها وبين المواطنين من جهة، وبين مكونات المجتمع من جهة أخرى، والانتصار في هذه المعركة شرط للانتصار في معاركنا الخارجية.