عرفت رياضة كرة القدم في الألفية الحالية تطورا كبيرا وملموسا ، إذ لم تعد مصدرا للمتعة واللهو والترفيه عن النفس كما كان سابقا ، بل أصبحت اليوم اقتصادا مكتمل العناصر ، ومصدرا من مصادر الثروة ، ورافدا من روافد التنمية المستدامة ، ومركزا لتشجيع للاستثمار وخلق فرص الشغل ، لذلك سارعت الدول عبر الاتحادات الوطنية المشرفة على رياضة كرة القدم وبادرت الى تهييئ الأرضية القانونية أو اللوجيستيكية أو البشرية لخلق مناخ مناسب للاستثمار في هذه الرياضة . والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم باعتبارها المؤسسة الوصية على القطاع بالمغرب قامت بمجهودات جبارة بدعم من وزارة الشباب والرياضة وباقي القطاعات الحكومية المتدخلة على تهييئ مجموعة من الظروف لتحقيق الغايات المرجوة من كرة القدم كمصدر من مصادر الثروة ، عبر فتح مجموعة من الأوراش من أبرزها تفعيل مضامين القانون رقم 09-30 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة ونصوصه التنظيمية ، ثم تحيين الأنظمة والقوانين المتعلقة بهياكل الجامعة ، وأيضا تلك الخاصة بالقوانين التنظيمية للممارسة الرياضية ، وإعطاء الانطلاقة لمشروع الاحتراف بكل أبعاده وتجلياته ، إلى غيرها من الأوراش الكبرى والمهمة التي تنتظر تفعيلها على أرض الواقع ومن أبرزها تحويل الجمعيات الرياضية لشركات . ولكن من وجهة نظري كباحث في المجال فرغم المجهودات التي تبدلها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم لتطوير هذه الرياضة والرقي بها الى المستويات العالمية ، فأعتقد بأنه لابد من تدارك مجموعة من النقائص التي ظهرت الى الوجود بعد تطبيق مجموعة من النصوص القانونية التي وضعتها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم و المهيكلة لممارسة اللعبة سواء المتعلقة باللاعبين أو المدربين أو المسيرين … ، وسأقتصر من خلال هذا المقال على المدرب باعتباره من بين أحد الأعمدة المكونة لممارسة اللعبة . وقبل الخوض في الحديث عن وضعية المدربين داخل البطولة الاحترافية لكرة القدم الوطنية لابد من الإشارة الى أن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ليس لديها على الأقل حاليا أي تصور أو رؤيا أو مشروع واضح حول ما يسمى بالمهن المرتبطة بكرة القدم ، لأن كرة القدم لا يمكن اختزالها في دحرجة الكرة عبر مجموعة من الأشخاص فوق رقعة لمدة زمنية معينة ، بل هي أوسع بذلك بكثير فهي نسيج اقتصادي يعرف تشغيل مجموعة الأجراء سواء أكانوا لاعبين أو مدربين أو أطر طبية ، أو حاملي الأمتعة ، أو إداريين أو مكونيين في مراكز التكوين إلى غيرها من المهن المرتبطة بهذا المجال ، وهنا أدعو مختلف الفاعلين الى استلهام التجربة الفرنسية في هذا المجال بحيث أن الفدرالية الفرنسية لكرة القدم وعصبة كرة القدم الاحترافية للدرجة الأولى ، واتحاد الأندية المحترفة لكرة القدم الاحترافية للدرجة الأولى ، والاتحاد الوطني اللاعبين المحترفين ، والاتحاد الوطني للمدربين والأطر التقنية المحترفة لكرة القدم اجتمعوا وقاموا بوضع ميثاق لكرة القدم الاحترافية بفرنسا انطلاقا من موسم 2017-2018 وهو بمثابة اتفاقية جماعية وطنية لمهن كرة القدم وكذا بوصلة حددت الاطار التنظيمي والقانوني لمختلف المتدخلين في مجال كرة القدم على اعتبار أن هذه الأخيرة تعتبر قطاعا منتجا في البلد ويدر أموال كبيرة وهامة في خزينة الدولة بالنظر لحجم الأموال المستثمرة في هذا المجال . وبدوري أتمنى أن تجتمع الجامعة الملكية المغربية ، والعصبة الوطنية الاحترافية لكرة القدم ، والعصبة الوطنية لكرة القدم هواة ، والعصب الجهوية ، وودادية المدربين ، وجمعيات اللاعبين الممارسين أو القدماء ، وكذا جمعيات المسييرين الرياضيين ، ومختلف المتدخلين لوضع رؤية وميثاق لكرة القدم الاحترافية بالمغرب يتم من خلاله تحديد المهن المرتبطة بكرة القدم ، وتحديد حقوق وواجبات كل طرف ممارس لهذه المهن سواء اكان لاعبا محترفا وطنيا أو أجنبيا أو هاويا أو مدربا وطنيا أو أجنبيا أو مكونا أو مسيرا ، أو شركة رياضية ، أو جمعية رياضية الى غيرها من المهن ، وتحديد الأنظمة القانونية والمالية المرتبطة بالأجور والتعويضات الجارية في حق كل فئة من الفئات من أجل تحقيق الاستقرار التعاقدي و رفعا لأي لبس ومساهمة في تطوير جودة المنتوج الكروي الوطني حتى يكون مساهما حقيقيا في التنمية. وارتباطا بنفس الاطار ارتأيت من خلال هذا المقال كما أسلفت الذكر الحديث عن احدى المهن المرتبطة بمجال كرة القدم وهي مهنة مدرب رياضي ، وخاصة الحديث عن المدربين المغاربة الممارسين ضمن أندية البطولة الاحترافية لكرة القدم نظرا لوضعياتهم المهنية التي أصبحت معقدة بالنظر للنظام القانوني الذي أصبح يسري عليهم منذ الموسم الرياضي الماضي 2016-2017 . بحيث أنه وفي إطار بروز ظاهرة غريبة داخل الدوري الاحترافي المغربي والتي اشتهرت بترحال المدربين أو انتقالهم داخل نفس الموسم الرياضي الى فريقين أو أكثر ، وكذا سهولة فسخ عقودهم من طرف رؤساء الأندية دون مراعاة لأي اعتبار ، تعالت مجموعة من الأصوات داخل ودادية المدربين و الداعية الى حماية المدرب باعتباره الحلقة الضعيفة داخل النادي عبر سنّ نظام قانوني يمنع توقيع المدرب لأكثر من فريق واحد داخل نفس الفريق الرياضي لخلق نوع من تكافئ الفرص بين المدربين من جهة ، ثم الزام النادي في حال فسخ عقد المدرب بشكل تعسفي بأداء كامل مستحقاته المترتبة عن العقد مما يحقق نوعا من الحماية للمدرب من جهة ثانية ، وهو الأمر الذي رفعه رئيس ودادية المدربين المغاربة كتوصية للمكتب الجامعي الذي قام بتبنيه وإخراجه في شكل نص قانوني ، إذ أن المادة 63 من نظام المنافسة الصادر عن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم والمصادق عليه من طرف الجمع العام بتاريخ : 23 يوليوز2017 والتي نصت في فقرتها الثالثة على مايلي : " durant la même saison sportive, un cadre technique titulaire d'une licence d'entraineur, délivre par la FRMF, ne peut , en cas de rupture anticipée du contrat , bénéficiaire d'une licence l'habilitant à exercer auprès d'un autre club dans le même niveau de compétition ou d'un niveau supérieure..." وأمام وضع هذا المقتضى القانوني المشار اليه أعلاه والقاضي بعدم السماح للمدربين بتدريب نادي رياضي ثاني خلال نفس الموسم الرياضي بعد فسخ العقد مع النادي الأول وعدم تمكينهم من رخصة ثانية للتدريب ظنا بأن ظاهرة إقالة المدربين ستتوقف ، بل انها تضاعفت، بحيث أن المسيرين الرياضين مازالوا على نفس المنوال المرتبط بفسخ عقود المدربين لسبب أو لأخر و بالتراضي خاصة بعد دخول المادة أعلاه حيز التنفيذ مما أصبح يطرح أكثر من علامة استفهام حول الموضوع ؟. فهل المادة المشار اليها أعلاه وغيرها جاءت لتنظيم مهنة مدرب كرة القدم بالمغرب وحماية حقوقه أم جاءت كسيف مسلط على رقبته وباعث على عدم الاستقرار الاجتماعي لديه ؟ وهل تعتبر المادة أعلاه سلاحا بيد مسيري الأندية لابتزاز مدرب كرة القدم والتدخل في أموره التقنية بدعوى أنه مهدد بالعطالة في حال فسخ عقد ؟. بل إن واقع كرة القدم أفرز مجموعة من الحالات التي جعلت مجموعة من الأطر الوطنية تهاجر للتدريب في دوريات أخرى أمام جمود المادة 63 ، وهنا أذكر حالة الإطارين الوطنيين السيد بادو زاكي ، والسيد رشيد الطاوسي اللذان هاجرا للتدريب بالدوري الجزائري للمحترفين ، كما أن حالة المدرب الوطني فؤاد الصحابي المعروضة حاليا على أنظار لجان الجامعة الملكية لكرة القدم تشكل النقطة التي ستفيض الكأس ، فلا يعقل أن مدرب أبرم عقدا مع فريق بالبطولة الاحترافية وقام بفسخه دون أن يخوض أي مباراة ، ولم يحصل على أي تعويض مادي بحسب ما تداوله الاعلام الرياضي ، وأبرم عقدا مع فريق ثاني بنفس البطولة لممارسة نشاطه المهني كمدرب لكرة القدم باعتباره مورد رزقه الوحيد، ونواجهه بمقتضيات المادة 63 من نظام المنافسة . أعتقد بأن تطبيق النص القانوني المشار اليه أعلاه أثبت قصوره وعدم مساهمته في خلق نوع من الاستقرار التعاقدي المرتبط بإحدى مهن كرة القدم وهي مهنة مدرب كرة القدم ، بل أصبح من الواجب تحيين المادة 63 من نظام المنافسة الرياضية و استلهام تجارب مقارنة في هذا المجال ، وهنا أقترح الاهتداء بروح المادة 656 من النظام الأساسي لمدربي كرة القدم داخل الأندية الاحترافية بالدوري الفرنسي والواردة بميثاق كرة القدم الاحترافية المشار اليه سابقا والتي ميّزت بين مرحلتين خلال الموسم الرياضي ، مرحلة التعاقد مع مدرب عند بداية الموسم الرياضي ، ومرحلة التعاقد خلال سريان الموسم الرياضي ، إذ في الحالة الأولى أي عند بداية الموسم الرياضي لا يمكن أن يتم ابرام عقد مع مدرب لمدة تقل عن موسمين وهنا تفعيل وتجسيد لمبدأ حماية الطرف الضعيف في العقد ، أما في الحالة الثانية أي خلال سريان الموسم الرياضي فان القانون يعطي للنادي امكانية توقيع عقد رياضي جديد مع مدرب للفترة المتبقية من الموسم الرياضي الجاري وهو تفعيل لمبدأ توازن المصالح بين النادي والمدرب . Article 656 : " 1- contractualisation en début de saison : Chaque premier contrat dans un club de l'entraineur titulaire du...…est conclu pour une durée minimum de deux saisons ; 2– contractualisation en cours de saison : Le club a la possibilité de faire signer un nouveau contrat d'entraineur responsable de l'équipe professionnelle pour la durée restante de la saison en cours ." وأعتقد بأنه قد حان الوقت لإعادة صياغة المادة 63 من نظام المنافسة الرياضية من طرف الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم على أن يكون التعديل على هذه الشاكلة من خلال فقرتين يقسمان الموسم الرياضي الى مرحلتين وجعل التعاقد بداية الموسم هو الأصل ، والتعاقد خلال الموسم الرياضي هو الاستثناء ، و بالتبعية منح ترخيص استثنائي للمدرب الجديد خلال سريان الموسم الرياضي على أن لا تتجاوز عملية التعاقد من جديد فريقين خلال نفس الموسم ، وهنا سيكون تحقيق نوع من التوازن والعدالة التي يسعى القانون الى تحقيقها بين مختلف المراكز القانونية سواء مدربين أو أندية ، وهو ما يجب أن تجتهد من خلاله لجان الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في قضية المدرب الوطني فؤاد الصحابي المعروضة عليها قبل تعديل المادة 63 من نظام المنافسة الرياضية . وعموما فرغم المجهودات المبذولة من طرف الجامعة الملكية لكرة القدم في مجال تطوير الممارسة الكروية ببلادنا ، فإني أقول بأن ورش اصلاح القطاع الرياضي مازال في بدايته وطريقه طويل وشاق ولابد من تظافر جهود مختلف الفاعلين لتحقيق الاصلاح المنشود وخاصة ينبغي اشراك الجامعات الوطنية وتشجيع البحث العلمي في هذا المجال اغناء للحوار البناء والهادف لتطوير قطاع كرة القدم بشكل علمي ومنهجي . * باحث بمركز دراسات الدكتوراه بجامعة الحسن الثاني – كلية الحقوق المحمدية –