المتأمل في منظومة التعليم المغربي سيقف عند حقيقة مفادها أن جُلَّ مدارسنا و رأسمالنا البشري التربوي هو مُوظف ، بطريقة أو بأخرى، و في شق معتبر منه، عند الدول المتقدمة بشكل عام، و عند فرنسا بشكل خاص. بتعبير آخر، يكتفي نظامنا التربوي بإعداد "الطاقات و الكفاءات" للدورة الاقتصادية لتلك البلدان المستقبلة، الأمر الذي يعني أن استثمارات وزارة التربية الوطنية في مجال التربية و التكوين لا تعدو أن تكون صبا للمياه على الرمال، تلك المياه التي تدع التربة و الرمال المغربية لتعبر البحار و المحيطات، مفضلة التسرب في تربة فرنسا و ألمانيا و أنجلترا و كندا.. فرغم أن خِرِّيجَ الأمس و اليوم هو خريج المدرسة الأساسية، و الإبتدائية و الثانوية الإعدادية و الثانوية التأهيلية، و الجامعة الغربية، التي يديرها و يدبِّرها طاقم إداري مغربي و يؤطرها رأسمال تربوي مغربي كذلك، و تدفع رواتبهم وزارة التربية الوطنية بانتظام، إلا أنه ما إِن يَحِنِ الوقت الذي يصبح فيه الطالب المغربي قادرا على الإنتاج و مؤهلا ليعيد بعضاً مما أنفقته عليه الدولة، حتى يكون قد حصل على تأشيرة عمل أو على الأقل تأشيرة متابعة الدراسة بالخارج. فمن يستطيع أن ينكر أن أوروبا أصبحت تَعُجُّ بالكفاءات المغربية القديمة و الحديثة، خاصة في التخصصات العلمية الدقيقة و المسارات اللغوية، كفاءات تلقت حروفها الأولى و تخصصاتها في التعليم العالي بقرى و حواضر المغرب، و اليوم لم تعد تربطها بالوطن سوى إجازة صيفية من بضعة أيام، و وسام بارز من درجة "الجالية المغربية المقيمة بالخارج"؟ و وِفْقَ هذا المنطق إذن، ألم يَكُنِ الأساتذة المغاربة الذين درَّسوا أولائك الطلبة و تلك الكفاءات مُجرَّدَ موظفين عند فرنسا و أمثالها، يتقاضون أجورهم بالدرهم بدل اليورو و الدولار أو الجنيه الإسترليني؟ ألم تكن الوزارة بأسرها مجرد مُعِدَّةٍ للأطر لغيرها؟ ألا يُعتبر هذا هجرة لأموال الإستثمارات في ميدان التربية و التكوين، قبل أن يكون مسألة هجرة أدمغة و عقول؟ هذا، ودون أن نغفل البعثات الطلابية التي تبعثها الدولة إلى فرنسا و تُتبِعُها بمنح سخية تخول لأصحابها متابعة الدراسة بالمدارس و المعاهد العليا، و التي غالبا لا يعود أي واحدٍ منها لأرض الوطن !!! فإلى متى سيستمر الوضع هكذا ؟ أليس هذا خُسرانٌ مُبِينٌ، أن نُكَوِّن ثروتنا البشرية و نهديها على طبق من ذهب لغيرنا؟