يوم غائم وقهوة ساخنة تحتسيها أنثى حياتها رهاب، هنا وهناك تسترق النظر، هل الوضع آمن لتعيش لحظات بوح يصعب التكلم عنها في وسط عاش الجهل والفقر؟ هل لها أن تعبر عن آلامها وما يزعجها؟ هل تنتفض في وجه من يجعلها تعيش فوضى الأحاسيس أم أن الوضع غير آمن لتعبر عن كل هذا؟ أغلب حالاتها خوف ورهبة قاتلة تسكن دواخلها، لم يكتب لها أن تعيش الأمان وراحة البال، لا حق لها في نظرة بريئة أو أسئلة عفوية تجد لها إجابات شافية تزيل غموضا يؤلمها ويجعل جسدها النحيل دائم الإرهاق، فهل من بديل ينقذها صدقا لا شفقة؟ هل لها أن تأمل أشياء تطمئنها وتسعد فؤادها أم أن بينها وبين السعادة مسافات ومسافات؟ مذكراتها بوح يكشف معاناتها مع الجهل، أنثى ولدت في وسط أقرنها بمفاهيم العار والإثم والدنس، وسط يحارب معاني الحب والود وحسن المعاملة، أوصاف من يتصف بها ضعيف، فلا ضرورة لوجوده في جماعة أفرادها عنوانهم البأس الشديد. ستستمر العيش، أنثى لا تفارق البسمة محياها، نظرتها للحياة لا تكاد تخلو من الصمود أمام تباين الأقدار واختلافها، بين قدر وقدر حمدا لله، بين مصير ومصير شكرا لله، وبين انتصار وانتصار، هناك إرادة قوية وعزيمة صامدة. حان الوقت لتعيش قدرها، قدر من الأقدار يتمنى عيشها كل واحد منا، لكن هل لها أن تعيشه كما يجب أم أن مخلفات الماضي ستحرمها سحر قدرها؟ لم تحبه بصفاء وأحقادها تكبر وتكبر، كانت تظن أن معاناتها مع الماضي ستغيب مع شريك الحياة، إلا أن ذكريات ماضيها المظلم تحضر كلما سمعت نبرة صوته، يذكرها بأبيها الذي لا يستحق صفة الأب، تتذكر ظلمه لها ولوالدتها، عيناه اللتان لا تنظران إلا بمنظار الشروالرهبة، فكيف لها أن تعيش قدر الحب ودواخلها لا ترى في الرجال إلا صورة المكر والخداع ؟ تركته ولم تعد، أدخلته في سجن أسواره عتيمة، ماذا فعل كي تجازيه العامرية جزاءا يتعب القلب، لتجعله يعيش حالة نفسية كئيبة يصعب الخروج منها؟ ماذا فعل كي تريب كل أمنياته الصامتة أو تلك التي أعلنها أمام أنثاه؟ ماذا فعل كي تبتعد؟ تساؤلات لا تنقضي، لكن خائنته تجيب عن كل واحدة منها. تخليت عنك اختيارا وطواعية، فلست كما تظن أو أظن، ماذا تنتظر من أنثى دواخلها مكسورة، لا تستلذ الحياة ولا ترغب العيش فيها، لا ذنب لي وحبك لا يعني شيئا في غياب المال والثراء والعيش الكريم، لن تنال مني عطفا أو حنانا فمنذ زمن بعيد غابت عني أحاسيس التأنيب والإحساس بمواجع الآخر، لكن سأعتذر عن شئ واحد لا غيره، معذرة لأني عيشتك وهم الحب، فأصبحت واهما راسما أحلاما لا تتحقق إلا في الخيال، لا تلومني فالزمان أقسى من قسوتي عليك. الحب لا يعني شيئا، طالما تابعت حكايا العشق والغرام، إلا أني لم أجد لها انعكاسا في الواقع، وجدت الإستغلال بدل الصدق، وجدت نفسي موضع عبث أو شفقة، الحب تفاهة ولا وجود له، الحب عذاب لمن آمن به ، الحب حزن وبرود في الأحاسيس، الحب حب الله ولا وجود له في موضع آخر، حتى أبي وأمي لا وجود لمعاني الحب بينهما، فكيف أعترف وجوده في بيئة فهمت منها أن حب رجل خطيئة لا تغتفر؟ تجمدت ملامحه محاولا فهم اعترافاتها الجارحة ليعيد نفس السؤال، ماذا فعلت؟ أحبها صدقا وتعلق بها، بنى أحلاما لها ومعها، لكنها لم تكن في مستوى صدقه وحسن نيته، لم يدري أسرار دواخلها ولا علم له بما أفسده مجتمعها وأسرتها، كما أنها لم تدرك أسباب حبه لها، حشمتها، حياؤها، قلة كلامها، ولما كانت بمواصفات تشبه خائنته وقع في غرامها، أحبها لأنه يرى فيها من تخلت وخانت ذكرى حبهما، ألا يرى أنه ظالم لها؟ ظالم لها وظالمة له، كلاهما ظالم لنفسه، حياؤها الظاهر لم يكن حقيقيا بل كان نتيجة قمع وسلطوية عاشتها وسط عائلتها، فالحياء لا يأتي بزرع الرعب في الآخر بل هو نتيجة لمجموعة قيم ومبادئ ندرك حقيقتها فتنعكس بصورة إرادية أو غير إرادية في سلوكاتنا. أغلق على نفسه ولم يرغب الحديث إلى غيره، يكفيه صدمة الفراق، يكفيه حقيقة موجعة أدخلته في سبات يستحال الخروج منه، يرفض محاسبتها على مشاعر حب مزيفة أسقطته في فخ تصديقها، مواعدا نفسه ألا ينطاع أو يستسلم لهوى قلبه مرة أخرى، سيظل صامدا فمرارة الوحدة أهون بكثير من أوجاع سببها فراق الحبيب، لكن هل انجذابنا للآخر يكون بإرادتنا أم أنه بإرادة الخالق ولا مجال للحديث هنا عن أحاسيس نملك أمر التحكم فيها؟ أيها القارئ الكريم، هناك من القرارات لا نملك أمر الحسم فيها بإرادتنا، أحيانا وبدون شعور أو توقع نجد أنفسنا خلفنا وعودا وسقطنا في العشق مرة أخرى، بطل قصتي حان الوقت ليسقطه قلبه في هوى غير خائنته، ليحب أنثى غيرت فيه أشياء وأشياء، أنثى خلقت لتبتسم، خلقت ليعود الأمل إلى حياته بعد أن خانته الحياة في شخص امرأة.