بقيامها أخيرا باختبار ناجح لصاروخ بالستي عابر للقارات، تكون كوريا الشمالية قد دخلت بشكل رسمي لنادي الدول التي تمتلك أسلحة نووية، وتكون بالتالي قد أصبحت تشكل خطرا حقيقيا على الأمن القومي الاستراتيجي للولايات المتحدةالأمريكية. فقد ذكرت وسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية، أن بيونغ يانغ أطلقت بنجاح نوعا جديدا من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات من طراز "هواسونغ-15" يمكنه الوصول إلى كل أراضي الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأن هذا الصاروخ هو الأقوى على الإطلاق لكوريا الشمالية وأنه حلق لمسافة تزيد على 950 كيلومترا لمدة 53 دقيقة في حين وصل إلى ارتفاع 4475 كيلومترا. وقد وضعت هذه التجربة الصاروخية الناجحة المنتظم الدولي وعلى رأسه الإدارة الأمريكية في حرج شديد، إذ كيف تقود الولاياتالمتحدةالأمريكية تحالفا في السابق لضرب العراق متهمة إياه وبالباطل بامتلاك أسلحة محظورة، ولا تقود نفس التحالف اليوم لضرب نظام بيونغ يانغ الذي يصرح أنه يمتلك السلاح النووي ويهدد في الوقت نفسه باستعماله. وإذا كانت صحيفة "ذا ديلي ميل" البريطانية، تؤكد في أحد تقاريرها أن السبب الرئيسي، الذي يدفع ترامب للتراجع عن ضرب كوريا الشمالية، هو خشية تهور الرئيس الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، من أن يستعمل النووي، فإنه يمكن القول أن هذا السبب مجرد تبرير فقط، ذلك أن البيت الأبيض لن يغامر ويدخل في حرب يعرف مسبقا أن حلفاؤه في المنطقة (كوريا الجنوبية واليابان) سيتضررون منها. والدليل على ذلك أن الإدارة الأميركية ظلت طيلة عقود من الزمن تتوعد وتهدد النظام الكوري الشمالي بالتدخل العسكري دون أن تجرؤ على فعل ذلك أو حتى التلويح به انطلاقا من قواعدها العسكرية المنتشرة في المنطقة، وكل ما تستطيع فعله هو التنديد والاستنكار وفرض العقوبات تلو العقوبات وعزل بيونغ يانغ سياسيا، أو دعوة مجلس الأمن التابع لهيئة الأممالمتحدة لعقد جلسة طارئة، مثل ما فعلت اليوم الخميس 29 نونبر 2017. بل إن من يهدد ويتوعد الآخر هو بيونغ يانغ وليس أميركا، وهو ما حدث يوم 25 يوليو 2017 حين هددت في بيان رسمي بتوجيه ضربة نووية إلى قلب الولاياتالمتحدةالأمريكية، إذا حاولت الأخيرة المساس بالقيادة العليا في كوريا الشمالية، ونقلت وكالة الأنباء المركزية في كوريا الشمالية عن وزارة الخارجية في البلاد تعليقات على تصريحات للسيد مايك بومبيو، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، الذي سبق له أن تحدث عن إمكانية تغيير النظام الحاكم في بيونغ يانغ وعزل "شخص قد تكون لديه نوايا نووية". وجاء في البيان أنه "في حال تهديد الكرامة العليا لكوريا الشمالية"، فيجب على بيونغ يانغ أن تبادر إلى إبادة "تلك الدول والكيانات المتورطة بشكل مباشر أو غير مباشر"، مؤكدة أنها ستعتمد كافة وسائل الهجوم المتوفرة لديها بما فيها الأسلحة النووية. ومثل ما فعلت أيضا حينما حذرت يوم 15 أبريل 2017، الولاياتالمتحدةالأمريكية مما وصفته بالهستيريا العسكرية، مهددة إياها بمواجهة مسلحة، وذلك بالتزامن مع توجه مجموعة قتالية لحاملة طائرات أمريكية صوب المنطقة تحسبا لإجراء بيونغ يانغ اختبارا نوويا سادسا. وقال متحدث باسم هيئة الأركان العامة للجيش الكوري: إن "كل التحركات الاستفزازية للولايات المتحدة في المجالين الاقتصادي والعسكري والتي تطابق سياستها المعادية لكوريا الشمالية سيتم إحباطها تماما من خلال أشد رد فعل مضاد لجيش وشعب جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية"، ونقلت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية، عن المتحدث، أن "أشد رد فعل مضاد من جانبنا ضد أمريكا والقوى التابعة لها سيتم بأسلوب لا يعرف الرحمة بحيث لا تترك فرصة للمعتدين للنجاة". يحدث ذلك في الوقت الذي يعتبر فيه نظام بيونغ يانغ من أكبر الأنظمة المنتهكة للقيم الكونية لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، بحيث يستدعي هذا النظام وفي أقرب وقت ممكن تدخلا عسكريا أمميا حتى ولو لم يكن يمتلك أسلحة دمار شامل من أجل حماية الشعب الكوري الشمالي من هذه الانتهاكات. ومن هذه الانتهاكات القرارات الغريبة التي يتخذها زعيمها الشاب كيم جونغ أون، الذي تولى الزعامة سنة 2011 بعد وفاة والده كيم جونغ إل، والذي صار بعدها مصدر رعب لأبناء شعبه، فهم يطبقون هذه القرارات الغريبة خوفا من عقوباته الأغرب، التي تصل إلى حد الإعدام وبأشكال مختلفة ومتنوعة. ومن ذلك اعتماده وفقا لما جاء في تقارير صحفية دولية، قصة شعر غريبة، وجعل حاجبيه أقصر من السابق، إذ أصدر مرسوما يفرض على الرجال أن يسيروا على غرار قصة شعره، وأطلق على القصة "قصة شعر الطموح"، وحدد للمواطنين 28 قصة شعر مسموح لهم بالاختيار بينها وعدم الخروج عنها، كما اعتمد أنواعا غريبة من الإعدامات، فهو يأمر بإعدام كل من يعكر صفو مزاجه، أو يتصرف بسلوك يتسبب بإغضابه، وصار من المؤكد أن لا أحد يمكن أن ينجو من عقوبة الإعدام، وإن كان من ذوي القربى، خاصة بعد أن أمر بإعدام عمه وزوج عمته ووزيره في الدفاع وعددا من المسؤولين الكبار في الدولة، وبوسائل مختلفة، ولأسباب مضحكة أحيانا. فمثلا السبب الذي استحق من أجله وزير الدفاع هيون يونغ تشول، الإعدام بواسطة صاروخ مضاد للطائرات أدى إلى تفتيت جسده وليس فقط قتله، بحسب ذات التقارير هو نومه خلال عرض عسكري حضره الزعيم، وهو السبب نفسه الذي من أجله تم إعدام أيضا وزير التربية والتعليم، لأنه غلبه النعاس وربما النوم، خلال اجتماع رسمي. وبين هذا الطرف وذاك يبقى العالم متوجسا ومتخوفا من اندلاع حرب نووية وشيكة قد تكون نتيجة لهذه التهديدات المستمرة خاصة من جانب نظام بيونغ يانغ المتهور.