منذ فجر الاستقلال ، أي منذ وضع اللبنة الاولى لبناء الدولة المغربية الحديثة، ركزت جل السياسات العمومية المتبعة على الوجه المادي للتنمية، بحيث اتجهت إلى البناء و التشييد. لكنها أغفلت العنصر الاهم في بناء الاوطان ألا و هو الانسان، و بالتالي لم تتبلور سياسة تعليمية تربوية ناجعة تنتج مواطنين فاعلين في المجتمع ، و هذا راجع إلى السياسة المتبعة من قبل الدولة و التي تهدف إلى الضبط و التحكم في المشهد الثقافي و الفكري لدى مختلف شرائح المجتمع و ذلك باستعمال مختلف وسائل التأطير الفكري ( المسجد، المدرسة ، الاعلام ....) فبواسطة المسجد يتم التحكم في الناس عبر الخطاب الديني الواحد الذي يقتل في الناس ملكة الانتقاد ، و هذا الحل يعتبر ناجحا إلى زمن قريب قبل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي و معها علماء اليوتيوب الذين استطاعوا التغلب على الخطاب الرسمي بفضل استعمالهم لخطاب عقلاني علمي مبني على حجج رصينة ووجود شباب متطلع للحرية الفكرية التي كانت مفقود سابقا. أما المدرسة المغربية فهي تعرف مجموعة من الاشكالات البنيوية و بالتالي غياب رؤية واضحة المعالم ، فنحن نلاحظ كثرة المشاريع الاصلاحية من أجل إنقاذ المدرسة المغربية ، لكن هذه المشاريع يكون مصيرها الفشل حتى قبل تنزيلها و ذلك بسبب الاستشارة و فتح نقاش مع الفاعلين الاساسيين داخل المنظومة التربوية أو غياب أي محاسبة و مسألة البرامج الاصلاحية .مما أنتج لنا جيلا هجينا نتيجة كثرة الاصلاحات المستوردة و هو ما ساهم في قتل الروح و الغيرة على الوطن. أما سلطة الاعلام فلم تعد تؤتي أكلها على الاقل لذى الشباب ومع تراكم هذه الارتجالية في التسيير ثم تفريخ مواطنين فارغين بدون هوية لا أفق يتطلعون إليه ، وهذا ما أدى إلى ظهور حوادث اجتماعية تعبر عن هالة الشدود الهوياتي التي يعاني منها المجتمع المغربي ولعل أبشع تجلي لهذه الحالة البدائية التي وصل إليها مجتمعنا هو واقعة محاولة اغتصاب فتاة (يقال أنها مختلة عقليا) في حافلة لنقل المسافرين من طرف مجموعة من المراهقين قد يكونون تحت تأثير المخدرات، وحادثة اغتصاب حمارة سيدي قاسم مما ينبئ عن مستقبل قاتم وبالتالي تحطم البناء الحضاري والثقافي المنشود تحت صخور الجهل. لكن كما علمتنا التجارب التاريخية لدى مختلف الشعوب أن الأمل يلوح في الأفق وهذا الأمل سيتحقق باستيعادة مؤسسات المجتمع (المدرسة، المسجد، الاسرة، الاعلام، جمعيات، أحزاب ...) دورها الريادي المنشود في طليعة بناء الوطن. كل هذه المؤسسات تتحمل المسؤولية التاريخية والأخلاقية من أجل البحث عن التنمية المنشودة وأظنها قادرة على تحقيق هذا الأمل إذا أعملت صوت العقل بعيدا عن الصراعات السياسية والايديولوجية الفارغة فالوطن ليس في حاجة الى ان يعيد 60 سنة اخرى من التخلف والتعثر.