من المعلوم لدى كل المتتبعين الدارسين والباحثين في الشأن التنموي الوطني، أن المغرب يعتبر من بين البلدان المراهنة على احتياطها العقاري في مختلف مخططاتها كمخزون لإنجاح المشاريع التنموية الهادفة إلى الحفاظ على التماسك المجتمعي واستقراره، بضمان العيش الكريم لكل مكونات المجتمع أفرادا وجماعات، وهو ما يفسر جعل العقار بالمحرك الأساس واللبنة الرئيسة للتنمية الاقتصادية على المستويين الوطني والمحلي، تحقيقا و تنفيذا لأهداف السياسة التنموية التي سطرتها الدولة المغربية منذ فجر الاستقلال حتى اليوم، استشرافا لغد أفضل ونهوضا بأحوال الوطن و الأمة. وقبل مناقشة الإشكالية المطروحة، فلا بأس من تدوين معطيات مرجعية لعلها تفيد كتذكير و لفت انتباه، لمن يهمه الأمر: على الصعيد الوطني في هذا الصدد لا ضير من التذكير بعدد من التشريعات المنظمة لتدبير أراضي الجموع، و التي يمكن إدراجها وترك تحليلها لمن يهمه أمرها و تنفيذها: -1- أول منشور وزاري صادر بتاريخ 6 مارس 1914 موجه للعمال والقياد في شأن عدم السماح للجماعات بتفويت الأراضي الجماعية، صدر بالجريدة الرسمية عدد: 45 بتاريخ 10 ربيع الثاني عام 1332 (13 مارس 1914)، ص 94. -2- ظهير صادر بتاريخ 7 يوليو1914، صدر بالجريدة الرسمية عدد:63 بتاريخ23 شعبان عام 1332 (17يوليوز1914(، ص287. -3- ظهير شريف صادر بتاريخ 27 أبريل 1919 المتعلق بتنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات وضبط شؤون الأملاك الجماعية وتفويتها، صدر بالجريدة الرسمية عدد: 340 بتاريخ 28 أبريل 1919، ص375. ويعد ميثاقا للأراضي الجماعية، و خضع لمجموعة من التعديلات أبرزها تعديل ظهير 6 فبراير من عام 1963م. -4- ظهير رقم 1.62.179 صادر بتاريخ 12 رمضان 1382 (6 فبراير 1963) نشر بالجريدة الرسمية عدد: 2626 بتاريخ 27 رمضان 1382 ( 22 فبراير 1963) ص 365. -5- ظهير شريف رقم 1.69.30 صادر بتاريخ 10 جماد ألأولى 1389 موافق 25 يوليو1969، ومتعلق بتنظيم الأراضي الجماعية الواقعة في دائرة الري، منشور في الجريدة عدد: 2960 مكرر بتاريخ 13 جمادى الأوولى 1389 موافق 29 يوليوز 1969 ص 2960. -6- الدورية الوزارية رقم103 ،الصادرة بتاريخ 18 صفر 1415الموافق 26 يونيو 1994م، موجهة من وزير الداخلية إلى السادة عمال عمالات وأقاليم المملكة في موضوع تنمية الإنعاش العقاري من طرف الجماعات السلالية، و هنا نؤكد على ضرورة الرجوع لدليل الأراضي الجماعية، ص 84. إن هذا الكم من الترسانة التشريعية ليدفع بالتساؤل عن مدى مقاربتها و تطبيقها على واقع أراضي الجموع بإقليم طاطا عامة، وبلدية فم الحصن بوجه خاص التي نخر الترامي جسد وعائها العقاري؟ على المستوى المحلي -1- تقدر مساحة بلدية فم الحصن بحوالي 5250 كلم مربع، تقطنها ساكنة لا تتعدى السبعة آلاف نسمة أي 6553 نسمة بعدد 1300 عائلة حسب إحصاء 2014. و تابعة إداريا لعمالة طاطا التي تبعد عنها ب 140 كلم شرقا، في حين لا تبعد عن عمالة أسا سوى ب 70 كلم غربا، مما يدفع بالتساؤل عما يعرف بتقريب الإدارة للمواطن؟. -2- من المعلوم لدى الفاعلين في مجال الشأن التمنوي لإقليم طاطا أن فم الحصن تتواجد بها اربع جماعات سلالية يمكن تحديدها على النحو التالي: الجماعة السلالية لمدشر إشت، الجماعة السلالية لمدشر إمي أوتو، الجماعة السلالية لمدشر تنزيضا ثم الجماعة السلالية لإمي أكادير، هذه الأخيرة تنضوي تحت وصايتها مائة و أربعة عشر ألف هكتارا من أراضي الجموع بموجب عقد استمرار وثقته بالمحكمة الابتدائية بطاطا قسم قضاء الأسرة تحت عدد 77 صحيفة 71 سجل الأملاك العقارية رقم 06 بتاريخ 19 أكتوبر من عام 2006م. إن المعطيات السالفة تفرض التساؤل عما يروج له حاليا بنفوذ الجماعة الترابية لفم الحصن، فيما يعرف ببرنامج تنمية المراعي وعلاقته بالتمويل القطري؟، حيث أضحى هذا السؤال يشغل بال ساكنة الجماعة الترابية لفم الحصن بشكل خاص، وساكنة إقليم طاطا المنسي بوجه عام، إذ أصبح موضوع نقاش حاد في وسائل التواصل الاجتماعي. فمعالجة هذه النازلة المستجدة تستلزم استعراض بعض المعطيات باعتبارها الأساس المرجعي كي يستوفي الموضوع بعضا من حقة، بحيث أن تحليلها يطرح أكثر من علامة استفهام، إذا ما أسقطت على ما تعرفه هذه الربوع النائية من هشاشة في مقاربتها التنموية المستحدثة و المتبعة من قبل منتدبيها، و على ضوئها تطرح أسئلة جوهرية، سيظل جوابها من الواجبات الملحة و الملزمة للدوائر المركزية، خاصة على صعيد المفتشية العامة لوزارة الداخلية، و المديرية العامة للشؤون القروية، تماشيا و تحقيقا لما تعرفه البلاد في هذه الآونة من حراك رسمي هدفه التقويم والإصلاح، و النهوض بحال الأمة و الوطن. أولا: ففي شكاية منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي، موجهة إلى عامل إقليم طاطا عبر الرئيس السابق للمجلس الجماعي لفم الحصن – باعتباره مستشارا بالمجلس الحالي- عما أسماه استنكار الساكنة، و رفضها القاطع للطريقة التي سوف تعتمد في توزيع أعلاف مادة الشعير، التي جاءت كمقابل عن الأرض التي وضعتها الجماعة السلالية لإمي اكادير رهن إشارة القطريين، و ذلك في إطار ما بات يعرف " ببرنامج تنمية المراعي" الممول من قبل دولة قطر، والذي كان موضوع تقديم من طرف بعض أطر مديرية الفلاحة الإقليمية إبان الدورة العادية للمجلس الجماعي لفم الحصن، بتاريخ 5 أكتوبر من عام 2017م، و بالتالي فعملية توزيع أعلاف مادة الشعير التي تجري أطوارها اليوم في فم الحصن تندرج تحت المشروع السالف ذكره، و هنا نتساءل عن الفائدة التي سيجنيها الكساب المحلي من كيس علف يزن خمسين كيلوغراما لكل خمسة رؤوس من ماشيته، أو لكل رأس من إبله؟، خاصة و أن " برنامج تنمية المراعي" لا يعرف له برنامج زمني؟، أم أنه برنامج حمية رسمية لماشية المنطقة في ظل الجفاف بعد تسليم المراعي؟ إن ما أثارته هذه الشكاية ليدفع بالمتتبع إلى التساؤل عن دور السلطات الوصية في مدى تفعيلها للدور المنوط بها في الرقابة و التقويم، تماشيا مع التوجيهات التي ما فتئت تؤكدها الخطب الملكية، خاصة التي سطرها الخطابين السامين لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، سواء بمناسبة عيد العرش أو بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية، من الولاية التشريعية العاشرة للبرلمان؟. ثانيا: إن الطرح الضيق لمفهوم التنمية المنشودة والمفقودة في آن، يقود إلى الحديث عن ملتمس13ديسمبر من عام 2010م، و علاقته بمشروع الضيعات النموذجية، كبديل عن الإقصاء الكلي الذي لحق أبناء المنطقة من عملية التوظيف المباشر التي شهدتها الأقاليم الجنوبية ساعتها، بحيث لم يمنحوا و لو منصبا واحدا من أصل 840 المخصصة لأقاليم الصحراء، و للتذكير فقد تم استثناؤهم في كل عمليات التوظيف المباشر لسنوات: 2000م، 2003م و 2005م، رغم انتماء فم الحصن جغرافيا و إداريا للجنوب الصحراوي، مما يفسر حالة التهميش و الإقصاء التي تعيشها هذه الربوع إلى يومنا هذا، و كأن قدر الإقصاء أبى إلا و أن يجعل في مثل هذا التوقيت من كل سنة ميعادا لتخليد ذكراه بهذه الرقعة المنسية؟. إن ما حدث في عام 2010م، هو الدافع وراء التماس البديل بإنشاء ضيعات نموذجية بمساحة لا تزيد عن خمس هكتارات للفرد، يستفيد منها معطلوا المنطقة، و تمول من قبل الجهات والقطاعات ذات الصلة، بما فيها الجماعات السلالية وفق الشروط القانونية المنصوص عليها، أسوة بما تم في إقليمالرشيدية، وهو البرنامج الذي تبناه المجلس الجماعي السابق، إلا أنه لم يكتب له النجاح لأسباب لا يعلمها إلا القائمون عليه ساعتها، سواء في المجلس الجماعي أو السلطات الوصية، خاصة و أنه عقدت له جلسة عمل حضرها كل الفاعلين في المجال التنموي على الصعيد الإقليمي و الجهوي و الوطني بما فيهم من ممثلي: وكالة تنمية أقاليم الجنوب و برنامج تنمية الواحات و برنامج الأممالمتحدة للتنمية، إضافة إلى ممثلي كل المصالح الخارجية بالإقليم، فما هو مصير مشروع الضيعات النموذجية؟ و ما الذي يمنع اليوم من خلق هكذا مشاريع، عوضا عما يجري التخطيط له، بل و تنفيذه، من مقايضة الأرض بالأعلاف؟ ثالثا: إن الدور القطري في مجال التنمية المستدامة في الوطن العربي لا يخفى على أي باحث في الشأن القومي العربي، فلقد مولت قطر مشاريع تنموية ضخمة في جميع أصقاع الدول العربية، و لها الفضل في إعادة بناء قطاع غزة بعد الحرب الصهيونية المشئومة عليها في صيف 2006، كما لها مشاريع تنموية خيرية مستدامة في كثير من بلدان العالم الإسلامي. ففي غشت من عام2014 تم الشروع في تفعيل الاتفاقية المبرمة بين المغرب ودولة قطر، والمتعلقة بتثمين المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية جنوب المغرب، وذلك بعد استكمال الدراسات والجوانب الفنية المتعلقة بالمشروع . وستستفيد من هذا المشروع الذي تبلغ كلفته 88 مليون دولار، أقاليم جنوب المغرب وخاصة كلميم وطان طان والعيون والداخلية وطاطا. ويتضمن البرنامج مشاريع تهم غرس الشجيرات العلفية على مساحة 360 ألف هكتار، وإنشاء وتجهيز مشاريع المياه وفكّ العزلة عن المناطق المشمولة بالبرنامج، من خلال فتح المسالك الرعوية على مسافة 400 كلم، وتحسين ظروف الولوج إلى الخدمات الأساسية في مجالي الصحة والتعليم. فإن كانت دولة قطر هي الممول لهذا البرنامج، فلماذا لم يشرف مندوبون قطريون أو ممثليهم، على عملية التوزيع ما داموا طرف مساهما في المشروع، حتى توضح الصورة بشكل جلي لساكنة المنطقة؟، و إن كان الأمر كذلك فلماذا لم تتبن قطر مشروعا تنمويا مستداما في إطار تشاركي مع ساكنة المنطقة، أساسه الربح و الاستفادة القائمة على الربح المشترك بين الطرفين، فيقوم بالتالي بتوفير فرص شغل قارة لأبناء المنطقة التي ظلمتها الطبيعة بقسوتها و شحها، ليهمشها "السياسي" بتدبيره العقيم؟، فالدور القطري في التنمية المستدامة أكبر بكثير من تصورات، وأحلام "سياسية" قد لا تتجاوز حدود هذا الربع النائي الفقير؟ رابعا: إذا كانت الجمعية السلالية طرفا في هذا الموضوع، فلما لم تستشر مع ساكنة المنطقة و الفاعلين في المجال التنموي، حتى تخرج بمشروع مستدام يخرج المنطقة و أهلها من دوامة المقايضات الهشة؟، أليس حريا بالقائمين على هذا الشأن تقديم مشروع استصلاح ثلاثة أو حتى خمسة آلاف هكتار قصد استغلالها لإنتاج العلف ؟ أم أن مقايضة الأرض بكيس علف أفضل من مشروع تنموي مستدام؟ خامسا: إن غياب أي توضيح رسمي لتبديد اللبس حول الموضوع ، محليا أو إقليميا، لما يجري اليوم على أرض هذه البقعة النائية، باعتبار المسؤولية عن أية اتفاقية شراكة – إن وجدت- مع أي متدخل أجنيا كان أم وطنيا، حول تنمية المجال الخاضع لنفوذ بلدية فم الحصن، رعويا كان أو فلاحيا أو يحمل أية صفات استثمارية أخرى، لينم عن طمس و إلغاء دور المواطن في السياسة التشاركية في المجال التنموي باعتباره المستهدف والمستفيد، و بالتالي نتساءل علاقة المنتدب بالمواطن وشؤونه في ظل السياسة التنموية التشاركية، التي سطرها المغرب، والقائمة على أساس الشفافية و الوضوح، والخاضعة لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة و التي جاءت بها الهندسة الجديدة للدولة المغربية، وما خطاب العرش الأخير لجلالة الملك نصره الله إلا مرجعيتها الأساس؟. إن الجواب الأمل عن هذه الأسئلة و غيرها، سيبقى رهن ما ستحمله الأيام القادمة من معطيات و مستجدات جديدة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التطورات المستجدة التي تعرفها البلاد، و التي تشرف عليها هياكل وزارة الداخلية، في إطار مفتشيتها العامة للإدارة الترابية، خاصة وأن السيدة الوالي المفتش العام للإدارة الترابية لا تخفى عنها خبايا جهة سوس ماسة، بل و كل الجماعات الترابية المنضوية تحتها. وختاما، فالشعور بالغيرة على هذا الربع النائي طبيعيا، و المنسي سياسيا و تنمويا، و ما آل إليه مصيره و مستقبله التنموي، يوقظ في النفس شعور الإحساس بالتهميش و الإقصاء قبل الشعور بالأسى و الأسف. و لعل ما يؤسف له في هذه الرقعة الجغرافية المنسية النائية، بما تحمله الكلمتين من معنى؛ أن الممارسات السياسية لبعض من يتولون تسيير أمور الشأن المحلي نيابة عن الساكنة ، يحسبون التكليف تشريفا، و المسؤولية سلطة، و هي ليست كذلك، بل هي مسؤولية ثقيلة ألقيت عليهم وسيحاسبون عليها أمام الله أولا، وأمام الملك و الوطن ثانيا، ثم أمام من كلفوهم بتحمل مسؤولية تسيير أمور منطقتهم و النهوض بمصالحهم العامة ثالثا، وليس آخرا، فالثقة التي يحصل عليها المرشح من ناخبيه من واجبه ترجمتها إلى أفعال واقعية ملموسة، منزهة عن كل الشبهات بعيدا عن المصالح الشخصية، والحزبية، والعرقية الضيقة. فحين تغيب أبسط شروط المسؤولية عن صاحبها تفقد معناها، كما ورد في الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش: "وما معنى المسؤولية، إذا غاب عن صاحبها أبسط شروطها، وهو الإنصات إلى انشغالات المواطنين؟"، وما الخطاب الملكي إلا المرجعية الوطنية الشاملة الملزمة الواجبة للنهوض بحال الأمة والوطن.